إهدار للمال العام| البرلمان ينتفض ويرفض موازنة القومي للسكان.. وخبراء: الحل في الحوكمة

صورة موضوعية
صورة موضوعية

استهدفت الرؤية العامة للإستراتيجية القومية للسكان 2015 - 2030 الوصول بالمجتمع المصري إلى مجتمع أكثر تجانساً يحقق التوازن بين عدد سكانه وموارده الطبيعية، قادر على تلبية تطلعات أفراده لتحقيق نوعية حياة أفضل.

بلغ معدل الإنجاب الكلي لكل مرأة في مصر إلى 3 أطفال عام 2008 وهو ما كان مؤشرا على نجاح جهود قبح زمام الزيادة السكانية ولكن للأسف بدلا من الوصول إلى المعدل المستهدف وهو 2.4 حدثت ردة وعادت مصر مرة أخرى في عام 2014 إلى معدل إنجاب 3.5 وهو ما يعد تراجعا لمعدلات عام  2000 وهو ما يعني أن جهود 14 عاما ضاعت بلا أي نتيجة، وبمتابعة لغة الأرقام وصلت مصر عام 2020 إلى معدل إنجاب يساوى 3.07 .

ناقشت لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة والأشخاص ذوي الإعاقة، بمجلس النواب، أداء المجلس القومي للسكان، حيث استمعت إلى رأي ممثلي المجلس القومي للسكان، ورأي كل من وزارة المالية، ووزارة التخطيط.

 قررت اللجنة رفض موازنة المجلس القومي للسكان للعام المالي 2020-2021 مبدية رأيها والذي تمثل في أن المبالغ المخصصة تعد إهدارا للمال العام، علما بأنه سبق للجنة رفض موازنة المجلس للعام المالي 2017-2018 ، والعام المالي 2018-2019.

وأصدرت اللجنة توصياتها التي تمثلت في:

1. نقل تبعية المجلس القومي للسكان من وزارة الصحة والسكان ليصيح تحت رئاسة مجلس الوزراء، حيث إن المهام والاختصاصات المختلفة المنوط بالمجلس القيام بها تتطلب التنسيق والتعاون بين كافة الجهات المعنية ممثلة في الوزارات والمحافظات، الأمر الذي يصعب معه القيام بهذا الدور في ضوء تبعبة المجلس لإحدى الوزارات "وزارة الصحة والسكان"

2.منح الصلاحيات لمقرر المجلس القومي للسكان بما يمكنه من أداء مهام المجلس 

3.تفعيل دور فروع المجلس القومى للسكان بالمحافظات لتكون برئاسة المحافظين، حيث إن للمجلس 27 فرعا في جميع محافظات الجمهورية، ولا توجد أية صلاحيات لتلك الأفرع، بما يمكنها من متابعة وتقييم عمل المديريات العاملة في مجال السكان ولا تتمكن من الحصول على أية تقارير أو إحصاءات رسمية، ويستلزم ذلك العديد من الموافقات للحصول على أية بيانات، مما أضعف دور هذه الفروع، ومن ثم أصبحت غير فعالة، الأمر الذي أثر بشكل كبير على أداء المجلس بشكل عام

4 - ضرورة قيام المجلس القومي للسكان بوضع خطة واسعة محددة المعالم، مشتقة من الاستراتيجية القومية للسكان 2015-2030 مع وضع الآليات الفاعلة لتنفيذ هذه الخطة سنويا، وتوفير التمويل اللازم لتفعيل الخطة

5. وجوب الاستفادة من العاملين بالمجلس القومي للسكان وتوظيفهم بما يعود بالنفع على الدولة المصرية، حتى لا بهدر ما خصص لهم من أجور ومرتبات ومزايا تجاوزت 80% من إجمالي الموازنات، مع وجوب تفصيل الدور التنسيقي والتوجيهي والبحثي، وإعادة هيكلة العاملين

6. وجوب تمكين المجلس من أداء مهامه وفي حال عدم القدرة على تمكين المجلس، يتم تجميد نشاطه لحين ضمان تنفيد المادة 41 من الدستور والتي تنص على أن تلتزم الدولة بتنفيذ برنامج سكاني يهدف إلى تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكاني والموارد المتاحة، وتعظيم الاستثمار في الطاقة البشرية وتحسين خصائصها، وذلك في إطار تحقيق التنمية المستدامة.

