تعرف علي قصة «الحركات الراقصة والبالية» من إبداع مصرى قديم 

الحركات الراقصة والبالية
الحركات الراقصة والبالية

دراسة فى التراث المصرى القديم للباحثة زينب محمد عبد الرحيم باحثة في الفولكلور والثقافة الشعبية تقدم قراءة فى كتاب "الرقص المصرى القديم" لإيرينا لكسوفا يتضمن تصنيفًا للرقصات المتنوعة المسجلة على جدران المقابر والمعابد التي وثقها لنا المصري القديم .

وتشير الباحثة زينب محمد عبد الرحيم إلى أن الكتاب يقدم تعريفًا لمفهوم الرقص كما مارسه القدماء وتصنيف تلك الرقصات المتنوعة والمُناسبة الخاصة لكل رقصة وهل هي تخص الرجال أم النساء والأزياء والآلات الموسيقية المُصاحبة للراقصين وأوضاع الجسد وتحليل الرقصات التي تم تدوينها بواسطة المصري القديم ليكون أول من وضع أسس تدوين الرقصات بالرسم وأيضًا بالهيروغليفية.

وتضيف الباحثة زينب محمد عبد الرحيم أن الرقص فى مصر القديمة هو نوع من المرح واللهو البرئ ليشيع حول نفسه جوًا من البهجة والسرور وكان الرقص من أهم وسائله في هذا السبيل وقد احتل الرقص مكانة كبيرة في حياة المصريين ولعب دورًا هامًا في المجتمع لأنهم إتخذوا منه سبيلاً للعبادة والتقرب من الخالق وجعلوه مظهرًا مِن مظاهر التعبير عن الشُكرِ والإمتنان وشكر الخالق على نعمه كما لجئوا إليه عند وفاة عزيز لديهم إبتغاء إدخال السرور على قلب المتوفىَّ وطرد الأرواح الشريرة التي قد تؤذيه واعتبر المصريون الرقص فنًا راقيًا مقدسًا تزاوله الألهة وتستمتع بمشاهدتهِ ويمارسهُ الملك في الأعياد والاحتفالات ، كما حرص المصريين القدماء على تصويره ضمن ما صوروه من مظاهر الحياة اليومية على جدران مقابرهم مما أتاح لنا تكوين فكره لابأس بها عن أنواع الرقص وحركاته ومظاهره المختلفة.

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار الضوء على هذه الدراسة موضحًا أن الرقص المصري القديم يتكون من سلسلة من المناظر يحاول الراقص خلالها عرض تشكيلة واسعة من الحركات وقد رقص الرجال والنساء في مجموعات وذلك في رشاقةٍ وانسجام  وكانت الفتيات يرقصن وهنّ يعزفنّ على بعض الآلات الموسيقية مثل الطنبور – المزمار – القيثارة أمَّا الرجال فكانوا يرقصون دائمًا بهمةٍ ونشاط وأقدامِهم ثابتة على الأرض وكانت الموسيقى المُصاحبة تتكون من الكنارة – الطنبور – الجيتار- المزمار – الدُف وأحيانًا يكتفون بالمصفقات – الصاجات أو تصفيق الأيدي.

ويشير الدكتور ريحان إلى تصنيفات الرقصات مابين الترفيهي والرياضي والديني وكان الرقص الحركى الخالص في بدايةِ الأمر عبارة عن تفريغ طاقة وكانت غير منتظمة ثُمّ تطورت وأصبحت ذات إيقاعٍ مُنتظمٍ واهتم المصري القديم بالأداء الحركي وتحويلهُ من تلقائي إلى حركات مُنتظمة وذلك بهدف طرد التعب وتوفير الطاقة والرقص الرياضي والذى يتطلب مرونة جُسمانية كبيرة وتدريب طويل وشاق مثل الرقصات الأكروباتية ومن أشهر الجداريات شكل الراقصة التي تميل بجذعها إلى الخلف في مرونة (وضع القنطره) ويوجد العديد من الألعاب الرياضية التي تتطلب رشاقة ومرونة مثل لعبة الدوران وتسمى الدوران المّرِح ويشترك فيها الفتيات والصبيان ويقوم أحدهم بمسك يد الآخر ويدور وهو يميل نحو الأرض في خفة ورشاقة وهذه الرقصات تُشبة حاليًا الجُمباز و الرقصات الأكروباتية في السِرك .

