أفكار متقاطعة

التدين الصادق

سليمان قناوى
سليمان قناوى

يحاول كثيرون ممن ينسبون أنفسهم إلى تيار التنوير أن يوهمونا أن التدين الزائف هو العملة السائدة فى بلادنا معتمدين على بعض صور هذا التدين المنسوبة زيفا ورياء إلى الدين كتشغيل الموظفين للقرآن فى الوقت الذى لا يتورعون فيه عن طلب الرشوة، وبعضهم يتعلل بصلاة الظهر ويتلكأ فيها معطلا مصالح العباد ويتناسى أن «من لم تنهه صلاته، فلا صلاة له» وأن «الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» وتنغيص حياة الناس بتعطيل مصالحهم هى من أكبر المنكرات وأشد الفواحش. ومع ذلك فتيار التدين الصادق هو الأغلب، إلا أن مشكلته أنه مستتر لأن أصحابه يتوجهون بأفعالهم لله سبحانه وتعالى جل فى علاه لا لعبيده على الأرض. أعرف كثيرا من الموظفين يغلقون عليهم مكاتبهم - بعد إنهاء كافة مصالح الجمهور - لأداء الصلاة سرا لأنهم يبغون بها وجه الله لا ليقول فلان أنه مصل، ويستثمر بعض الحرفيين والتجار زبيبة الصلاة فى إيهام الناس بتدينه مستغلا ذلك لتحقيق مصالحه من البسطاء الذين ينخدعون بهذا المظهر فيزيدون من قيمة الأتعاب أو يثقون فيما يبيعه من سلع، وبالتالى ينتفى الإخلاص فى العبادة. ولذلك فإن كثيراً من المتدينين الحقيقيين أصبحوا يخفون مظاهر تدينهم حتى لا يظن من يتعاملون معهم أنهم يستثمرون التدين لتحقيق مصالح دنيوية، فمنهم من حلق لحيته وبعضهم أخفى مسبحته. فالمتدينون الحقيقيون غير ظاهرين للبشر وغير ظاهرة أفعالهم، فمعظم التبرعات لمستشفيات مرضى الأورام والحروق وحضانات الأطفال وأجهزة الغسيل الكلوى وكفالة الأيتام، يخرجها هؤلاء من زكواتهم دون منٍّ أو أذى أو إعلان. أعرف تاجرا ثريا يقيم مائدة رحمن خلال شهر رمضان، بعيدا عن شركاته حتى لا يعلم الصائمون الذين يرتادونها من صاحبها، وحين يسأل البعض، يقول لهم «فاعل خير». وحين يوزع شنط رمضان، لا يرهق الناس فى الوقوف فى طوابير، وإنما يعهد هذا الأمر لمجموعة من الشباب يثق بهم يقومون بتوزيع هذه الشنط حتى أبواب الفقراء دون ذكر اسم المتبرع. الأفعال التى يقوم بها المتدينون الصادقون هى الغالبة لكنها مخفيه لأن «صدقة السر تطفئ غضب الرب». لأنهم يؤمنون أن «أحب الأعمال إلى الله، سرور تدخله على مسلم». وهكذا يظلم المتدينون الزائفون أصحاب التدين الصادق ويوفرون أعظم الفرص للبعض للطعن فى التدين نفسه.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي