صور| ملوثات «المجاري» تأكل الأخضر واليابس في شواطئ غرب الإسكندرية

كارثة بيئية على شاطئ الدخيلة
كارثة بيئية على شاطئ الدخيلة

 بالقرب من طابية الدخيلة التاريخية، وقف محمد منصور، بجسده النحيل،  على الشاطئ ، متأملا امتزاج مياه البحر بملوثات الصرف الصحي لتجري على رمال الشاطئ التي تحول لون حبات رماله إلى السواد بدلا من اللون الذهبي، بينما تنبعث الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف.

مياه بحر الدخيلة هي أقرب لمياه  الصرف الصحي، فاللون الأزرق اختفي أمام الملوثات التي تلقى من مواسير الصرف الصحي ليل نهار ليحل مكانه اللون الداكن الأقرب إلى البني!!

"بوابة أخبار اليوم" قامت بجولة ميدانية لرصد الواقع على الطبيعة، حيث كانت المفاجأة أن شلال مياه داكن اللون ينساب من ماسورة الصرف الصحي بقوة من فوهة الماسورة  الضخمة الممتدة من من تحت الارض  كالثعبان  ولا تظهر للعيان إلا على الشاطئ.. المثير أن الأطفال  اتخذوا منها أحد وسائل اللعب والقفز  من أعلاها إلى المياه السوداء ..بينما كان  عشرات الصيادين يسبحون حولها بأريحية لاصطياد الأسماك التي تصل لاحقا للأسواق.

يقول منصور :" مفيش بحر هنا خلاص المياه مبقتش صالحة لأن الصرف الصحي بيحدف هنا المياه زي ما هي طالعة من البيوت، بعد ما كنا زمان واحنا صغيرين فسحتنا هنا علي الشاطئ وكان حاجة مختلفة خالص".

بجوار منصور وقف مجموعة أطفال يلهون على الشاطئ الخاوي من الزوار بينما تتناثر بعض الحشرات والديدان الصغيرة برمال الشاطئ، حاولنا نسألهم عن سبب وجودهم في هذه المنطقة غير المحتملة رائحتها فابتسموا ببراءة جينا نلعب ونصطاد سمك بالشبك.

يتمنى منصور أن تهتم المحافظة بالشاطئ ويوقفوا المياه الملوثة لتعود كما كانت في السابق لتعود الحياة إلى شاطئ الدخيلة، لافتا إلى مواسير الصرف الصحي تلقي بمخلفاتها على الشاطئ.

لجان فنية

 

 في السابع عشر من شهر أغسطس الماضي، ظهر فيديو على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، يظهر فيه انتشار بعض الديدان على شاطئ الدخيلة، ما دفع محافظة الإسكندرية، إلى تشكيل لجنة من المتخصصين من 6 جهات لبحث المشكلة ومعرفة أسباب انتشار هذه الديدان.

أزمة  " الديدان " لم تكن سوى جرس إنذار لمشكلة مستمرة منذ سنوات حيث تكشف المخاطبات والمراسلات بين الجهات التنفيذية وأعضاء البرلمان عن وجود مشكلة  ليست فقط على شواطئ منطقة الدخيلة ولكن في منطقة غرب الإسكندرية

تلوث مياه البحر غرب الإسكندرية تؤثر على الحياة البحرية، فأحمد عنتر، صياد بمنطقة المكس، يقول :" مشكلة تلوث المياه من زمان وبنشتكي كثير ومحدش بيسمع صوتنا ".

ينظر عنتر إلى مركبه ويتابع :" بص المياه ملوثة والمركب من تحت عاملة ازاي بسبب التلوث ومبقاش فيه سمك زي الأول خلال وتكاليف الصيد غالية على الفاضي".

ارتفاع نسبة الامونيا

 نتائج اللجنة التي شكلتها محافظة الإسكندرية، جاءت لتتوافق مع روايات الأهالي فمنطقة الدخيلة أصبحت تأن تحت وطأة الملوثات فيكشف تقرير أعده المعهد القومي لعلوم البحار - وحصلت الأخبار على نسخة منه- ارتفاع نسبة الأمونيا فضلا عن انخفاض نسبة ملوحة المياه بسبب وجود تلوث.

نتائج العينات التي تم أخذها من شاطئ الدخيلة بعد أزمة ظهور الديدان والتي تم تحليلها بمعامل المعهد القومي لعلوم البحار حيث  تم جمع عينتنين من مياه من شاطىء الدخيلة فى 18/8/2019 ، 2019/8/27 وتم تحليل الخواص الفيزيوكيميائية لهاتين العينتين بقياس كل معامل ثالث مرات للتأكد من دقة النتائج.

وكشفت النتائج الواردة في التقريرين من معامل شعبة البيئة البحرية بالمعھد القومى لعلوم البحار والمصايد وھى معامل (معمل الميكروبيولوجى – معمل تصنيف الألحياء – معمل الكيمياء البحرية – معمل التلوث البحرى) إرتفاع نسبة الأمونيا وأن انتشار الديدان نتج عن تكاثر مفاجىء نتيجة حرارة الجو ووجود مصدر للقمامة أو المخلفات ذات المصادر المختلفة.

التقرير الأول الذي تم أخذ عيناته في 18 أغسطس، قال إن  تصنيف الديدان واليرقات التى تم جمعھا من منطقة شاطىء الدخيلة على أنھا نوع من أنواع ذبابة المنزل (domestica Musca) ، (والذى غالبا ما يرتبط بمصادر التلوث والقمامة، وھو سبب الظھور المفاجئ ليرقات ھذه الحشرة على شاطئ الدخيلة. وكذلك، فإن ارتفاع درجة حرارة الھواء والماء خالل موسم الصيف قد يزيد من ھذه الظاھرة.

