إنها مصر

لا تأمن للذئب !

كرم جبر
كرم جبر

لا تأمن للذئب حتى لو ظهر فى ثياب الحمل الوديع.
فالرئيس السادات هو صاحب نظرية «الصفحة البيضاء»، وأراد بداية جديدة مع الإخوان المسلمين، ففتح السجون والمعتقلات، وأعادهم للحياة، فحكموا عليه بالموت.
اقترب منهم وأطلق على نفسه لقب «الرئيس المؤمن»، وظن أنهم سيردون له الجميل، ولم يفق إلا بعد الصدام العنيف فى أحداث الزاوية الحمراء سنة ١٩٨١، فخرج فى خطاب علنى يصب عليهم غضبه، وقال عبارته الشهيرة: «‬أنا كنت غلطان».
‬«غلطة بالقبر» وبعد فوات الأوان واغتالوه يوم عرسه، وانطلقت ذئابهم تقتل وتحرق خصوصاً فى أسيوط والصعيد، ولكن كانت إرادة الله فوق أيديهم وأفلتت البلاد من مصيدة الدم والنار، فأدخلونا فى أحداث الإرهاب التى روعت البلاد فى الثمانينيات.
جمال عبد الناصر لم يكن إخوانياً، ورغم ذلك حاول احتواءهم وتحقيق مطالبهم فى بداية الثورة، ولما أدرك أنهم يريدون أن «يتعشوا بيه»‬، «‬تغدى بهم» وكان عنيفاً فى مواجهتهم، لذا ظل الثأر التاريخى يحكم العلاقات بين الطرفين، ورغم محاولات بعض الناصريين المصالحة والتحالف مع الذئاب بعد أحداث 25 يناير، إلا أن ما فى القلب فى القلب، ولم ينزح أبداً العداء التاريخى، وقالها مرسى: «الستينات وما أدراك ما الستينات».
الإنجاز الأعظم للرئيس عبد الفتاح السيسى أنه خلص البلاد من عصابة إرهابية شرسة، وأسوأ من أى احتلال واجهته مصر فى تاريخها، جاءوا لمحو هوية الوطن وحضارته، وإدخاله حظيرة الجلادين والسيف والكرباج، وظن رئيسهم المعزول أنه فوق الدستور والقانون والدولة.. ولكن كانت إرادة الله فوق أيديهم، وعادت مصر لنفسها وشعبها.
الدرس المستفاد: لا تأمن للذئب حتى لو ظهر فى ثياب الحمل الوديع، فسوف يأتى يوم ينقلب عليك وينهش لحمك ويقرقش عظامك.. والمستهدف هنا هو مصر، التى تصوروا أنها استسلمت لهم، فأذاقتهم غضبها.
كُتبت لمصر شهادة ميلاد جديدة فى يونيو، فلم يكن ممكناً أن تبنى أو تعمِّر أو تنطلق إلى المستقبل، بينما ينهش جسد الوطن ذئاب دموية لا يعنيها إلا الجلوس على مقعد السلطة، ولو كان ذلك على جثث الأبرياء.
قالها مرسى: «إيه يعنى لما يموت البعض عشان يعيش البعض»، وهى فلسفة دموية تمنح الحياة على حساب الموت، وتستهين بالأمن والسلامة والطمأنينة وتستبدلها بالخوف والذعر والقتل.
جماعة لا تسعد إلا بالكوارث والنكبات، ففى استحكام حلقاتها فرج لهم، فى اشتعال الحرائق تدفئة لمؤامراتهم، ومنذ نشأتهم كانوا شوكة فى الظهر، فهم يتطلعون لوطن غير وطنهم، ولا يريدون حكماً إلا حكمهم، ولا يتورعون فى استخدام أية وسيلة تحقق أطماعهم.
ذاكرة الوطن لا تنسى، وإن كانت ذاكرة المواطنين تركن إلى النسيان.