حوار| مصطفى الفقي: إرسال قوات تركية إلى ليبيا عمل استفزازى.. ومصر لن تصمت على تهديد أمنها

د.  مصطفى الفقي
د. مصطفى الفقي

- الشعب المصرى يثق فى قيادة الرئيس السيسى وسياسته المتزنة
- الجيش المصرى هو الصخرة التى تتحطم عليها أطماع الاخرين 
- ما يحدث فى الولايات المتحدة فولكلور سياسى ولا أستبعد انتخاب ترامب مرة أخرى
- مشروع أردوغان عدوانى قصير ‏المدى ومحدود الرؤية

 

أكد د. مصطفى الفقى مدير مكتبة الاسكندرية ان مصر لن تقف ساكنة أمام ارسال تركيا قوات عسكرية إلى ليبيا واصفا ذلك بالعمل الاستفزازى، لافتا الى أن مصر ترى فى ذلك تهديداً مباشراً للأمن القومى المصرى، وستقوم بكل الاجراءات اللازمة لحماية امنها القومى ومصالحها العليا.

وأضاف الفقى فى حوار مع "أخبار اليوم" ان المشروع العثمانى تجاوزه الزمن.. فالعالم تغير وسياسات فرض الهيمنة وتطويق المنطقة لن يرحب بها احد، ولا يوجد عليه اجماع داخل تركيا نفسها، ويتعرض لانتقادات شديدة لتأثيره على المصالح التركية على المدى البعيد مشيرا إلى ضرورة مراجعة تونس والجزائر والمغرب لموقفهم من العدوان التركى على ليبيا وادراك ما يتضمنه من مخاطر ستؤثر على مستقبل شمال افريقيا .


■ فى البداية.. كيف تقرأ التحركات التركية الأخيرة ومحاولتها لإشعال الأزمة فى المنطقة بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا؟ 


‏ارسال تركيا لقوات عسكرية إلى ليبيا تصرف استفزازى لا ‏يصدر من ادارة عاقلة وواعية وتحرك ضد ارادة الشعب ‏الليبى وجيرانه، ومصر لن تقبل ذلك وستتصرف وفق مصالحها العليا فهى ‏لا يمكن ان تقبل بوجود قوات اجنبية على حدودنا الغربية ترافقها ‏تجمعات ارهابية مرتزقة، وبشكل عام فإن التلويح بالقوة هى إحدي محاولات الضغط على الدول، واظن ‏ان اردوغان يمثل مشكلة حقيقية، كثيرون يظنون ان لدينا مشكلة مع ‏الشعب التركى او مع الدولة التركية، وهذا غير صحيح فالمشكلة شخص واحد هو رجب طيب اردوغان الذى كان ‏يعتبر السكرتير العام للتنظيم الدولى لجماعة الاخوان الإرهابية وانا ‏سمعت ذلك منذ عام 2007، وقت ان كان رئيس وزراء لتركيا وهو ‏يحاول ان يكرس السلطات فى يده وان يتحول الى سلطان ‏عثمانى جديد ولا احد يقبل بهذا ولا حتى شعبه يريد ان يحدث ‏ذلك فى ظل هذه الظروف الدولية والاقليمية المعقدة، ولكنى لا افصل ذلك التحرك عن محاولات تطويق مصر من اتجاهات مختلفة، من ‏حوض البحر الابيض المتوسط شمالا الى حوض النيل جنوبا ‏ومن الجبهة الغربية فى ليبيا وامتداداتها الى الجبهة الشرقية ‏سيناء والقضية الفلسطينية وحماس على الجانب الآخر ولكن ‏لحسن الحظ مصر دولة عصية على السقوط بحكم تاريخها ‏الطويل وبحكم جيشها القوى.


■ لم يلب بيان الجامعة العربية ما كان مأمولا منه لتوحيد الصف العربى تجاه التدخل التركى السافر فى ليبيا، كيف تنظر الى الموقف العربى تجاه ما يحدث فى ليبيا بعد ظهور مواقف مستقلة لدول شمال افريقيا العربية؟ 


