أمريكا وإيران.. 4 عقود من العداء تصل إلى مرحلة «المواجهات المباشرة»

علما البلدين
علما البلدين

بدأت طبول الحرب تُدق بين الولايات المتحدة وإيران، وسُمع قرع أجراسها عند محافظتي الأنبار وإربيل العراقيتين، حينما تحول ليل المدينتين إلى نهارٍ مع قصفٍ إيرانيٍ دوى كالرعد في أرجاء قاعدتين عسكريتين أمريكيتين بالعراق.

إيران استدعت ترسانتها الصاروخية، وصوبت 12 صاروخًا تجاه قاعدتي عين الأسد وإربيل، في تصعيدٍ خطيرٍ يمثل ردا على مقتل الجنرال العسكري الإيراني قاسم سليماني، الذي استهدفته القوات الأمريكية بغارةٍ جويةٍ يوم الجمعة الماضي، فأردته قتيلًا رفقة آخرين.

وقال الحرس الثوري الإيراني إنه قتل 80 جنديًا أمريكيًا في إحصاءٍ مبدئيٍ للضحايا، بينما لم ترد أي أرقام رسمية من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" حول الخسائر التي لحقت بالقوات الأمريكية جراء القصف الإيراني العنيف.

وفي ضوء ذلك، اكتسب العداء الأمريكي الإيراني مرحلةً جديدةً فاقت مسألة التصريحات وفرض العقوبات الاقتصادية، أو حتى مسألة الحروب بالوكالة.

بداية العداء

كقاعدة ثابتة لا عداء يولد بين ليلةٍ وضحاها، فهو دائمًا ما يكون امتدادًا لسنواتٍ وعقودٍ من التوتر والصراع، وهو الحاصل في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، منذ اندلاع الثورة الإسلامية في 11 فبراير عام 1979، والتي أطاحت بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان على علاقة وثيقة بالولايات المتحدة.

حكاية هذا العداء تبدأ من يوم الرابع من نوفمبر عام 1979، بعد نحو تسعة أشهر على الثورة الإسلامية، حينما اجتاحت حركة طلابية قُدرت أعدادها بنحو خمسة آلاف شخص أرض السفارة الأمريكية بطهران.

في ذلك اليوم، اجتاح طلابٌ محافظون إيرانيون أرض السفارة الأمريكية بطهران وجاسوا في أرضها، لتكون بذلك إيذانًا ببدء القطيعة الإيرانية الأمريكية، فمن يومها أُغلقت السفارة الأمريكية بإيران، ولم تر نور التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى يومنا هذا.

ولم يكتفِ هؤلاء بذلك فحسب، بل أوقعوا 52 دبلوماسيًا أمريكيًا في الأسر، وساوموا الولايات المتحدة على الإفراج عنهم شريطة تسليم واشنطن الشاه الإيراني لطهران كي تتم محاكمته، وأحرقت مجموعة العلم الأمريكي أمام السفارة.

كان وقتها الشاه محمد رضا بهلوي في الولايات المتحدة يتلقى العلاج هناك، ودفعت الحادثة واشنطن لمطالبة الشاه بمغادرة البلاد ليلجأ إلى مصر، حيث مات في القاهرة في 27 يوليو عام 1980، ودُفن في المقابر الملكية بمسجد الرفاعي.

ورغم وفاته، ظل الدبلوماسيون الأمريكيون رهائن لدى الإيرانيين حتى تم الإفراج عنهم في 20 يناير 1981، على ضوء اتفاقٍ بين واشنطن وطهران، جاء بوساطةٍ جزائريةٍ.

استمرار العداء

ولم تهدأ الأوضاع بين واشنطن وطهران بعد ذلك، ففي عام 1984 صنفت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريجان إيران في خانة "الدول الراعية للإرهاب".

أبرز محطات العداء كان عام 1988، حينما اسقطت بارجة أمريكية طائرة ركاب إيرانية فوق مياه الخليج، كان تقل مدنيين إلى مطار دبي الدولي، وأسفر ذلك عن مصرع جميع ركابها البالغ عددهم 290 شخصًا آنذاك.

وتواصل العداء بعد ذلك، خاصةً مع شروع طهران في برنامجها النووي، وفي عام 2002 وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إيران إلى جانب كوريا الشمالية والعراق، إبان حكم صدام حسين، بأنهم يشكلون ما سماه بـ"محور الشر".

هدنة لم تستمر

واستمر الصدام الأمريكي الإيراني، خاصةً مع إنزال الولايات المتحدة العقوبات تلو الأخرى على إيران، إلا أن حضر الاتفاق النووي، الذي تم إبرامه في يوليو عام 2015، إبان حقبة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والذي شكل منعطفًا مهمًا في دفع العلاقات الأمريكية الإيرانية خطوة للأمام نحو التهدئة وتجنب الصدام.

لكن ما لبث أن عادت الأوضاع إلى ما هي عليه مع قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض مطلع عام 2017، بعد أن راح يهاجم الاتفاق النووي المبرم مع طهران، قبل أن ينسحب منه في مايو عام 2018، ويعيد فرض العقوبات الأمريكية على إيران.

ومن هنا، عادت التوترات مرة أخرى بين واشنطن وطهران إلى أن وصلت إلى مرحلةٍ جديدةٍ هي مرحلة "المواجهة المباشرة"، التي تفتح الأبواب أمام كل الاحتمالات بما في ذلك نشوب حربٍ بين البلدين.