شىء من الأمل

كورونا وسد النهضة !

عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب

كلاهما، فيروس الكورونا المستجد وسد النهضة يمثلان لنا الآن مشكلة.. غير أن مشكلة فيروس كورونا يشاركنا فيها معظم العالم حيث اصاب الفيروس بدرجات مختلفة نحو المائة دولة حتى الآن، بينما صارت مشكلة سد النهضة مشكلتنا وحدنا نظرا لأن السودان التى كان من المفروض أن تشاركنا فيها تتصور ان هذا السد سيجلب لها بعض الفوائد مثل الحماية من اخطار الفيضان وتحويل الزراعة الموسمية إلى دائمة فضلا عن الطاقة، ولا تكترث بالأخطار التى تهددها فى حالة عدم التزام إثيوبيا بدقة دراسات انشاء السد التى تضمن سلامته وأمنه.
لكن مع اختلاف طبيعة المشكلتين فثمة ما يجمع بينهما فى نهج المواجهة، وبالتالى الحل والعلاج.. فرغم أن أسباب ظهور فيروس كورونا المستجد لم تعرف بعد، وبالتالى لم يتم التوصل بعد إلى علاج او مصل له، فإن مواجهته فرضت حشدا عالميا واسعا اتسم باتخاذ تدابير عالمية متشابهة وتعاونا دوليا واسعا للسيطرة عليه وحماية البشر منه، وحشدا للقدرات العلمية والطبية الدولية فى أماكن شتى للتوصل إلى العلاج والمصل المطلوب له.. ولعل هذا هو النهج المطلوب منا الآن فى مواجهة سد النهضة، وهو حشد رأى عام عربى وأفريقى ودولى يتفهم موقفنا ويؤيده لحث إثيوبيا على أن تراجع نفسها وتلتزم بالقانون الدولى واتفاق إعلان المبادئ الذى وقعته معنا والسودان، وتتخلى عن وهم اعتبار النيل الأزرق نهراً إثيوبيا كما قال وزير الرى بها، وبالتالى تتوقف عن التحكم فيه وتقبل بمراعاة مصالح وحقوق شركائها فى النهر.
والأمر مهيأ لذلك الآن بعد ان تفهم البنك الدولى ومعه امريكا التى رعت مفاوضات واشنطن بين مصر وإثيوبيا والسودان الموقف المصرى من هذه المشكلة والباحث عن حل عادل ومنصف لها يراعى مصالح وحقوق الدول الثلاث، رغم أن الأمر بالنسبة لنا أهم من إثيوبيا، فهو يتعلق بالحياة، بينما هو بالنسبة لها يتعلق بالتنمية.. فقد بدا بوضوح ان مصر وحدها هى التى تطبق ما تقوله فيما يتعلق بتمسكها بالحل السياسى والسلمى للنزاعات فى العالم وبالأخص بين الأشقاء العرب والأفارقة، ولذلك سلكت مصر طريق التفاوض مع إثيوبيا وتحملت فى سبيل ذلك الكثير من المراوغات والمماطلات الإثيوبية لاستهلاك الوقت وفرض الأمر الواقع فى نهاية المطاف حتى تنفرد وحدها بملء السد وتشغيله بدون اتفاق مع مصر والسودان كما يقضى بذلك اتفاق إعلان المبادىء فى مادته الخامسة، وكذلك كما يقضى القانون الدولى بخصوص الأنهار الدولية التى يعد نهر النيل بفرعيه الأبيض والأزرق واحدا منها.. كما بدا ايضا ان مصر وحدها هى الملتزمة بالاتفاقات التى وقعت عليها وبمبادىء القانون الدولى.
وبالطبع فإن خطوة البداية فى هذا الحشد عربية، ليس فقط بحكم الانتماء العربى لمصر، وإنما لأن هناك دولا عربية يمكن ان يكون صوتها مسموعا فى اثيوبيا فى ظل علاقاتها الاقتصادية معها واستثماراتها المباشرة فيها.. وهذا ما فعلته مصر فعلا حينما عرضت الأمر على وزراء الخارجية العرب واستصدرت بيانا داعما لها ومطالبا إثيوبيا بصيانة الحقوق التاريخية المصرية فى نهر النيل وتجنب إصابتها بأضرار فى مياهه، وهو البيان الذى لم يكن للسودان تبرير مقبول لتحفظه عليه رغم استبعاد اسمه من القرار.
وبعد هذه الخطوة العربية التى شملت ايضا جولة لوزير الخارجية فى سبع دول عربية، يتعين ان تكون لنا خطوة مماثلة مع الأشقاء الأفارقة، ثم خطوة أوسع عالميا خاصة مع الصين وروسيا والدول الأوروبية، والمنظمات الدولية المختلفة.. ولنكن واثقين اننا بالإصرار والتمسك بحقوقنا سوف نجد حلا لهذه المشكلة، كما سيجد العالم علاجا لفيروس كورونا.