الدول العربية ليست على قلب رجل واحد فى شمال ‏افريقيا فتونس والجزائر والمغرب يتصرفون بدوافع «قطرية» ‏بحته ولا يدركون المخاطر الحقيقية للوجود التركى فى ليبيا ‏وهم مدفعون بمشاعر غير متوافقة مع الموقف المصرى، والامر يستلزم منهم مراجعة مواقفهم، فى نفس الوقت يجب ألا نحمل الجامعة العربية المسئولية فهى محصلة لإرادات الدول العربية والأغلبية ‏ادانت التدخل لكن هناك دولا اخرى ترى غير ذلك ‏والجامعة لا تستطيع ان تفرض عليهم شيئا.‏


■ البعض يطالب بتحرك عسكرى مصرى يواجه التحرك العسكرى التركى فى ليبيا.. كيف ترى ذلك ؟ 


- لا احد فى العالم يتحمل قيام دولة بمغامرة عسكرية ضد دولة اخرى، والدولة المصرية تفهم تماما مخاطر قيام معاد لمصر، وليبيا قضية امن قومى مصرى وخط احمر ولا يمكن لنا مهما كان الحاكم فى مصر التساهل فى مثل هذا الامر لان مصر لن تتحمل سقوط ليبيا لا قدر الله تحت دائرة النفوذ التركى و مصر مطالبة باتخاذ موقف فى ليبيا شديد الصرامة ولا يستطيع احد ان يناقضها فى ذلك.


■طفا على سطح الأحداث مصطلح الدولة العثمانية وأن استعادتها هى المشروع السياسى لنظام الحكم فى تركيا؟ 


لقد تعودنا على ذلك فهى محاولة من محاولات الهيمنة مثلما كان حلف بغداد ايام الرئيس عبد الناصر وشارك فيه نور السعيد من العراق، وتركيا كانت طرفا فيه، للأسف تركيا طوال تاريخها لا تنظر للعرب بتقدير او احترام على الاطلاق وتنظر بخشية لمصر ولهذا نحن نتوقع منها كل شىء، ولا استطيع ان اقول انها استعادة للدولة العثمانية فالدنيا تغيرت والعالم تحول، لكن هو نفس فكر الهيمنة الذى كانت تحاول الدولة العثمانية من خلاله تطويق المنطقة سواء فى البلقان او فى الشرق الاوسط او فى غرب اسيا، هم يحاولون ذلك، ولكن ليس كل الاتراك يؤيدون ذلك المشروع.


■ هل نحن امام بداية لإشعال تركيا فتيل حروب الغاز فى المتوسط ؟ 


- الغاز هو احد اطماع اردوغان الاقتصادية بالدرجة الاولى فهو يريد ان يحقق عملية سطو كبيرة على مقدرات الاخرين وعنده مشكلة تاريخية مع اليونان وقبرص، وهو يقوم بمحاولات خبيثة فى كل اتجاه، معتمدا على ان تركيا دولة مدللة عند حلف الناتو، ولديهم انشاءات ومطارات اقامها الحلف بإمكانيات مادية لا قبل لنا بها، ووفر لها تسهيلات لوجستية عسكرية داخل تركيا، ولذلك لا يخالجنى شك فى ان اردوغان اعتمد على ذلك حينما قرر دعم تنظيم داعش من الناحية اللوجستية بتسهيل الدخول والمرور والانتقال وبيع البترول الذى يسطون عليه، لذا فنحن امام وضع لا اخلاقى من الناحية السياسية و اردوغان مشروعه لا علاقة له بالاسلام ولا بالمصالح العليا لتركيا على المدى الطويل لكنه مشروع عدوانى قصير المدى و محدود الرؤية. 


■ البعض يرى ان أردوغان حصل على ضوء أخضر أمريكى للتدخل فى ليبيا وانه يراهن على ان احتمالية عزل ترامب او عدم انتخابه تصب فى صالح مشاريعه التوسعية؟


- ترامب على اتصال دائم بأردوغان، ولديهم مصالح وعلاقات متشابكة، والموقف الأمريكى من ليبيا سيتضح فى الأيام المقبلة، اما القادم الجديد للبيت الابيض فلا احد يعرفه وربما يأتى ترامب من جديد و انا لا استبعد ذلك، اما ما يحدث فى الولايات المتحدة الآن فهو فلكلور سياسى يعزز موقف الجمهوريين وليس العكس، نجاحه مرة اخرى وارد جدا، وهو داعم لمصر، وجاء فى لحظة مفيدة لنا، لقد كانت كلينتون تنتوى شراء بعض المعارضة وتحويلهم الى حكومة فى المنفى، وكانت تريد ان تدخل بنا فى منعطف كبير جدا لانها لا تعرف ما هى مصر ولا ما هى قيمتها فى المنطقة والعالم. 