 وأوضح فحص عينة الديدان أنھا أحد أطوار زبابة المنزل وأنه قد نتج عن تكاثر مفاجىء نتيجة حرارة الجو ووجود مصدر للقمامة او المخلفات ذات المصادر المختلفة والتى يمكن ان يتكاثر عليھا الذباب والجدير بالذكر أن الذباب يتكاثر على الجيف والبراز والقمامة.

صرف صحي

 أما الأخطر فقد كان إثبات  انخفاض ملوحة المياه منخفضة وارتفاع نسبة الأمونيا بالمياه بحد غير مسبوق، والذي فسره الباحثون  باحتمالية تواجد مصدر صرف صحي مباشر على المياه ،أو لإلقاء بعض الحيوانات  النافقة كما ذكر المواطنين للباحثين.

و أوضح  التقرير: "أنه من المؤكد أن التركيز المرتفع للأمونيا فى مياه المنطقة ھو المسؤول عن وفاة العديد من الكائنات البحرية التى تم جمعھا مثل سرطان البحر (والأسماك مثل سمكة البطاطا، وكذلك وفاة وتحلل نبتة الثالي في عينات الطحالب الكبيرة. وحيث أنه عندما تكون الأمونيا موجودة في المياه بمستويات مرتفعة ، يصعب على الكائنات المائية أن تتخلص من ھذه المادة السامة مما يؤدي إلى تراكمھا في الأنسجة الداخلية والدم وقد يؤدى إلى الموت."

 اختفاء الديدان وثبوت التلوث

  دفعت نتيجة التحاليل الأولى المعهد لإجراء دراسة ثانية في الثامن وعشرين من أغسطس الماضي، للتأكد من حقيقة الوضع،وكشفت هذه الدراسة  عن  4 نتائج رئيسية أولها إختفاء الديدان تمامًا  ولكن الأهم استمرار ارتفاع الأمونيا وثبوت التلوث.

وأكدت نتائج الدراسة الثانية أنه رغم  إنخفاض نسبة األمونيا من 140 الى 45 ميكرومول فى اللتر فإن هذه نسبة هذا التركيز أعلى بكثير عن المعدل الطبيعى.

 إضافة إلى كون ملوحة مياه الشط منخفضة جدا وھذا غير طبيعى لمياه بحر مفتوح..كما أن حالة رمال الشط سيئة وتوضح وجود مياه صرف غير معالج أو معالج بشكل غير كافى.

الأزمة  ليست في المصبات

"المشكلة ليست في ماسور الصرف الصحي أين تصب المياه ولكن المشكلة في جودة المياه نفسها" هذا ما كشف عنه حسن خير الله، عضو البرلمان، مشيرا إلى أنه سعى مع الجهات التنفيذية لحل الأزمة منذ ثلاثة سنوات ولكن الوضع لا يزال كما هو.

وقال  عضو البرلمان، إن مشكلة مياه الصرف الصحي بمنطقة الدخيلة تتلخص في محطة التنقية التي تسمى أرض الهيش فهذه المحطة قدرتها الاستيعابية 55 ألف متر مكعب في اليوم، في حين أن ما يحدث حاليا على أرض الواقع هي أن المحطة تستقبل 95 ألف متر مكعب في اليوم بما يعني أن حوالي 40 ألف متر مكعب في اليوم يتم صرفهم على البحر مباشرة دون أي عمليات معالجة.

وأضاف أن المحطة تستقبل أيضا مياه الصرف الصحي من ثلاث محطات أخرى بنفس الخط، مشيرا إلى أن الحل يتمثل في نقل خطوط المحطات الثلاث إلى محطة معالجة الكليو21 ذات القدرة الإستيعابية الأكبر في حين يتم رفع كفاءة محطة أرض الهيش وبذلك يتم حل مشكلة التلوث بالشاطئ لأن المياه التي ستخرج من المحطات ستكون معالجة وصالحة.

تمويل

من جانبه نفى اللواء محمود نافع، رئيس شركة الصرف الصحي بالإسكندرية، أن يكون للشركة أي علاقة بانتشار الحشرات التي ظهرت خلال الصيف الماضي بشاطئ الدخيلة، قائلا:" الموضوع ملوش علاقة بالصرف الصحي والتقارير راحت للمحافظة".

وأضاف نقوم بإلقاء المياه المعالجة في البحر وهذا شئ طبيعي حيث تقوم محطات المعالجة بتنقية المياه ثم ضخها في مواسير على البحر، لافتا  إلى وجود مشروع لمد خط بأقطار أكبر ولكنه متوقف بسبب عدم وجود اعتمادات مالية فضلا عن موافقات لهيئة ميناء الإسكندرية.

وأوضح أنهم عقدوا اجتماعات منذ ثلاث سنوات لحل هذه المشكلة ولكن الموضوع يتوقف على التمويل، مؤكدا أن ما ظهر على شاطئ الدخيلة هو يرقات ناموس ناتج على تحلل حيوانات أو القاء قمامة وليست بسبب مياه الصرف الصحي، لافتا إلى وجود نحو 10 منازل تقوم بالقاء الصرف الصحي مباشرة على البحر وقام جهاز شؤون البيئة بتحرير محاضر لهم ولكن هذا أيضا لم يكن السبب.