قضية ورأى

‏ تعلَمتُ من ابنتى

د. حسام محمود  فهمى
د. حسام محمود فهمى

د. حسام محمود  فهمى

[email protected]

 التنشئةُ واجبٌ على الأهلِ، من لم يُرَبَّ فى صغرِه ستتولاه بقسوتِها الأيامُ والليالى. مع التنشئةِ السليمةِ يتعلمُ الأبناءُ الاعتمادَ على النفسِ واحترام الآخرين بلا تعالٍ ولا تفريطٍ.
 بطبعى لا أميلُ إلى العنف، وأتعجبُ من الذين يدفعون تَذاكر ‏لأفلام تُرعِبُهم وتُرجِفُهم وتُشعرُهم بالبرودةِ فى الحر. ‏علاقتى بالحيواناتِ كانت عن بعدٍ، أحترسُ من الكلابِ وأستلطفُ القِططَ، لا أكثر.
 لفَتَ نظرى أن ابنتى طبيبةَ الأسنانِ عضو هيئةِ التدريسِ بالجامعةِ تحملُ دائمًا كيسًا فيه طعامٌ جافٌّ للقططِ والكلابِ، تحتفظُ به لتُطعم ما تجدُه منها فى الشارعِ؛ تَطهو لها وتأخذُ المرضى منها لعيادةِ الطبيبِ البيطرى حتى فى العاشرةِ مساءً. راتبُها الجامعى المحدودُ ‏يتبددُ على القططِ والكلابِ. ‏ ‏استغربتُ فى الأولِ ما تفعلُ، لكن مع الوقتِ أيقنتُ أنه خيرٌ ورحمةٌ لكائناتٍ خلقَها ربنا، تتألمُ وتجوعُ فى صمتٍ.
 ‏شيئا فشيئا، ‏تغيرَت نظرتى من مُجرد التعاطفِ إلى إبداءِ الرأي، ‏وهو ملعبى المفضلُ. ‏ما الهدفُ من مصارعةِ الثيرانِ فى إسبانيا، ‏إحدى دول قارة أوروبا التى ترفعُ شعاراتِ الإنسانيةِ والرحمةِ والعدلِ والرقي؟ ‏لو كانت هذه الهمجيةُ الوحشيةُ باسمِ الرياضةِ عربيةً، هل كانت أوروبا ستظلُّ صامتةً؟ ‏أصبحتُ أتعجبُ ممن يتباهون بصيدِ البطِّ ويعتبرونه رياضةً، يفتخرون بصورِهم بالبنادقِ الفتاكةِ وحولهُم عشراتُ الضحايا من البط!! هل سيأكلونه، أم سيتبرعون به، أم سيرمونه؟! كيف تتباهى فنانةٌ تريدُ إنسانًا رقيقًا بأن خطيبَها ‏صيادُ بطٍ؟!‏! ‏وما العائدُ من صيدِ العصافيرِ؟! ما الذى يؤكل فى العصفورِ؟!! ‏الحيواناتُ المفترسةُ تصطادُ لتأكل، لا منظرةً ولا تباهيًا.
 ‏فى أحيان كثيرةٍ، يجعلُ التعاطفُ مع الحيواناتِ الإنسانَ نباتيًا؛ كثيرٌ من المعتقداتِ فى دولِ آسيا لا تُجيزُ أكلَ كائناتٍ خلقَها اللهُ مثلما خلقَ الإنسانَ.
‏ ‏لو لم نَجدْ ما نتعلَمُه من أبنائنا قد نكونُ قصَّرنا فى تربيتِهم. شكرًا ابنتى العزيزة...
 اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز.
‏< أستاذ هندسة الحاسبات - عين شمس