رفضت اللجنة موازنة المجلس القومي للسكان للعام المالي 2021/2020 شكلا وموضوعا تجنبا لإهدار المال العام، وأوصت بإعادة توجيه الاعتمادات المالية المدرجة للمجلس إلى جهات أخرى تخدم أهدافه، في حال عدم تفعيل هذا المجلس.

كانت وزيرة الصحة والسكان د.هالة زايد، قد أكدت أن  الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، يولي اهتماما بالغا بالقضية السكانية، وأن ملف السكان كان أحد الملفين اللذين تم تكليفها بهما في أول اجتماع مع رئيس الجمهورية، موجها بالارتقاء بصحة المصريين وحل القضية السكانية.

قرارات على الورق

وجهت وزيرة الصحة بانعقاد المجلس القومي للسكان في الأسبوع الأخير من كل شهر، للوصول إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، ومتابعة الاستراتيجيات وتقييمها بصفة دورية، للوصول إلى أفضل النتائج، منوهة إلى عقد غرفة عمليات لمتابعة المشكلة السكانية، وتستهدف الأسر ذات الكثافة السكانية العالية.

وقالت وزيرة الصحة والسكان، سيتم إطلاق مبادرة للحد من الزيادة السكانية في القرى الأكثر إنجابا، موضحة أنه سيكون هناك تدريب للأفراد المشاركين بالمبادرة، مؤكدة أن المبادرة ستعمل على توفر احتياجات الأسر، سواء فرص عمل، أو التوعية بالحث على طفلين فقط، وتوصيل رسائل تنظيم الأسرة بشكل غير تقليدي، منتقدة كثرة تنظيم المؤتمرات وورش العمل بدون عائد ملموس على أرض الواقع.

الخبراء
ومن جانبه،  أكد مقرر المجلس القومي للسكان السابق وأستاذ مساعد النساء والتوليد والعقم بقصر العيني د.عمرو حسن، في تصريحات لـ«بوابة أخبار اليوم» أن مصر لن تنطلق وتتحقق شخصيتها الكامنة بوجهها الحقيقي، إلا إذا تحررت من عبء الزيادة السكانية، كما تحررت من فيضانات النهر العشوائية ببناء السد العالي، وتَحرر قرارها السياسي بإنتاج السلاح وتنويع مصادره، والعمل على زيادة الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء.

وأضاف د.عمر حسن: «بعد أن تحملت مسئولية هذا الملف الهام لمدة عام تقريباً، أستطيع القول، إنه إذا كان بناء المدن الجديدة، بما فيها العاصمة الإدارية والشبكة القومية للطُرق، هو مفتاح التخطيط الإقليمي، لتحقيق توزيع جغرافي أكثر توازنا للسكان، وتقليل التفاوتات بين المناطق الجغرافية وبين الشرائح السكانية، فإن حل المشكلة السكانية، هو مفتاح التخطيط القومي لمصر».

 وشدد على أن خفض النمو السكاني الكبير، يجب أن يكون هو كلمة المستقبل، وأن يكون التخطيط السكاني، من أول وأهم فصول التخطيط القومي لمصر، مؤكدا أنه لا يوجد عصا سحرية تحل المشكلة، ولكن حل هذه المشكلة، يتطلب وعي واهتمام ورؤية وعمل جاد، كما يتطلب مواجهة مواضع القصور والاعتراف بها لوضع الحلول المنطقية، مؤكدا أن الشعب المصري قادر على تحدي الصعاب والنجاح في أي مهمة مهما كانت صعبة أو مستحيلة والتاريخ شاهد على ذلك .

وأشار د.عمرو حسن، إلى أنه من خلال متابعة المناقشات الكثيرة والاطلاع على الدراسات العديدة التي قام بها عدد كبير من العلماء والباحثين والمتخصصين في مجال السكان والتنمية على مدى العقود الماضية من تاريخ مصر، ومن خلال دراسة الخطط والرؤى والأبحاث والحلول العديدة ومتابعة النتائج التي تم تحقيقها على أرض الواقع والتي وضعت للتصدي للمشكلة السكانية في مصر، فإن رؤيته وتصوره لحل هذه المشكلة السكانية الكبيرة، يتمثل في تفعيل الحوكمة لضبط الأداء مع ضرورة أن يتم ذلك وفقاً لإطار مؤسسي يُديره المجلس القومي للسكان من خلال رسم السياسات ووضع الخطط وتنظيم الأدوار ومتابعة التنفيذ، على أن تشترك الوزارات المعنية في تنفيذ الخطط كفريق عمل واحد وفقاً للرؤية التب وضعها المجلس القومي للسكان. 

