الصدام بين إيران والولايات المتحدة| هل يدفع أمن الخليج الثمن؟

حاملة طائرات أمريكية
حاملة طائرات أمريكية

دراسة - د. دلال محمود

تشهد منطقة الخليج حاليا حالة من الترقب والاحتقان بعد ما تسببت به العملية الأمريكية لمقتل قائد فيلق القدس «قاسم سليماني» من تغير فى نمط العلاقات الأمريكية- الإيرانية منذ بداية الأزمة الإيرانية فى منطقة الخليج العام الماضى.

فقد أكدت الدولتان مرارا أنهما غير راغبتين فى التصعيد وعلى الرغم من اتهام واشنطن لطهران بالوقوف وراء التصعيد الذى شهدته دول الخليج العام الماضى، فى اعقاب انتهاء مدة الإعفاءات الخاصة بتصدير النفط والتى تبعها الكثير من العمليات التى استهدفت ناقلات نفط قبالة سواحل الامارات، أعقبها استهداف منشآت شركة نفط ارامكو السعودية. واسقطت ايران طائرة دون طيار أمريكية فى يوليو 2019 .

لكن تطورات التصعيد فى العراق والذى بدأ باستهداف القاعدة العسكرية الأمريكية فى كركوك ثم مهاجمة السفارة الأمريكية وصولاً غلى عملية اغتيال سليمانى يطرح فصل جديد من العلاقات بين الطرفين.. ومن المتصور أن التحدى الأساسى لأمن منطقة الخليج أنها المنطقة التى تتحمل أعباء أية عمليات عسكرية مباشرة بين إيران والولايات المتحدة أو غير مباشرة يقوم بها وكلاء إيران. ورغم أن موقف دول الخليج كان متحفظا إلى حد كبير، وتحديدا الإمارات والسعودية حيث دعتا الطرفين لضبط النفس، لكن هذا التحفظ لا يقدم ضمانة لعدم تأثر أمن منطقة الخليج بتداعيات الوضع الراهن، والتى يمكن رصد أبرزها فيما يلى:
عودة العراق كبؤرة جديدة للصراع فى الإقليم.


تحول العراق إلى ساحة للمواجهة بين إيران والولايات المتحدة، من خلال وكلاء إيران فى العراق، فمن غير المتوقع أن تخرج الولايات المتحدة قواته من العراق فى هذه المرحلة، بل العكس هو الأكثر احتمالا. بعبارة أخرى تحرص الولايات المتحدة على الحفاظ على مصالحها ونفوذها داخل العراق حاليا أكثر من أية مرحلة سابقة، فلن تسمح بأن يضعف النفوذ الأمريكى فى الخليج لتنتصر إيران بقدرتها-وبالأدق- قدرة وكلائها- على إخراج القوات الأمريكية من العراق. وهذا يعنى أن العراق سيعود بؤرة صراعية فى منطقة الخليج، تنتقل مشكلاته لدول الجوار الخليجي. وقد تظهر تداعيات أخرى من بينها أن دخول العراق فى مرحلة فوضى أمنية مجدداً يعد فرصة لعودة التنظيمات الارهابية التى عانت منها المنطقة مرحلة أخرى.


