محللون: الحكومة التونسية أمام تحدي نيل ثقة البرلمان بعد مخاض عسير

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

يدخل التونسيون مرحلة سياسية جديدة طال انتظارها، بعد ولادة عسيرة للحكومة التي تشكلت بصعوبة وسط تجاذبات سياسية حادة وخلافات حزبية كادت أن تؤدي إلى فشل رئيس الوزراء المكلف الحبيب الجملي في تشكيل حكومته قبل نهاية المهلة الدستورية المحددة بشهرين.

فقبل أيام من نهاية المهلة الدستورية، تمكن الحبيب الجملي، من تسليم الرئيس قيس سعيد، أمس الأربعاء، تشكيل حكومته التي تعهد أن تكون من الكفاءات المستقلة بعدما فشل في تحقيق توافق على حكومة حزبية بين حركة النهضة (الحزب الحائز على أكبر مقاعد البرلمان بـ 52 مقعدا) والأحزاب والكتل السياسية داخل مجلس نواب الشعب التونسي.

ورغم تكرار تأجيل الإعلان عنها لأكثر من 5 أو 6 مرات خلال الأسبوع الماضي، انتهى المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء التونسي المكلف حبيب الجملي، الذي خصص أمس، في قصر قرطاج، للإعلان عن "تركيبة الحكومة الجديدة"، بدون الإعلان عن أسماء الوزراء في تشكيلة الحكومة.

وسلم الحبيب الجملي، أمس، تشكيل الحكومة الجديدة، للرئيس قيس سعيد الذي سيقوم بدوره بدعوة البرلمان لعقد جلسة منح الثقة لهذه الحكومة التي من المنتظر وبحسب تصريحات الجملي أن يتم الإعلان عن تركيبتها اليوم الخميس.

وخلافا لتصريحات الجملي، ذكرت رئاسة الجمهورية التونسية عقب مؤتمر الحبيب الجملي أن الرئيس قيس سعيد استقبل بقصر قرطاج رئيس الوزراء المكلف، وتناول اللقاء آخر المستجدات في مسار تشكيل الحكومة الجديدة، وقالت الرئاسة إنه كان من المنتظر أن يخصص المؤتمر الصحفي الذي أعقب اللقاء لتقديم تركيبة الحكومة الجديدة، لكن تم اختيار مواصلة المشاورات، على أن يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة في أقرب الآجال.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ويشغل الرأي العام في تونس، هو فرص حصول حكومة الحبيب الجملي على ثقة البرلمان، ولا سيما أن عددا كبيرا من الكتل البرلمانية أعلنت بشكل واضح أنها لن تصوت لحكومة الجملي بغض النظر عن الأسماء التي تحويها ومدى استقلاليتها عن الأحزاب.

وفيما يرى البعض أن المصلحة الوطنية تقتدي الإسراع في الموافقة على تشكيل حكومة الحبيب الجملي لكسب الوقت والخروج من هذا المأزق والفراغ السياسي الذي يكلف تونس الكثير، يرى آخرون أن حكومة بدون دعم وغطاء سياسي داخل البرلمان ستكون عاجزة عن اتخاذ قرارات كبيرة وعاجلة مطلوبة في العديد من الملفات أهمها الشأن الاقتصادي.

وفي تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أكد خبراء ومحللون سياسيون واقتصاديون تونسيون أنه برغم عدم وجود دعم كبير لحكومة الجملي داخل البرلمان إلا أنها ربما تحصل على ثقة النواب في ظل المخاطر التي تحيط بتونس جراء عدم وجود حكومة، فيما رأى البعض منهم صعوبة حصول هذه الحكومة على ثقة البرلمان في ظل حالة الانقسام والاستقطاب التي سادت فترة المشاورات.

فمن جانبه، قال الإعلامي والخبير السياسي التونسي سفيان بن فرحات، في تصريح ، إن ما جرى بالأمس في المؤتمر الصحفي من عدم الإعلان عن أسماء الوزراء، وما تلى ذلك من بيان رئاسة الجمهورية الذي أشار إلى تواصل المشاورات، لا يبشر بالخير ويدل على تخبط شديد، ولا سيما أن القائمة التي لم يعلن عنها الحبيب الجملي أمس تم تسريبها وموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف أن كل هذه المؤشرات تثير مخاوف كبيرة بشأن إمكانية منح البرلمان الثقة لهذه الحكومة، وأنها لن تمر بسهولة، خاصة أن الحبيب الجملي تم تكليفه من قبل حركة النهضة التي حصلت على أغلبية نسبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لافتا إلى أن الجملي لا يتفق حتى مع أغلب أعضاء حركة النهضة التي كلفته بتشكيل الحكومة.

وأكد سفيان بن فرحات أن هناك على ما يبدو خلافات بين الجملي وراشد الغنوشي رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة، وخلافات بين الجملي والرئيس التونسي، وأيضا هناك خلافات بين قيس سعيد والغنوشي، وهو ما يلقي بغيوم كبيرة حول إمكانية نيل الحكومة ثقة البرلمان.