■ هل ترى ان خطر المشروع الاخوانى مازال قائما فى ظل الدعم التركى القطرى له وعلاقات التنظيم؟


 - هناك مشروعان كبيران فى القرن العشرين و ظهرا مع بداياته وهما المشروع الصهيونى والذى اسسه هيرتزل فى 1897 فى مدينة بازل والمشروع الاخوانى الذى اسسه حسن البنا ورغم الفارق بين المشروعين الا انه من الناحية الهيكلية هناك تشابه كبير بينهما لان المشروعين يقومان على سند دينى ويعتمدان على القوة الاقتصادية، وعلى الارهاب كأسلوب للعمل عند اللزوم ولذلك ارى ان هذين المشروعين مسئولان الى حد كبير عن كثير مما رأينا فى المنطقة من مشكلات، الذى خلق اسرائيل هو المشروع الصهيونى وظهورها ادى الى جرائم وتعديات فى المنطقة بلا حدود، والاسلام السياسى الذى ابتدعه حسن البنا واقحم الدين فيما ليس له فيه هو الذى اوجد لنا عناصر متطرفة وجماعات ارهابية نعانى منها حتى الآن ولذلك منطقة شمال افريقيا وغرب اسيا تعرف جيدا هذا النمط من المحاولة المضللة لتطويع افكار دينية لخدمة مصالح واهداف حياتية طبيعية ولذلك هذا تشابه بين المشروعين الصهيونى والاسلامى مع الفارق بين الاثنين فى المضمون طبعا والاسلام الحنيف لا علاقة له بكثير من محاولات توظيفه وبالتالى كانت من نتائج ذلك ان شعرنا فجأة واكتشفنا اننا امام وضع يحتاج الى مراجعة والى تفكير و اردوغان ومن هم على شاكلته يتوهمون انه يمكن ان تقوم للاخوان المسلمين قائمة وانا اقول لك لن تقوم لهم قائمة فى مصر ولكن وجودهم فى خارج مصر اكبر بكثير مما كنا نظن لانه تنظيم تأسس عبر سنوات طويلة بالتراكم واستغلال الاموال وبدعم من بعض الحكومات وايوائها لهم ادى الى ما نراه الان.


■ هناك استهداف قائم ودائم للجيش المصرى بحملات تشويه ممنهجة من اجل تنفيذ مخطط اسقاط مصر واشعال المنطقة.. كيف يمكن مواجهة ذلك؟


- هذه المحاولات لن تنجح، ولا احد يستمع لها، الجيش المصرى هو احد اكبر عشرة جيوش فى العالم، و دوره لم يقتصر فقط فى حماية مصر من السقوط من 2011 وحتى الان، ولكن ايضا لانه يمثل الصخرة التى تتحطم عليها اطماع الاخرين تجاه دول المنطقة، مصر لديها قوات مسلحة عريقة، اسرائيل كانت تنتصر بالخديعة والمراوغة السريعة الجيش ‏المصرى الوحيد الذى قهرها، ولدينا قوات بحرية ضخمة ‏وقوات طيران متقدمة وقوات برية نفخر بوجودها، وانا من الذين يؤمنون بأن الجيش المصرى هو الذى صنع الدولة العصرية فى مصر وهو القادر دائما على ان يكفل الاستقرار ويوفر قوة الردع فى المنطقة ويحافظ على المشروع المصرى فى كل مراحله ويحمى الدولة الوطنية المصرية ويحرس مدنيتها فى كل الحالات.


الجيش الوطنى الليبى يجاهد فى ليبيا من اجل مكافحة الارهاب والتخلص من التدخلات الاجنبية.. هل ترى اوجه تشابه بينه وبين الجيش المصرى ؟


الجيش المصرى هو الجيش المُعلم لانه اقدم جيوش المنطقة واكثرها مهنية والعالم كله شهد بذلك وهو ما جعل الجميع ينظر إليك باحترام، كما ان دوره فى مصر جعله ملهما لدول اخرى تعانى من نفس المشاكل فهو يعطيها صورة ونموذجا يمكن ان تقيس عليه وان تقتبس منه. 