وينوه الدكتور ريحان من خلال الدراسة إلى الرقص الموسيقى وهو الرقص المُصاحب بالفرق الموسيقية وذلك بمصاحبة الجِنك والمِزمّار وهو نوع مِن رقص السمر الذي تتمايل فيه الفتايات في رشاقة ودلال وهنَّ يقمنّ بحركات بارعة بالأذرع والجِذع والسيقان في حين تُصفِق أخريات وذلك النوع فى الحفلات لتسلية الضيوف وهناك رقصات تؤدى في المُناسبات مِثل تتويج الملك أو الاحتفال بالأعياد حيثُ يقمنّ الفتايات الأجنبيات بالرقص ولديهم شعر طويل ويشبه رقصهنّ الرقصات الحديثة وهناك الرقص الجنائزي وينقسم إلى ثلاثة أنواع، الرقص الطقسي، حركات معبرة عن الحزن، الرقص الدنيوى يُمّارس للترفيه عن روح الميت
ويتابع بأن الرقص الجنائزي الطقسي كان يهدف إلى  إدخال السرور علىّ روح المتوفىَّ وطرد الأرواح الشريرة ومن أشهر الرقصات الجنائزية التي صُور فيها راقصتين يتمايلن وفقًا لحركات على ضربات الدفوف وذلك اثناء زيارة المتوفىّ والحركات المعبرة عن الحزن صورت فى العديد من الجداريات تعبيرًا عن الحزن على المتوفىّ وذلك في منظر لبعض النساء والفتيات يقمن بحركات "العديد" وهناك الرقص الدنيوى ويمّارس هذا النوع للترفيه عن روح الميت وأيضًا أصبحت رقصات الأقزام رقصة جنائزية وله العديد من الصور على جدران المقابر مثل مقبرة منحتب إيب رع ووجد رقص الأقزام في متون الأهرام: كان يُقال للبحار لكي يَسمح لروح الملك المتوفىّ بالعبور بقاربهِ إلى العالم السفلي أنَّ القزم سيرقص للإله رع ليبعث البهجة في قلبه وأمام عرشه العظيم .

ويشير الدكتور ريحان إلى الرقص الديني وكان جزء لا يتجزء من الخدمة الدينية وكانت الآلهة تفرح وتُسّر بالرقصات وقد قال الحكيم آنى فى تعاليمهِ " الغناء والرقص والبخور هى وجبات الإله" في معبد حتحور نقرأ: إنّا نقرع الطبول من أجل روحها ونرقص لجلالهّا، فهيّ سيدة الصلاصل وربه القلائد الرنانة، هيّ سيدة الطرب وربه الرقص، هيّ سيدة الجمال وربه التعطُر وهناك الرقص الجماعى حيث تقوم كل راقصة بعمل حركات مخالفة عن الآخرى ولا تكترث للآخريات ولا يربط بين رقصهنّ سوى توقيت النغم و الرقص التمثيلى حيث تقوم فتاه بعمل دور الخصم المهزوم حيث تكون راكعة والفتاة الأخرى واقفة وتُمسك بيدها اليسرى على شعر العدو والذي يُميز الرقصة عن صورة الملك الحقيقي الذي يُسجل انتصاره على الأعداء إنَّ هذه الفتاة لا تمسك في يدها اليمنىّ أي عصا أو صولجان.

ويوضح الدكتور ريحان أن المصرى القديم عرف رقص المحاكاه حيث قلد الراقصون حركات الحيوانات ولا توجد مناظر كثيره تُعبر عن هذه المحاكاه ولكن ورد نص في معبد آمون بالكرنك عن الملك أحمس تب رع " انعكس بهاؤه على مُحيّا الرجال كبهاءُ آتوم في السموات الشرقية عندما ترقُص النعامة في الصحراء" ويوجد محاكاه للظواهر الطبيعية مثل منظر على جدران بنى حسن حيث رمزت الفتاة واقفة باسطة ذراعيها إلى حركه الريح بينما ترمز الفتاتان المائلتان أمامها في إنثنائاتهن إلى النباتات المتمائلة بفعل الريح و الرقص الحربي وكان وسيلة مألوفة من وسائل التسلية للقوات العسكرية في وقت الراحة ويمثل رقص الجنود حركات غير منتظمة تصحبها صيحات التحدي ويحاول قارع الطبول الكبيرة توجية حركات الراقصين و الرقص الزوجى والمقصود به إمَّا رجلين او امرأتين وتوجد العديد من المناظر التي تصور فتاتان يرقصنّ أزواجًا وتواجه كل منهنّ الآخرى ممسكان بالأيدى وتقف كل منهنّ على ساق وترفع الساق الآخرى مع إنثناء في الركبة.