عودة التواجد الأمريكى فى الخليج


1- أصبح هناك اتجاه لزيادة التواجد العسكرى الأمريكى فى المنطقة، لاسيما فى الخليج، وبدأت المملكة العربية السعودية على ما يبدو ترتيبات للمرحلة القادمة فى ضوء الزيارة التى قام بها نائب وزير الدفاع السعودى خالد بن سليمان إلى واشنطن ولقائه كلا من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، بالاضافة إلى أنه كان هناك اتفاق سابق لاستقبال نحو 3 آلاف جندى فى اطار دعم البنية الدفاعية فى ضوء الأحداث الارهابية التى تعرضت لها منشآتها النفطية اضافة الى حدودها التى تتعرض بشكل مستمر لصواريخ المليشيا الحوثية الموالية لايران. وفى أعقاب عملية اغتيال « سليمانى» أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن واشنطن سترسل أكثر من 3 آلاف جندى إضافى إلى المنطقة من الفرقة 82 المحمولة جوا كإجراء احترازى وسط تصاعد التهديدات للمنشآت والأفراد الأمريكيين، وستنضم هذه القوات إلى نحو 750 جنديا أرسلوا إلى الكويت منذ فترة قريبة. ويعد هذا الانتشار الموسع تهديدا لأمن منطقة الخليج، حتى إذا كان الهدف منه تأمين بعض دول المنطقة، لكن الأمر المؤكد أن هذه القوات تمثل هدفا لإيران ووكلائها إذا ما زاد التوتر واستمر التصعيد بينها وبين الولايات المتحدة، أهدافا أمريكية على أراضى دول الخليج بالتأكيد يعد تهديدا لأمن المنطقة، بالإضافة إلى أنها قوات أجنبية وجودها فى حد ذاته يعنى التدخل السافر فى أمن المنطقة.


سباق تسلح نوعى


الرسائل التى أعلنتها ايران حول الملف النووى بعد عملية اغتيال «سليمانى» تفيد باحتمالات تخلى إيران تماما عن التزاماتها النووية والعودة لتخصيب اليورانيوم دون قيود، هذا يفرض حالة من التهديد الأمنى على المنطقة، وربما وجود حالة من سباق التسلح للحصول على أسلحة نووية أو ضمانة نووية من إحدى القوى النووية التقليدية، وهذا يعنى أن المنطقة لن تكون خالية من أسلحة الدمار الشامل. بل ربما يعزز من اطلاق سباق تسلح نووى لاسيما، كذلك ملف الصواريخ حيث ستواصل ايران تجاربها فى المستقبل بما يدخل فى مسار التصعيد مع الولايات المتحدة لكن هذا التصعيد سينعكس على المنطقة فى الوقت ذاته .


مخاوف على الاستقرار الداخلى


تسبب مقتل سليمانى فى توحيد الشيعة داخل العراق بعد أن كانت هناك دلائل على اختلافاتهم، والواقع أنه أثار حفيظة الشيعة فى دول أخرى، وهذا قد يثير بعض التوترات داخل دول الخليج، ورغم عدم وجود مظاهر واضحة على هذا الاحتمال، فإن إيران قد توظف الحدث لتغذية الطائفة الشيعية داخل دول الخليج بعد أن تنهى هذه المرحلة من الرد المباشر.


2- أدوار الوكلاء الإقلميين فى تأجيج التصعيد فى الخليج حيث إن الاستمرار فى توظيف وكلاء إيران بما يؤثر على المصالح الأمريكية ومصالح حلفائها فى المنطقة، وهنا يمكن لإيران توجيه ضربة نوعية مركزة وشديدة التأثير لدول الخليج (خاصة السعودية)، من خلال الاعتماد على الحوثيين فى توجيه الضربات النوعية للسعودية ومنشآتها، مستفيدة من خبراتهم السابقة فى ضرب أرامكو.

فقد أكد سليمانى من قبل: «أن اليمن هو المنطقة التى تدور فيها الحرب بالوكالة الحقيقية وكسبها سيساعد فى تحديد ميزان القوى فى الشرق الأوسط»، وقد أظهرت جماعة الحوثى ولاءها التام لإيران وعزمها على الانتقام لمقتل سليماني، فقد صرح محمد على الحوثى رئيس ما يعرف باسم اللجنة الثورية العليا للميليشيات المتمردة فى اليمن قائلا: «إن هذا الاغتيال مدان، والرد السريع والمباشر فى القواعد المنتشرة هو الخيار والحل».