واتفق معه الصحفي والمحلل السياسي التونسي جمال رمضان، الذي رأى صعوبة في حصول حكومة الجملي على ثقة البرلمان برغم المخاطر الكبيرة التي تحيط بمستقبل الأحزاب في حال لم تصوت لصالح الحكومة.

وقال جمال رمضان، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إنه "بين مطرقة المصلحة الوطنية وضرورة أن يأخذ الطاقم الحكومي الجديد بزمام الأمور لمعالجة الملفات التي لا يمكنها الانتظار أكثر، وسندان جدوى خوض الأحزاب للانتخابات التشريعية في حين يفوز التكنوقراط غير المتحزبين بالمقاعد الوزارية، تعصف بالأحزاب الفائزة بمقاعد البرلمان رياح مستقبل حضورها في مشهد السلطة التنفيذية.

وأضاف أنه رغم تفاؤل البعض بمصادقة البرلمان على الحكومة، فإن الحقيقة تفرض رسم سيناريوهات أخرى أولها أن الأحزاب الممثلة بالبرلمان ستنقسم إلى قسمين الأول، سيكون عددها قليل، يذهب إلى تغليب المصلحة الوطنية والتسريع بالمصادقة.

وتابع أن هذا الفريق قد تدخل في حساباته أن فشل الحكومة في نيل ثقة البرلمان سيكون له تبعات وخيمة على المستوى الحزبي خاصة إذا ما تم اللجوء إلى إعادة الانتخابات، رغم بعد هذا الطرح عن الواقع، وهو ما لا تقوى على تحمله من ناحية التكاليف وغياب ضمانة تؤكد إعادة التصويت لها، خاصة إذا لم يكن لديها رصيد انتخابي مريح.

وبشأن الفريق الثاني، أكد جمال رمضان أنه يميل إلى التشكيك في استقلالية وكفاءة أعضاء الحكومة ويوجه اتهامات بخدمة مصلحة حزب بعينه بل ويدفع نحو عدم مساندة حكومة الجملي برلمانيا.

وأوضح أن مصلحة هذا الفريق، الذي رأى أنه سيغلب على جلسة نيل الثقة، تكمن في عدم تحقيق مصلحة حزبية من خلال المشاركة في الحكومة وهي من منظورهم جائزة مستحقة رشحهم جزء من الشعب لنيلها بمشروعية.

وفي المقابل، قال المحلل السياسي والصحفي التونسي أيمن العبروقي، إن رئيس الوزراء المكلف الحبيب الجملي أثار نقطة مهمة في مؤتمره الصحفي أمس الذي أعلن خلاله ملامح التشكيلة الحكومية، مشيرا إلى قول الجملي إن حكومته ستكون من الكفاءات "التقنية" وإنه استشار العديد من الأحزاب وإن الحكومة ستحظى بدعم حزبي كبير، وهذا يؤكد أن هذه الكفاءات قد تكون قيادات من الصف الثالث أو الرابع في الأحزاب الكبرى المشاركة في المشهد السياسي مثل "حركة النهضة" و"قلب تونس" وربما تكون مقربة أيضا من "كتلة الإصلاح الوطني".

وأضاف في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أنه إذا صح ما أعلن عنه الحبيب الجملي أمس فإن الأطراف الداعمة لهذه الحكومة ستكون حتما "حركة النهضة"، و"قلب تونس"، و"ائتلاف الكرامة"، وربما دعم بعض المستقلين، وهو ما يجعلها تحصل على أكثر من 109 أصوات ما سيمكنها من مباشرة أعمالها بعد تمريرها في البرلمان.

ودلل العبروقي على حديثه بأن الجملي قال إنه استغرق وقتا طويلا لاستشارة الأحزاب، أي أن الأسماء التي تتكون منها الحكومة تمت الموافقة عليها من أحزاب ومستقلين وسيتم تمريرها بموافقة أعضاء هذه الأحزاب.

ولفت العبروقي أيضا إلى أن هناك العديد من الأحزاب تدعو إلى تشكيل حكومة في أسرع وقت نظرا للتحديات الكبيرة التي تنتظرها، وأن أي تأخير سيضر كثيرا بالبلاد، وهو ما يؤشر إلى فرص كبيرة لحصول حكومة الجملي على ثقة البرلمان، ولا سيما في ظل خطورة تكليف شخصية أخرى والدخول في سيناريوهات عديدة في حال لم تحظ هذه الحكومة بثقة البرلمان.

وبين هذا وذلك ينتظر الشارع التونسي الحكومة الجديدة بغض النظر عن مكوناتها للعمل على خلق حالة من الاستقرار السياسي، وفتح العديد من الملفات المعطلة، والبدء في إصلاح المشكلات المتفاقمة التي تتركز أغلبها في الجانب الاقتصادي.