عاجل

خارج النص

مائة عام إلى الوراء !

أسامة السعيد
أسامة السعيد

يرفع القائمون على التعليم فى مصر، بشقيه ما قبل الجامعى والجامعي، شعارا صار متداولا فى حياة المصريين منذ سنوات وهو -تظبيط الشغل أهم من الشغل- وهى مقولة تشير إلى أن الشكل والإجراءات المظهرية صارت أهم من المضمون.. وزارة التربية والتعليم غارقة حتى أذنيها فى أزمات التابلت وامتحانات الصف الأول الثانوى، وهل هى من المقرر أم من الكتاب، وهل يتبع المنهج الكتاب المدرسي، أم يعتمد على باقة تعليمية حرة؟ وفى المنتصف يقف الطلاب وأولياء أمورهم عاجزين عن إدراك ما يجرى حولهم، فلا يعرف الطالب لماذا نجح أو كيف رسب، ويعجز ولى الأمر عن تحديد قدرات ابنه الحقيقية، وإذا كان «شقا عمره» الذى أهدره على الدروس الخصوصية قد آتى ثماره أم ضاع هباء؟!
أما جامعاتنا الحكومية والخاصة على حد سواء فمشغولة بموضة اسمها الجودة، ملفات تُملأ وأوراق تتراكم، ومعايير مستوردة ومترجمة من كل شكل ولون على الجميع أن يقول إنه طبقها واعتمد عليها، بينما الحقيقة أن كثيرا من طلاب الجامعة يخطئون فى الإملاء!!
وكما يقول التشبيه العربى «تسمع ضجيجا ولا ترى طحينا»، تحولت كل الجامعات تقريبا إلى خلايا لا تهدأ، ليس من أجل تطوير العملية التعليمية أورفع مستوى الطلاب وتهيئتهم لمواكبة متطلبات سوق العمل، بل صارت المنافسة المحتدمة على من ينتهى من ملفات الجودة، ويجيد «تستيف» أوراقه، وطبعا تتحول زيارات هيئة الجودة إلى ما يشبه زيارة المفتش قديما إلى المدارس، تعلن حالة الطوارئ لإظهار الأمور فى أبهى صورة، ثم سرعان ما تعود لعاداتها القديمة، لكن هذه المرة مكللة بأكاليل الجودة التى صارت اسما بلا مسمى!!
هذا الحرص المبالغ فيه على الشكل دون التحليل الجاد والواقعى لقيمة وأهمية تلك الإجراءات وانعكاسها على جودة المنتج التعليمي، يكشف خللا كبيرا فى رؤيتنا لتطوير التعليم، فالشكل والتقنيات والإجراءات، ليست سوى أدوات لتحقيق الهدف، أما أن يتحول الشكل إلى هدف فى حد ذاته، فهذا ما يجعلنى أكرر تلك المقولة المؤلمة أن مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى لو عاد تعليمها إلى الوراء ١٠٠ عام لوجدته أكثر تقدما!!