ولفت إلى أن الدولة المصرية دخلت في مواجهة المشكلة السكانية منذ عام 1965 أي أن عمر هذه التجربة اقترب من 60 عاماً، خضعت خلالها للمراجعة والتقييم الذي يتيح الإجابة على السؤال الذي يطرح نفسه وهو ما الذي تحقق وإلى أي مدى وما هو المطلوب لتحقيق أكثر مما تحقق، مؤكدا: «بطبيعة الحال فإن ما تحقق لايتكافأ مع ماكنا نطمح إليه» .

وفي رأي أخر، أكد رئيس اتحاد الجمعيات الأهلية ورئيس الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة د.طلعت عبدالقوي، عدم وجود فهم صحيح لاختصاصات المجلس القومي للسكان، حيث أن دور المجلس تنسيقي وليس تنفيذي، ودوره هو التنسيق بين الجهات المعنية بالقضية السكانية، والتي تتمثل في وزارات الصحة والسكان، والثقافة، والإعلام، والأوقاف، والزراعة، إلى جانب الأزهر والكنيسة.

وقال إنه من الضروري التأكد مما إذا كان المجلس قد قام بدوره في التنسيق بين الجهات المعنية، لافتا إلى تقدم النائبين د.محمد العماري، ورشا رمضان، بمشروع قانون بنقل تبعية المجلس القومي للسكان، لرئاسة الجمهورية، وتعيين مقرر متفرغ وأعضاء غير حكوميين من الخبراء في الملف السكاني.

جدير بالذكر أنه عند وضع أهداف وأنشطة الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية 2030 - 2015 كان من المفترض أن يؤدي ذلك إلى وصول عدد اسكان مصر في 2020 إلى 94 مليون نسمة ولكن الواقع أن عدد السكان في مصر وصل إلى 100 مليون نسمة في 11 فبراير 2020 بواقع زيادة 6 ملايين نسمة عما كان مخططا. 

ووفقا للاستراتيجية، كان متوقعا أن يصل عدد السكان في مصر عام 2030 إلى 110 مليون نسمة، في أن التوقعات الحالية تشير إلى أن عدد السكان سيصل إلى 119 مليون نسمة بحلول 2030 بزيادة 9 ملايين نسمة عما كان مخططا، وهو ما يطلق جرس الإنذار بضرورة تضافر جهود الدولة.

يذكر أن الفترة من عام 1986 وحتى عام 1996 كانت الفترة الوحيدة التي أخذت الدولة على عاتقها العمل على تخفيض معدل النمو السكان بشكل جاد، ونجحت في ذلك بالفعل، ومن خلال تحليل عوامل النجاح والإخفاق يمكن القول أن هذا النجاح المؤقت كان مرهوناً بتوافر أربعة عناصر مجتمعة تتمثل في الإرادة السياسية، ووجود سياسة سكانية شاملة تتميز بالقوة والاستقلال والاستقرار، مع وجود الإطار المؤسسي المعني بملف السكان، وتوفير الموارد المالية اللازمة لتقديم خدمات تنظيم الأسرة سواء تقديم الخدمة من خلال العيادات الثابتة والمتحركة أو تدشين حملات التوعية .


أثبتت التجربة العملية منذ الستينيات أن غياب أي عنصر من العناصر السابقة سيجعل البرامج السكانية إما عرضة لعدم النجاح بشكل تام أو لتحقيق نتائج ضعيفة، حيث كان هناك سياسة سكانية منضبطة منذ السبعينيات، وكيان مؤسسي قوي على الأقل نظريا وهو المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة والسكان برئاسة رئيس مجلس الوزراء، ولكن نظراً لعدم توافر الإرادة السياسية وضعف التمويل لم يمارس المجلس صلاحياته وبالتالي لم تترجم السياسة السكانية إلى واقع عملي.

عندما اجتمعت السياسة السكانية المنضبطة مع الإطار المؤسسي القوي«المجلس القومي للسكان»
 برئاسة رئيس الجمهورية مع الإرادة السياسة وتوفير التمويل اللازم من خلال المانحين والموازنة العامة، كانت النتائج المتحققة خلال الفترة من عام  1986 وحتى عام 1996 قوية على صعيد المؤشرات الإنجابية والصحية.

