الحفاظ على الدولة السورية أولوية مصرية

 تركيا تستخدم الميليشيات الإرهابية لتغيير ديمجرافية الشمال السورى
تركيا تستخدم الميليشيات الإرهابية لتغيير ديمجرافية الشمال السورى

دراسة: صلاح وهبة

يسعى النظام التركى منذ سنوات الى تعزيز نفوذه بعدة مناطق فى سوريا لتحقيق أطماعه هناك، وذلك من خلال تبنى استراتيجية تعمل على تمتين الوجود العسكرى التركى بشمال سوريا، بالتزامن مع دعم الجماعات الإرهابية المسلحة للدخول فى قتال ضد قوات الجيش الوطنى السوري، وانتهاء بالسعى لتغيير التركيبة السكانية فى شمال سوريا والعمل على «تتريكها» تمهيدًا لضمها بشكل نهائى فى المستقبل.


وانطلاقا من أن الأمن القومى المصرى يمر عبر دمشق كإحدى دوائره وخط الدفاع الأول شرقًا، فقد تحركت القيادة المصرية لمواجهة هذه الأطماع، واحتلت الأزمة السورية مرتبة متقدمة فى قائمة أولويات السياسة الخارجية المصرية، وهى السياسة التى تقوم على أهمية دعم الدولة الوطنية ومؤسساتها، وهو الأمر الذى يتعارض مع توجهات النظام التركى التى تعتمد بشكل أساسى على دعم الجماعات المسلحة وأنشطتها لفرض سيطرتها والوصول لسُدة الحكم، لتخدم على مشروعه التوسعى فى الإقليم.


تصحيح الوضع


تأتى التحركات المصرية منذ عام 2014 تصحيحا للوضع، بعد أن اتخذت السياسة المصرية منحى خطيراً إبان حكم جماعة الإخوان الإرهابية لمصر، ففى صيف عام 2013 دعا محمد مرسى فى مؤتمر نصرة سوريا للجهاد فى سوريا، وهو الأمر الذى حمل خطورة كبيرة نتيجة مباركة أعلى سلطة فى الدولة المصرية آنذاك، لتدفق سيل المقاتلين الأجانب إلى الأراضى السورية. 


وقد حدد الرئيس عبدالفتاح السيسى خمسة أبعاد أساسية للموقف المصرى من الوضع فى سوريا، وذلك فى الحوار الذى أدلى به لرؤساء الصحف القومية فى 22 أغسطس 2016،  وهذه المحددات هى (احترام إرادة الشعب السوري، وإيجاد حل سلمى للأزمة والحفاظ على وحدة الأراضى السورية، ونزع أسلحة الميليشيات والجماعات المتطرفة، وإعادة لإعمار سوريا وتفعيل دور مؤسسات الدولة).. وفى إطار هذه المحددات رعت مصر مؤتمرين متتالين للمعارضة السورية خلال شهرى يناير ويونيو فى عام 2015، للعمل على بناء معارضة سورية تؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية، وصدرت وثيقة عرفت باسم «خريطة طريق للمعارضة السورية» تضمنت عشر نقاط وأكدت على استحالة الحسم العسكرى للأزمة وضرورة التسوية السياسية التفاوضية.


وفى يوليو 2017 قامت مصر بلعب دور الوسيط للتوصل إلى هدنة فى غوطة دمشق، بعد محادثات جرت فى القاهرة بين مسئولى وزارة الدفاع الروسية والمعارضة السورية المعتدلة ممثلة فى تيار الغد المعارض برئاسة أحمد الجربا، وتم التوقيع على اتفاقات حول آلية عمل منطقة خفض التصعيد، وكذلك مناطق الانتشار وحجم قوات مراقبة خفض التصعيد، بالإضافة إلى اعتماد طرق لإيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان وتأمين حرية التحرك للمقيمين، وهو الاتفاق الذى التزم به الجيش الوطنى السورى فى بيان رسمي.
وفى يوليو 2018 وقع عدد من فصائل المعارضة المسلحة فى الساحل السورى، على اتفاق وقف إطلاق النار فى القاهرة برعاية مصرية وبضمانة روسيا الاتحادية من جانب، ورئيس تيار الغد السورى وقتها أحمد الجربا، حيث شمل الاتفاق المشاركة فى جهود مكافحة الإرهاب والعمل على تسوية سياسية للأزمة السورية، وعودة اللاجئين والنازحين لمناطقهم والإفراج عن المعتقلين.


وفى نفس الشهر وقعت الفصائل المسلحة فى ريف حمص الشمالى، وعلى رأسها جيش التوحيد، على اتفاق بالقاهرة برعاية المخابرات العامة المصرية وضمانة روسيا الاتحادية وبوساطة رئيس تيار الغد السورى، للانضمام لجهود مكافحة الإرهاب فى سوريا وإنشاء قوى لحفظ الأمن والسلام فى المنطقة، ووجه قادة الفصائل المشاركة فى اجتماعات القاهرة الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسى للجهود التى تبذلها مصر لحل الأزمة السورية ورفع المعاناة عن أبناء الشعب السورى.. واستبعدت القاهرة الائتلاف السورى المعارض الذى تسيطر عليه جماعة الاخوان والمخابرات التركية، وجبهة النصرة وفيلق الرحمن وغيرها، وذلك انطلاقا من رفض الدولة المصرية التعامل مع أية كيانات إرهابية أو متطرفة مدعومة من الخارج، حتى لا تحصل على شرعية سياسية، ولا تعرقل أى حل سياسى فى البلاد، وهو ما جعل القاهرة وسيطًا نزيهًا.


