خارج النص

حرب العقول

أسامة السعيد
أسامة السعيد

إذا كانت المعارك تندلع أولا فى عقول الرجال قبل أن تصل إلى ميادين القتال كما تقول الحكمة، فإن معارك اليوم قد لا تصل إلى ميادين القتال، بل تكتفى بأن تشعل النيران فى العقول، وتتركها لتدمر نفسها وأوطانها ذاتيا، دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة.. هذه هى الحروب التى كُتب علينا أن نشهدها، وأن تقع بعض أوطاننا ضحية لها، بعدما بات مد الزيف والتزييف أقوى مما نتخيل، وأعمق مما نتصور.
قبل أيام وبدعوة كريمة من مركز دلتا للأبحاث، شاركت متحدثا فى مؤتمر وسائل التواصل الاجتماعى وصناعة الشائعات، والحقيقة أن المؤتمر كان حافلا بالمناقشات والمداخلات، وبقدر ما يمنحك وعى وإدراك المشاركين به من ثقة فى أننا بتنا على قلب رجل واحد فى إدراك خطورة الشائعات، وبخاصة تلك التى تتسلل إلى عقولنا عبر شاشات الهواتف الذكية، إلا أننى لا أخفى قلقا متصاعدا من التأثير بعيد المدى، والدور الممتد الذى تلعبه تلك الشائعات فى إفساد عقول الناس قبل حياتهم.
مصدر الخوف دراسات علمية وتقارير دولية عديدة تقول إن ٦٣٪ من الشباب العربى (بينهم ٤٠ مليون مصرى معظمهم شباب) يعتمدون على فيس بوك وتويتر للحصول على الأخبار، والنسبة فى تزايد مستمر، فكل ثانية يتم إنشاء ٥ حسابات جديدة على فيس بوك مثلا، رغم أن الموقع ذاته يعترف بوجود مئات الآلاف وربما الملايين من الشائعات والأخبار الزائفة والمفبركة على صفحاته، وهو يحاول منذ ٣ سنوات محاصرة ذلك الطوفان دون جدوى.
الكارثة الأخطر أن هؤلاء الشباب يعيشون داخل «فقاعة» السوشيال ميديا فى عزلة تكاد تكون كاملة عن واقعهم، فهم يغلقون عقولهم وآذانهم، مكتفين بما تبثه مواقع التواصل التى يصدقونها ويصوغون أفكارهم ويبنون مواقفهم ويتخذون قراراتهم على أساسها، وحتى وإن لم يكن بشكل عاجل، فإنها تسرى مثل سم ممتد المفعول لتجتاح العقل وتهيمن عليه.
المؤكد أن الاكتفاء بالتحذير، أو حتى المنع ليس حلا، فالحل الأبقى والأكثر فاعلية هو بناء وعى حقيقى يمثل مصلا واقيا ضد تسميم العقول، وحائط صد لمواجهة حرب منظمة أشد خطرا وتدميرا من كل حروب التاريخ.