بشائيات

الفنون ومتعة الوهم الجميل

مدحت بشاى
مدحت بشاى

مدحت بشاى

لقد عرف الفيلسوف «سنتيانا» الفن بأنه متعة جماليّة، أو لذة جماليّة، وغيره الكثير من الكتاب المحدثين الذين يربطون بين مفهوم الفن ومفهوم الجمال، أو القدرة على توليده، أو المهارة فى استحداث ما يطلق عليه متعة جماليّة.
ومن اتجاه آخر يفرّق «كنت» بين الفن وهو نشاط تلقائى حر، غير أن المهنة صناعة لها ثمن تهدف فى النهاية إلى المنفعة المادية، وترمى إلى الكسب. ويعرّف المفكر الألمانى «لانج» الفن بأنه مقدرة الإنسان على إمداد نفسه وغيره بلذة قائمة على الوهم، وليس له أى غرض شعورى يرمى إليه سوى المتعة المباشرة.
أما الذى رفض إدخال مفهوم الجمال أو اللذة فى تعريف الفن فهو الروائى الروسى تولستوي، بل حمل بشدة على المذاهب التى نحت هذا المنحى، مؤكداً أن تعريف الفن بالاستناد إلى ما يتولد عنه من لذة أشبه ما يكون بتعريف الطعام بالاستناد إلى ما يسببه لنا من متعة أو لذة فى حين أن المهم هو معرفة الدور الذى يؤديه فى حياة الإنسان أو الإنسانيّة بصفة عامة، فهو مظهر من مظاهر الحياة البشريّة، وإحدى وسائل الاتصال بين الناس، وهو لا يقل أهمية عن الكلام، لأنه لو لم تكن لدينا تلك المقدرة على التعاطف مع الآخرين عن طريق الفن، لبقينا متوحشين، منعزلين، يحيا كل منا بمنأى عن الباقين.
ويؤكد تولستوى أن الفن ضرب من النشاط البشرى الذى يتمثل فى قيام الإنسان بتوصيل عواطفه إلى الآخرين، بطريقة شعوريّة إراديّة.
حين أنجز «مايكل انجلو» تمثاله الضخم الشهير «داوود» من الحجر، دعت البلدية فى يوم 25 يناير 1504 أحد عشر فنانًا من عظماء القرن السادس عشر ليختاروا موقعًا فى المدينة لتمثال «مايكل انجلو»، كان من بين هؤلاء أساتذة له ومجموعة من رموز عصر النهضة العظام، ولكنهم اختلفوا جميعًا حول الموقع وانتهى الاجتماع بأن أصدروا قرارهم بأن يتولى «مايكل انجلو» بنفسه اقتراح الموقع.
بعد سرد كل تلك الرؤى المتباينة والتعاريف المتنوعة للفن وأدواره الكثيرة والهامة فى دنيا الناس، عندما تم تشكيل تلك اللجنة الرائعة من كبار مبدعى ذلك العصر لاختيار موقع وضع العمل، تقديرًا لأهمية ومكانة العمل وتوقع تأثيره الفنى والجمالى والروحى والاجتماعى، أرى أهمية أن يصل ما سبق من إشارات لدور الفن ورسائله الإنسانية عبر اللوحة والتمثال واللحن وكل ألوان التعبير، وتنمية الوعى والتذوق الفنى لدى المتلقى.. أن تصل تلك الرسائل لمتخذ القرار والمنفذ ومن قبلهما المخطط من أجل مناهضة القبح بكل أشكاله وفى كل مواقع انتشاره.