وبمجرد انتقال تبعية المجلس القومي للسكان إلى وزير الصحة والسكان في عام 2002 ، بدأ تباطؤ الإنجاز المتحقق في جميع المؤشرات السكانية بشكل ملحوظ رغم توافر العناصر الثلاثة الأخرى، ومع تراجع تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بحلول 2010 ، بدأ التحسن يتوقف تماماً في جميع المؤشرات ذات الصلة بالصحة الإنجابية.

بعد عام 2011 تراجعت الإرادة السياسية، وبقيت وثيقة السياسة السكانية منفردة دون إطار مؤسسي أو إرادة سياسية أو تمويل، فبدأت معظم المؤشرات تتدهور وارتفع معدل الخصوبة والنمو السكاني من جديد.


وترتب على كثرة تغير إدارة ملف السكان التأخر الزمني في تنفيذ خطط السكان على المستوى الداخلي والقومي والدولي، علاوة على فقد ثقة المتعاملين من الجهات ذات الصلة داخلياً وخارجياً لعدم الالتزام بالتعهدات، إلى جانب تخطي الجهات المختلفة للمجلس القومي للسكان في وضع أولويات استغلال المنح والقروض الداعمة لمواجهة المشكلة السكانية .

ويدلل على أهمية استقرار إدارة ملف المجلس القومي للسكان، أن الدكتور ماهر مهران شغل منصب مقرر المجلس القومي للسكان، لفترة تجاوزت 16 عاماً بداية من 1985 حتى 2002 مما كان له أكبر الأثر في تحقيق إنجاز غير مسبوق في خفض معدل النمو السكانى في مصر، ثم تعاقب على منصب مقرر المجلس القومى للسكان منذ 2019 إلى 2011 ما يقرب من 8 مقررين؛ ما تسبب في عدم استقرار إدارة الملف، وانعكس بالسلب على جهود الدولة في خفض معدل النمو السكاني.

يرجع تاريخ تناول قضايا السكان في مصر إلى الثلاثينيات من القرن الماضي، من خلال التحذيرات التي أطلقها بعض المهتمين بقضايا المجتمع ومن أبرزهم د.محمد عوض محمد، الذي أوصى في مؤلفه «سكان هذا الكوكب»، بضرورة التحرك واتخاذ الحيطة والحذر لتحاشي الدخول في منطقة الخطر السكاني، أعقبه فتوى مفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ عبد المجيد سليم، بأن الإسلام يبيح تنظيم الحمل عن طريق العزل أو أية وسيلة أخرى مشروعة، كان ذلك في عام 1937، وفي عام 1937 عقدت الجمعية الطبية المصرية مؤتمرا عن تنظيم الأسرة  من الناحية الصحية، وفي عام 1952 أعادت الثورة استقلال مصر السياسي، وبدأ القادة يعلنون التحديات التي تواجه التنمية.

تميزت الفترة منذ عام 1953 حتى أوائل الستينيات بأنها فترة استكشاف رسمي من جانب الدولة لأبعاد المشكلة السكانية في مصر، وشهد عام 1962 أول إعلان رسمي لموقف الدولة فيما يتعلق بمشكلة التزايد في عدد السكان في مصر، فقد جاء في ميثاق العمل الوطني الذي أعلن مايو 1962 أن مشكلة التزايد في عدد السكان هي أخطر العقبات التي تعرقل مسيرة الشعب المصري في الانطلاق نحو رفع مستوى الإنتاج بطريقة فعالة وقادرة "ويمثل هذا الإعلان أو تأييد رسمي حكومي لتنظيم الأسرة كأحد أدوات إبطاء النمو السريع.

وفي هذا السياق، أنشئ المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة بالقرار الجمهوري رقم 4075 لسنة 1965، برئاسة رئيس الوزراء، وتم وضع برنامج قومي لتنظيم الأسرة عام 1966، وفي عام 1972 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1054 بشأن إعادة إنشاءه و سمي المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة والسكان، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء، وفي عام 1985 صدر قرار جمهوري بإنشاء المجلس القومي للسكان .

مراحل زيادة عدد السكان في مصر خلال 70 عاما بداية من 1950 إلى 2020