الخروج عن الصمت

اللهم لا اعتراض

محمد عبد الواحد
محمد عبد الواحد

محمد عبد الواحد

فى إحدى المرات كنت أجلس وسط زملائى وكان من بينهم فتى يشبه غزال مصر الأسمر فى لون بشرته وخيم الصمت على الجميع لمتابعة إحدى المباريات بين نادى الزمالك وطلائع الجيش فى الدورى العام وفجأة علا صوت البعض بالفرحة ووجدت صديقى حزينا وجالسا لا يرفع صوتا وليست له حركة وعندما سألت عن هدوئه قال لى من يجلس بجوارى إن الزمالك مهزوم واحد صفر، قلت لنفسى وهل هذا يعيبه فمازل الوقت سجالا بينهم ولم ينته وقت الشوطين فربما يسجل الزمالك هدف التعادل وربما ينتصر، وبالفعل ظل السجال بينهما إلى انتهت المباراة لصالح الطلائع ٣/٢.
مرة أخرى يرتفع صوت الجميع ماعدا الفتى لأن الحزن سيطر عليه، وانفض السامر بفرحة وهتاف من حولى وإذا بصديقى يتوعد الجميع بأنه إذا وجد منهم سخرية من فريقه فلا يلوم أحد إلا نفسه، وعندما سمع ضحكات البعض فار الدم فى عروقه وجرى مسرعا ينزع فيشة التلفاز وعندما حاول زميل إعادتها كأنه طعنه بسكين وجرى مرة أخرى وانتزع توصيلة سلوك الأطباق بالريسيفر.
وبالأمس وجدته مسرورا وهو يشاهد قناة فريقه وأخذ ينادى على الجميع ليشاركوه فرحته وكلما ضحك أحد منه مذكرا إياه بما حدث من قبل أصبح كرجل أصم لا يسمع من حوله حتى لا يعكر أحد صفوه.
هنا قلت لنفسى هل لهذا الحد وصل بنا الأمر فى التعصب الأعمى لدرجة أننا لا نرى من حولنا وماذا نفعل إن فقدنا درجة التحكم فى أنفسنا ووقتها إذا ارتكبنا جريمة لا نشعر.
ناهيك عن السجال الدائر يوميا بين مشجعى الفانلتين البيضاء والحمراء وسيل السباب والشتائم بينهما لدرجة أنك تصبح غريبا وسط هذا الجمع ولا تستطيع التركيز وتشعر بصداع يسيطر على أم رأسك.
قلت لنفسى لو فرغ كل منهما طاقته وشحنته الزائدة فى عمله واهتمامه بأسرته لانتقلنا من وضع نستجدى فيه الجميع إلى وضع لا يشعرنا بالأزمات.
وربما لو نظر أحدهما إلى حاله وما تحتويه حافظة نقوده لشعر بالخجل من نفسه فى حين من يقاتل فى تشجيعهم تغدق عليهم العطايا ويباع أحدهم بالملايين، لكن لا فائدة مما يقال فكل منهما يجد نفسه وهو يحاول أن يستفز غيره ليخرجه عن شعوره فرحا بنشوة الانتصار عليه، شعب يعشق الإلهاء ويسيطر عليه هذا الوهم الزائف الذى يثنيه عن حياته كلها، اللهم لا اعتراض.