وقد وجهت جماعة الحوثى الدعوات لسكان صنعاء للاحتشاد، عصر الإثنين والثلاثاء فى صنعاء وصعدة، وباقى المدن الخاضعة لسيطرتهم من أجل التضامن مع إيران. وإن كان من المؤكد أن الحوثيين لن يقومون بأى عمل دون موافقة إيران ودعمها، لهذا قد تكون هذه الدعوة كسبا لبعض الوقت حتى تصل الأوامر من طهران، وقد تكون للاستعداد لإثارة حالة فوضى جديدة فى اليمن واسقاط اتفاق الرياض، وتكثيف العمليات ضد قوات التحالف العربى الموجودة فى اليمن، او القيام بعمليات نوعية عن طريق الدرونز على أهداف سعودية جديدة.


تهديد الملاحة


يظل تهديد الملاحة البحرية فى الخليج العربى ومضيق هرمز هدفا محتملا لعملية عسكرية انتقامية من ايران، فقد تستهدف سفنا أمريكية أو تعمل على عطب مرافئ أو ناقلات نفطية لتعطيل هذه الملاحة لإجبار الولايات المتحدة على تحجيم وجودها فى العراق، لكن يظل هذا الأمر مخاطرة إيرانية كبيرة قد تجلب عليها استعداء مختلف الدول المعتمدة على هذا الممر الملاحى الاستراتيجي. وقد يتم توظيف جماعة الحوثى التى لا تزال تحتل موانئ الحديدة وجزءا من المدينة الساحلية، لتنفيذ هجمات إرهابية ضد المصالح الإقليمية والدولية فى باب المندب والبحر الأحمر، وتهديد سلامة ممرات سفن النفط العالمية، خاصة وأن إيران دعمت القدرة البحرية للحوثيين بحسب تحقيق أممي، وقد تطالبها باستخدام هذه القدرة من خلال خوض حرب عصابات فى البحر الأحمر وتنفيذ عمليات بدافع الانتقام.


لا شك أن إيران تدرك أن أى فعل تقوم به، هى او وكلاؤها، من شأنه تهديد الملاحة العالمية خاصة النفطية، قد يدفع لتشكيل موقف دولى ضدها والانسياق وراء أهداف الولايات المتحدة لعزل إيران، لكن إذا فقد مسئولو إيران الرشادة أو تزايدت الضغوط الداخلية والخارجية عليهم، فقد تلجأ لتحويل الأمن فى الخليج إلى مباراة صفرية وتحدى أية توازنات للقوى فى المنطقة، وهذا السيناريو الأسوأ الذى يمكن توقعه لكن يظل الاستعداد له هو الأفضل استراتيجيا. قد يكون افتقاد الإيرانيين للرشادة أمرا صعب الاحتمال، لكن تصريح وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو قد يجعل هذا امرا واردا، ففى معرض انتقاده لسياسة أوباما تجاه إيران، حيث قال: «لدينا مقاربة مختلفة تماماً. أبلغنا الإيرانيين: كفى، لا يمكن أن تفلتوا باستخدام الوكلاء وتظنون أن بلادكم ستكون فى أمن وأمان. سنرد على صُنّاع القرار الفعليين الذين يسببون هذا التهديد من إيران»، هذا التصريح يشير إلى اتجاه الولايات المتحدة لمحاولة إسقاط النظام الإيرانى بدرجة أكبر من دفعه للتفاوض معها.


وفى الأخير، إن الولايات المتحدة نفذت عملية مقتل سليمانى ربما لأهداف داخلية لصالح الإدارة فى العام الانتخابى الحالي، لكنها لا تستطيع السيطرة على كافة التداعيات المترتبة عليه سواء داخل منطقة الخليج أو على السلوك الإيرانى ذاته. وإيران حتى الآن تبدو أن لها رؤية واضحة وأهدافا مرحلية تم ترتيبها ردا على مقتل سليمانى لكنها توظفها لصالح اهدافا أكبر ترتبط بحفظ نفوذها فى العراق وتحجيم نفوذ الولايات المتحدة نسبيا فى الخليج، مقابل رفع درجة التهديد لدول الجوار الخليجي، وفى التقدير فإنها لن تتجاوز الخطوط الحمراء فى هذا التصعيد تحسبا لتخلى إدارة ترامب عن الرشادة فى التعامل مع الموقف.