حبوا بعض

شرائط الكاسيت

أمنية طلعت
أمنية طلعت

ليلة من الإنشاد الديني، ملأت روحى بالنشوة، فَهِمْتُ فى فضاء المسرح الصغير الذى استضاف هذه الأمسية الحالمة، التى تحيى الذكرى المئوية لميلاد المنشد التاريخى الشيخ سيد النقشبندي، والذى أجمع على عشق إنشاده كافة المصريين، مسلمين ومسيحيين، فكان ومازال صوتاً يأخذنا جميعاً إلى سماوات علا فنهيم عشقاً فى محمد ونذوب حباً فى المسيح!
ليلة؛ استطاع الشاعر والكاتب الكبير محمد بهجت أن يديرها باقتدار مخضرم، ضمن صالون مصر المبدعة الذى ينظمه منذ ما يقرب العام الآن، لكن الأمر لا يقتصر على تنظيم «بهجت» لهذا الحدث الهام، فمحمد نفسه كان مختلفاً فى تلك الليلة، حيث تهدج صوته أكثر من مرة وهو يتلو القصائد المصاحبة لإنشاد فى ماعية الفنانة القديرة سميرة عبد العزيز، وأكاد أجزم أنه بكى ولاحظ الأمر كثير من الحضور الذين عبأوا صالة المسرح عن آخرها، واضطر كثيرون إلى الاستمتاع بهذه الليلة الاستثنائية وقوفاً.
لطالما اعتقدت، أن مصر عدمت أصواتها الساحرة! ابتعدت كثيراً عن ليالى الإنشاد فى مولد سيدنا الحسين، فلقد تحول الأمر إلى ما يشبه أغانى المهرجانات فى آخر مرة حضرت فيها المولد منذ حوالى سبع سنوات. قررت البعد والنأى بنفسى عن كل شىء قد يلوث ذاكرتى وتلك الأصوات التى مازال رنينها يتردد فى أصداء ذاتى منذ كنت فى الجامعة، أجرى بين خيم المنشدين، أسجل أصواتهم على شرائط الكاسيت، لأستمع إليها كلما خلوت إلى نفسى على سطح المدينة الجامعية فى ميدان الجيزة.
لكن المفاجأة التى أنعشت روحي، هو أن بلادى لم تعدم قياثرها، وأن الشيخ النقشبندى الذى اشتهر باسم (قيثارة السماء)، ترك نفحاته وعبيره منثوراً فى سماء مصر، ليظل فيها الصوت والمعنى، فلقد استطاع المنشد صاحب الحنجرة الذهبية ماهر إسماعيل وفرقته من المنشدين (أحمد خضر، محمد الجعفري، حذيفة عبد الناصر)، أن يعيدوا لنا ألق ابتهالات النقشبندي، فأبكونا لحلاوة أصواتهم وغذوا أرواحنا بطلاوة الكلمات التى نشأنا على صوت الراحل الجليل وهو يصدح بها فى المذياع كل يوم جمعة.
جلست بين الناس فى صالة المسرح الصغير، وطاقة إيجابية تنبعث من كل الاتجاهات المحيطة بي، فهذا يصلى على النبي، وهذه تكبر وأنا أردد (الله، الله، الله). تحولنا جميعاً إلى دراويش يلهج لساننا بذكر الله والصلاة على نبيه، فتذكرت الحديث الذى يقول: « ماجلس قومٌ مجلسا يذكرون الله إلاحفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده »، وهذا بالفعل ما أحسست به، فلقد شعرت بالملائكة تظللنا، فابتسمت وصليت على رسول الله، ثم قرأت الفاتحة للنقشبندي.