إنها مصر

السياسة ليست حباً أو كراهية !

كرم جبر
كرم جبر

الدول مثل الأشخاص، لا يعمل حسابها الصديق أو العدو، إلا إذا كانت قوية وتفرض احترامها على الجميع، وفى عالم اليوم يأكل الكبير الصغير، وتدوس الأفيال العشب، وفى عالم السياسة ليس هناك حب وكراهية، وإنما «أخشاك» أو «أستهين بك».
من يخشاك يعمل حسابك ويخاف غضبك ويتقرب منك، ومن يستهين بك يسعى إلى انحناءة ظهرك، والمثل يقول «لا يستطيع أحد أن يركب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً»، وهذا ما قاله مارتن لوثر كينج، وهو زعيم أمريكى تم اغتياله سنة 1968 بسبب التمييز العنصري.
فى الشرق الأوسط ازداد عدد الدول منحنية الظهر، وتعددت حالات الركوب، إما من القوى الغازية من الخارج، أو من أبناء البلد أنفسهم الذين كانوا أشواكاً فى ظهر دولهم.
حالة مصر مختلفة، ولن يركب ظهرها أحد بإذن الله، طالما ظل شعبها متماسكاً، ورافضاً الفتن والمؤامرات، وملتفاً حول دولته ومدافعاً عنها لأنها الملاذ والمأوى، وأنجزت فى سنوات قليلة ما لم يتحقق فى عشرات السنين.
الانحناءة تقصم الظهر وتهين الأجساد، والدول كالأفراد إذا لم تتخلص من عوامل ضعفها ركبتها الشيخوخة المبكرة، وفقدت عوامل قوتها وازدهارها، وصارت مطمعاً للجميع.
ومن أهم أسباب استقامة الظهر أن يكون الشعب واعياً بما يدبر له فى الخفاء، ليس استحضاراً لنظرية المؤامرة، ولكن الأقدار كتبت على هذا الوطن منذ نشأته أن يكون محطاً للأطماع والمؤامرات.
لماذا؟.. لأن مصر قلب الشرق النابض، ومنها تسرى الدماء فى العروق، إذا هبت فيها ثورة انتشرت رياحها فى سائر الدول، وإذا نهضت ثقافتها أشعت نوراً على العقول المظلمة، وإذا انتصرت تسرى عدوى الانتصار فى بقية الأجزاء.
جمال عبد الناصر مثلاً، كانت شعبيته تغزو نصف الكرة الارضية، فصار صوته يجلجل فى الشرق والغرب «ارفع رأسك يا أخى فقد انتهى عهد الاستعباد»، ولم يحاولوا إسكات صوت عبد الناصر فقط، بل وأد زخم الثورة الذى ملأ كل الدول.
أوقعوا عبد الناصر فى النكسة، وحاصروا المد الناصرى وتمكنوا من القضاء على أحلام الوحدة العربية، ومن ساعتها صارت العروبة هدفاً ثابتاً تصوب إليها البنادق والصواريخ، حتى جاءت الطامة الكبرى فى انتشار قوى التطرف فى سائر دول المنطقة.
يريدون ألا تشبع مصر وألا تجوع، ففى شبعها خطر وفى جوعها دمار، وهم لا يريدون لها هذا ولا ذاك، ولكن أن تظل عطشى ولا ترتوي، وخاب مسعاهم وأنقذها الله من حزام النار والدمار المسمى «الجحيم العربي».
لنفهم ما حولنا، وما أمير قطر وحاكم تركيا إلا مخالب قذرة فى أيدى قوى كبرى تحركهما من وراء الستار، أحدهما يحلم بأن تكون إمارته الصغيرة امبراطورية فى حجم كف اليد، والآخر يعيش فى عباءة السلطان العثماني، أسوأ ما مر على المنطقة من استعمار.
المثل يقول «لا يستطيع أحد أن يركب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً»، ومصر بإذن الله لن تنحنى أبداً ولن يركب أحد ظهرها.