■ مع تزايد حدة الصراع بين الفرقاء الليبيين، هل ترى ان هناك ‏فرصا لنجاح مؤتمر برلين؟


- يحاول اردوغان التلويح لتونس والجزائر بأنهما الدولتان المهمتان فى حضور مؤتمر برلين متجاهلا مصر لأن فى قلبه مرض، وهو غير ‏قادر على انتزاع الغضب الذى احدثه الاطاحة بمشروعه فى مصر يوم 3 ‏يوليو 2013، لايريد ان ينسى ولا يستطيع ان ينسى، فمصر ‏بالنسبة له هى الشبح والعقدة ولهذا فهو يحاول ان يغازل قوى ‏اخرى كثيرة لتأليبها على مصر او لتحريضها كما لو كانت ‏بدائل لها، حاول ان يغازل تونس ولم ينجح وحاول ان يغازل ‏الجزائر ولم ينجح ايضا، لانها دول عربية لها قومية وفكر معين ‏واضح لا تستطيع ان تبيعه لمثل هذا الاردوغانى، اما فرص نجاح المؤتمر فهو يتوقف على موقف القوى الكبرى ماذا سوف تفعل هناك‏، الولايات المتحدة ممثلة فى شخص الرئيس ترامب كانت داعمة لحفتر ‏واجرى معه اتصالا هاتفيا فى يوم من الايام ولكن ترامب ليس ‏كل امريكا، يبقى موقف الكونجرس والبنتاجون وهى مؤسسات فاعلة فى الموقف الامريكى، ولا استطيع ان اجزم انهم سوف يكونون مع ‏الفرقاء الوطنيين فى ليبيا ولكن المصالح هى التى تتكلم فى ‏النهاية وروسيا لديها مصالح فى الساحل الليبى وتركيا ‏لديها اطماع شديدة لتطويق اليونان وقبرص وتطويق مصر فى ‏الجانب الاكبر والاهم ولديها عدد كبير من الاهداف التي تسعى ‏لتحقيقها فى ظل الاوضاع الحالية بالنسبة الى ليبيا، على الجانب ‏الاخر هناك محاولات خبيثة من بعض القوى لدعم تركيا، وانا ‏اريد ان أتساءل كيف ان ايران وهى داعمة لبشار الاسد تعلن ‏يوم ان دخلت تركيا شمال سوريا انها تتفهم دوافع تركيا، عند ‏اللزوم يلتقى الجميع ضد العرب ولذلك لا توجد تحالفات كاملة ‏فى المنطقة كلها مصالح يريدون ان يكون العرب هم الايتام على مائدة ‏اللئام.‏


■ كيف ترى تطلع دول المنطقة للدور المصرى النزيه والفاعل فى حل مشاكل المنطقة ودعم جهود استعادة الدولة الوطنية؟ 


- مصر هى عمود الخيمة هذا ليس تعبيرا خاصا بنا فالعرب هم من يقولون ذلك، والكل يعلم ذلك ولولاها لسقطت المنطقة كلها والنظرية الانجليزية الشهيرة تقول ان مصر لا يجب ألا تطفو أو تحلق ويجب ألا تسقط لانها لو سقطت تسقط المنطقة كلها فى الحال . 


■ تحدثت عن محاولات البعض إلى تطويق مصر ومنعها من الإستقرار واستكمال البناء.. كيف يمكن مواجهة ذلك ؟


- المواجهة تبدأ بتماسك الجبهة الداخلية المصرية، ويجب ألا يحدث اختراق لنا من الداخل ولحسن الحظ ان الناس واعون لهذا، الناس قد يكون عندها معاناة اقتصادية ولكنها تؤمن ان المشروع الذى يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسى هو المشروع الوطنى رغم كل مصاعبه ومتاعبه وهذه هى القيمة الحقيقية للنجاح الذى حققته مصر فى السنوات الاخيرة.


> لكن يظل عبء المشكلات المقلقة مثل سد النهضة ؟


- فلسفة الرئيس السيسى هى تطويق المشكلات بالتعامل الطيب لعلك تذكر فى موضوع سد النهضة كان الكل يقول لماذا وكان يجب ان، وبعد قليل ادركنا ان سياساته كانت هى الافضل خاصة عندما ذهب الى البرلمان الاثيوبى وقال لهم لقد كان امامنا ولايزال خياران، خيار التعاون وخيار المواجهة وجئتكم لأعلن امامكم اختيار التعاون ونحن لسنا ضد تنمية بلادكم، والسياسة المتزنة والحكيمة ساعدت مصر كثيرا على مستوى تنمية علاقتنا الدولية واستعادة تواجدنا الافريقى.