«لفوني بالبلاستيك كطرد بريدي!»..صرخة سائح كاميروني طرد من تركيا

صرخة سائح كاميروني طرد من تركيا
صرخة سائح كاميروني طرد من تركيا

نُشرت مقاطع فيديو، تظهر رجلا كاميرونيا ملفوفًا في غشاء من البلاستيك داخل طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية التركية. وقد تم تداول هذه الصور على نطاق واسع وأثارت موجة من الغضب في الكاميرون.


من جهتها، توصل فريق تحرير فرانس 24 من التعرف على أربعة مقاطع فيديو تعرض حادثة وقعت خلال الرحلة رقم  TK667بين إسطنبول وياوندي ليلة 28 يناير 2020.


كما عثر فريق مراقبون فرانس 24 على هذا الرجل. وهو إيمانويل فوسو سوميون شيدجو يبلغ من العمر47 عاماً و هو تاجر أحذية في دوالا بالكاميرون. وقد قدّم شيدجو لفريق فرانس 24 عدة مستندات لإثبات قيامه فعلا بهذه الرحلة، وطرده من مطار إسطنبول. كما تمكنت هيئة التحرير من مكالمة ستة ركاب كانوا إلى جانبه في مركز الاحتجاز بالمطار، وأدلوا جميعهم بشهادات تتفق مع ما رواه الرجل.


يقول الرجل: «كنت أريد الذهاب إلى دبي مع رفيقتي لشراء مخزون من الأحذية وتوجهت إلى وكالة أسفار لإعداد كل اللازم. كانت تلك سفرتي الأولى، لكني أدركت بعد فوات الأوان أنني كنت ضحية احتيال.كانت الرحلة إلى دبي تمر عبر إسطنبول حيث تتوقف لفترة ثماني ساعات. كان ذلك بتاريخ 21 يناير، عندما وصلنا إلى إسطنبول بقيت رفيقتي في منطقة العبور وأردت أنا الخروج من المطار لقضاء بعض الحاجيات بما أنه كان أمامي وقت طويل قبل مواصلة الرحلة. لكن عند حاجز مراقبة الجوازات قيل لي إن تأشيرة العبور مزيفة وتم إلقاء القبض علي. ثم نقلوني إلى مكان يشبه مركز احتجاز حيث وجدت رفيقتي التي تم إيقافها هي الأخرى في الأثناء».


واستكمل قائلا «قاموا بمصادرة هاتفي وطلبوا مني التوقيع على أوراق لم أتمكن من قراءتها لأنها بالتركية. كما رفض الضباط الذين كانوا هناك تمكيني من التحدّث إلى محام، لم أكن متأكداً من أولئك الضباط، لا أعرف إن كانوا من الشرطة أو رجال الدرك أو من الحراسة الخاصة. فهم لم يكونوا يرتدون زيّا رسميا. حاولوا ترحيلي مرة أولى بعد يومين من وصولي، أي في 23 يناير. احتججت وأكّدت عزمي على مواصلة رحلتي إلى دبي فضربني الضباط. وعندما وصلت إلى سلم الطائرة احتججت مرة أخرى وصرخت، فخرج طاقم الخطوط الجوية التركية والطيار فورا ورفضوا قبولي على متن الطائرة. ثم طالبوا بأن تتولى مفوضية شؤون اللاجئين العناية بي«.


وتابع «استمروا في ضربي وتهديدي لكي أقبل العودة إلى بلدي. عند الساعة الواحدة بعد الظهر من يوم 28 يناير، جاؤوا يأخذوني لترحيلي على متن طائرة متجهة إلى ياوندي بالكاميرون. فقاومت محتجا من جديد، لكنهم وضعوني هذه المرة في قاعة خاصة. داخل القاعة كان هناك أكثر من عشرة ضباط تعاونوا للسيطرة علي. بدأوا بربط قدميّ ومعصميّ بأشرطة من البلاستيك، ثم وضعوا لي أصفادا معدنية حقيقية، ووضعوا في فمي مناديل من الورق قبل أن يضعوا فوقه شريطا لاصقا».

 

وأضاف «أخيرًا أخذوا لفائف كبيرة من الغشاء البلاستيكي، من تلك التي تُستخدم في المطارات لتغليف الحقائب. أداروها حول جسمي مرات عديدة من الرقبة إلى القدمين حتى أصبح من المستحيل عليّ أن أتحرك، وبدأت أجد صعوبة في التنفس، وضعني ثلاثة منهم على كرسي متحرك وأخذوني إلى طائرة كانت متجهة إلى ياوندي. وفي الداخل حملوني إلى مقعدي كما تُحمل البضاعة. عندما جلس جميع الركاب ولم يبق على موعد الإقلاع إلا حوالي خمسة عشر دقيقة، كنت قد تمكنت من إخراج المناديل المحشوة في فمي وصرت قادراً على الصراخ طلباً للنجدة. لما أدرك الركاب وضعي تحركوا على الفور وطالبوا بنزع كل ذلك البلاستيك عني. كانت رفيقتي على متن الطائرة، وعندما رأتني في تلك الحالة بادرت بتصوير مقطعين من الفيديو لتحتفظ بأدلة عن الحادثة».