وللحفاظ على الهوية العربية الوطنية السورية تجاه المخططات التركية، قادت مصر فى سبتمبر 2018 تحركات مكثفة على المستوى الدولي، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، والأردن، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وأصدرت الدول الــ  7 بيانا مشتركًا حول سوريا دعت خلاله إلى تشكيل لجنة دستورية عاجلة لدفع جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسى للصراع فى سوريا، يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.


وعقب إطلاق النظام التركى لعملية «نبع السلام» بشمال سوريا   أكتوبر الماضي، بدعوى استهداف التنظيمات الإرهابية، أدانت مصر فى بيان صادر عن الخارجية المصرية الهجوم التركى واصفة إياه بالاعتداء الصارخ وغير المقبول على السيادة السورية، وأكد البيان   مسئولية المجتمع الدولى متمثلا فى مجلس الأمن للتصدى لهذا التطور البالغ الخطورة الذى يهدد الأمن والسلم الدوليين ووقف أية مساع تهدف إلى احتلال أراض سورية.


وحذرت مصر فى بيانها من تبعات الهجوم التركى على وحدة سوريا وسلامتها الاقليمية والعملية السياسية برمتها وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، كما دعت إلى اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية لبحث تلك التطورات وسبل الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة شعبها وسلامة أراضيها.


التنسيق والدعم


ولم تقتصر التحركات المصرية فى مواجهة الأطماع التركية فى سوريا على الجانب السياسى فحسب، وإنما شملت الجانب الأمنى نظرا لأهميته وتأثيره المباشر على الأمن القومى المصري، فى ظل الدعم التركى الضخم للتنظيمات الإرهابية هناك وارتباط الأزمة السورية بشكل مباشر بانتشار الإرهاب فى المنطقة برمتها.. فقد زار رئيس مكتب الأمن الوطنى السورى اللواء على المملوك  مصر، مرتين كانت الأولى فى 17 أكتوبر 2016 وتم الاتفاق على تنسيق المواقف السياسية بين القاهرة ودمشق وكذلك التنسيق فى مكافحة الإرهاب، وكانت الزيارة الأخيرة فى 23 ديسمبر 2018 تلبية لدعوة رسمية من الوزير عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة بهدف التنسيق السياسى وتعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب بحسب ما نشرته وكالة «سانا» السورية الرسمية.


فى ظل المحددات المصرية التى تؤكد على أهمية وحدة الدولة السورية والحفاظ على مؤسساتها، وعدم تورط مصر فى الصراع الدائر هناك بأى شكل من الأشكال، أصبحت مصر وسيطاً أمينًا مرحبًا به من الأطراف المختلفة فى الداخل السوري، ماعدا الأطراف المدعومة من الجانب التركي، وكذلك أًصبحت مصر محل ترحيب للأطراف الدولية الفاعلة فى الأزمة السورية. 


حلف عربى


شكلت مصر تحالفًا عربيًا مع المملكة العربية السعودية بهدف إعادة العراق إلى الحاضنة العربية وسحبه من الحاضنة الإيرانية، إذ أعلنت مصر   رفضها للضربات العسكرية التى تنفذها القوات التركية فى شمال العراق أكثر من مرة بداية من 2017 وحتى الآن، وأعلنت مصر دعمها لبغداد ضد أى تدخل تركى فى العراق وتوحيد جهود البلدين لمكافحة الإرهاب.

 

كما أبدت السعودية استعدادها لفتح آفاق التعاون البناء مع العراق بكل الميادين وتأتى هذه الخطوة بعد فتح السفارة السعودية فى بغداد عام 2015 بعد ربع قرن من إغلاقها فى عام 1990 إثر غزو القوات العراقية الكويت، وجاءت زيارة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدى للمملكة فى أبريل 2019، والتى تأتى فى أعقاب انعقاد مجلس التنسيق السعودى - العراقى فى بغداد كإسهام مهم  فى ترسيخ أسس جديدة للعلاقات بين البلدين وتفتح آفاقاً أرحب للتعاون فى كل المجالات.. كما شكلت مصر تحالفا ثلاثيا بينها وبين الأردن والعراق، تم تدشينه فى 24 مارس 2019 وعلى مدار 6 أشهر عقدت الكثير من الاجتماعات بين الوزراء المعنيين من الدول الثلاث، وتم التوصل للعديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والتفاهمات السياسية حول عدة ملفات.. وتم استعراض نتاج هذه الاجتماعات فى قمة ثلاثية عقدت بنيويورك على هامش جلسات الأمم المتحدة،  بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، والملك عبد الله الثانى ملك الأردن، والرئيس برهم صالح رئيس العراق، وعقب القمة كتب الرئيس العراقى عبر حسابه على تويتر :»قمة مصرية، أردنية عراقية، رسالة بليغة لوحدة الموقف فى خضم صراعات وتنازعات إقليمية، تأكيد على التعاون الاقتصادي، وحلول سياسية فى سوريا وليبيا واليمن، وضرورة التهدئة وإبعاد شبح حروب جديدة عن المنطقة، مجددين الدعم للجهود العراقية لاستكمال النصر ضد الإرهاب بإعادة الاعمار وعودة النازحين».