 

واستطرد قائلا «تمزقت ملابسي بينما كنت أصارع أعوان الشرطة فطلبت استعادة حقيبتي اليدوية لتغيير ثيابي. في جيب السروال جينز الممزق الذي تركته على مقعدي، كان يوجد مبلغ مالي قدره 2400 يورو، أخذته معي لأتسوق في دبي. لكن عندما أعطاني الضابط الجينز، كانت جيوبه فارغة. وقال لي: "إنك محظوظ ، سنقتلك"، بعد كل ذلك، أخذتني مضيفة من الخطوط الجوية التركية إلى خارج الطائرة التي مكثت رفيقتي داخلها وأقلعت إلى ياوندي. سألتني المضيفة لماذا كنت تحت الحراسة وقلت لها إنه من غير المقبول معاملة الناس بهذه الطريقة، مضيفا أنني مريض وبحاجة إلى معالجة. لكنّها تركتني في بهو المطار أمام مكتب الخطوط الجوية التركية بدون شيء. فاضطررت للتسول حتى آكل».

 

مرّ يومان على هذا النحو، ثم جاءه رجل قدّم نفسه على أنه مسؤول على موظفي الخطوط الجوية التركية وقال له: "لا يمكننا معالجتك ولا يمكنك البقاء في تركيا، وأنت هنا لا يمكنك أن تغتسل، فعليك إذن أن تختار دولة نسفرك إليها، عليك أن تغادر". ثم أتى الضابط لأخذه مجددا إلى مركز الاحتجاز، ثم أخبره أحد رجال الشرطة ممن لفوه بالبلاستيك وهو يحضر له قهوة، أنهم قرروا تسفيره إلى أبوجا في نيجيريا. لكنه قال لهم إن نيجيريا ليست بلده وإنها بعيدة جدًا عن مسكنه. أجابه أنها بجانب مسكنه، ونتيجة إرهاقه استسلم وأخذ بطاقة السفر على تلك الرحلة. وضعوا له الأصفاد لما أخذوه من المطار إلى الطائرة. وهناك لما جلس في المقعد أزالوها وخرجوا.


"كانوا يحجزون هواتف السود ولا يحجزوا هواتف البيض"

أدان إيمانويل شيدجو أيضا المعاملة العنصرية داخل مركز الاحتجاز حيث يتم احتجاز جميع الركاب الذين لم يتمكنوا من عبور حدود المطار. ووفقا لقوله يُحرم السود مباشرة من هواتفهم المحمولة ويُحتجزون في غرفة منفصلة.

 

وقد شاركه وجهة نظره راكب آخر احتُجز لمدة ستة أيام في نفس الفترة. وهو جوني مابايا، كونغولي ويبلغ من العمر عشرين عامًا.

 

وقد أكدت لفريق فرانس 24 سيدتان، إحداهما كونغولية والأخرى كاميرونية، أن الأفارقة يعاملون بصفة مختلفة عن غيرهم. من ناحيته أكد لنا راكب أوكراني تم احتجازه لفترة قصيرة في نفس المكان أنه تمكن من الاحتفاظ بهاتفه المحمول وهو في مركز الاحتجاز.

 

ماذا يحدث في مطار إسطنبول؟

لا يمكن إلا لقلة قليلة من منظمات اللاجئين والمحامين المتخصصين في هذا المجال الوصول إلى مركز الاحتجاز في مطار إسطنبول. وقد علم فريق فرانس 24  بعد بحوث قاموا بها أن عدة محامين من المنظمة غير الحكومية "حقوق اللاجئين في تركيا" تمكنوا من زيارة المركز. لكن المنظمة رفضت طلبنا لإجراء مقابلة.

 

إن السلطة الإدارية للمطار هي المسؤولة عن هذا المكان، كما ينص القانون الخاص بالتزامات شركات النقل الجوي لـ 7 نوفمبر 2015. لكن في الواقع هناك تقاسم للمسؤوليات، إذ تضمن شركة الطيران من ناحيتها عودة المسافر غير المقبول على الأراضي التركية إلى بلده في أسرع وقت ممكن. بينما تتكلف الشركة المديرة لشؤون المطار بأن يقضي المسافر فترة الانتظار في مكان مخصص لذلك وفي ظروف كريمة وآمنة، فلا يوجد أي نص في القانون التركي يحدّد أي من المكلف بمرافقة الركاب على متن الطائرات في حالة الترحيل، الشرطة أو وحدات الأمن الخاصة، أو ما هي الوسائل المتاحة لهم قانونيا ليتمكنوا من السيطرة على المسافر الذي يرفض الامتثال.

 

ويقول مسؤول سابق في الطيران المدني التركي إن شركات الطيران تستخدم خدمات أمن خاص لمواجهة هذا النوع من الحالات. لكننا لم نتمكن من التحقق من صحة قوله.


وقد صرّحت بيريل إركوبان منسقة الجمعية التركية للدفاع عن اللاجئين "مولتشي دير" إن صور عملية طرد إيمانويل شيدجو "مثيرة للاشمئزاز".

 

ولفتت بأنه بغض النظر عن وضع الشخص، فإن هذه الممارسات غير مقبولة، ولا يمكن أن تكون قانونية. يجب على السلطات اتخاذ تدابير إدارية وقانونية ضد الأشخاص المسؤولين عن ذلك، وعدم التسامح مستقبلا مع هذا النوع من الممارسات في مناطق الحدود أو العبور.

 

من جهتها، أعلنت المديرية العامة لإدارة الهجرة وهي فرع من وزارة الداخلية التركية، في 22 فبراير على تويتر، أنه " لا يمكن قبول مثل هذه الممارسات على الإطلاق". وأعلنت أنه "تم تكليف محققين اثنين" بإثبات الأحداث قبل" القيام بما يلزم تجاه المسؤولين ".