بالفيديو| قاض مصري يكتب وثيقة تاريخية للنساء في يوم مكافحة العنف ضد المرأة

المستشار محمد خفاجي
المستشار محمد خفاجي

بمناسبة احتفال مصر والعالم باليوم العالمي لمكافحة العنف ضج المرأة منذ أن حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة  25 نوفمبر يوم له، بقرارها 54/134 بقصد رفع الوعي حول مواجهة المشكلات التي تتعرض لها المرأة حول العالم، ومصر تقدم تجربة فريدة للعالم حول تكامل دور المشرع الدستوري مع القاضي الإداري في حماية المرأة من العنف حتى ولو كان عنفا معنويا.

فعقب ثورة 30 يونيو 2013 صدر الدستور المصري في 18 يناير 2014 ونص فيه على حماية المرأة ضد كل أشكال العنف وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، وبعد عشرة أيام فقط من صدور الدستور أصدر القاضي المصري المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة وثيقة قضائية شاهدة على إنصاف وحماية المرأة المصرية ضد العنف المعنوي في أول تطبيق للدستور المصري في قضية امرأة الكفيف، حيث صدر قرار من وكيلة وزارة الصحة بكفر الشيخ برفض تمكين امرأة تعمل ممرضة بمستشفى بلطيم المركزي من السهر لرعاية زوجها الكفيف والذي قضت المحكمة بإلغائه، وأكدت المحكمة أن المرأة مصباح الحضارة المصرية في النضال والتضحية.

وأعربت منظمات حقوقية مهتمة بشئون المرأة وحمايتها من العنف، أن هذا الحكم القضائي الهام رغم مرور الوقت يعتبر ميثاقًا متجددًا يعكس رؤية المجتمع كله بكلمة الحقيقة التي نطقت بها منصته الرفيعة، وتعتبره المرأة المصرية وثيقة فخر لها في سجلها التاريخي الناصع.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها الساطع – آنذاك - أن المرأة المصرية كانت سندًا ركيزا للرجل في كفاحه ضد الاستبداد على مدار ثوراته في التاريخ خاصة منذ أوائل القرن الماضي حتى الآن سعيًا للحرية وبلوغًا لأواصر الديمقراطية، وضربت للرجل مثلًا في القدوة والوطنية وغدت مصابيح الحضارة المصرية في النضال والتضحية، وكان دورها في تنمية المجتمع عنصرًا فاعلًا بعد أن ذاقت القهر والمهانة والاضطهاد في عصور الظلام على الرغم من أنها الكوكب الدري الذي يستنير به الرجل وبدونها لا تستقيم الحياة فهي في الحق تاج الخليقة ومكونة المجتمع فلها عليه سلطة المشاركة فلا يعمل فيه شئ إلا بها ولأجلها.

وأضافت المحكمة في حكمها التاريخي المنصف للمرأة موضحة الفضائل الكريمة وآداب السلوك للمرأة المصرية وأثرها على حسن أداء الوظيفة العامة بقولها أنه كان حريًا بالرجل ألا يستأثر بجني ثمار الحرية وأن يحد من أطماعه العاتية لتبسط المرأة يديها الحانية فتشاركه قطوفها الدانية، وما من ريب في أن ما تعطيه المرأة لأسرتها من الفضائل الكريمة وآداب السلوك يؤثر حتمًا على حسن اضطلاعها بالوظائف العامة التي تقوم بها، مما يستوجب على كافة المسئولين بالدولة ألا يتغافلوا تجاه المرأة عن كفالة التوازن والتوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل وهو ما ارتقى به المشرع الدستوري ليضحي من الحقوق الدستورية الأصيلة للمرأة.

واختتمت المحكمة في حكمها الإنساني العادل أن وجدانها يهتز وترتعد السماء بحسبان أن زوج المدعية كفيف يواجه الظلام الكوني في الليل والظلام البصري الذي ابتلاه الله -عز وجل- والمحكمة وهى الحارس الأمين على الحقوق والحريات العامة لا تقف مغلولة في تقدير تلك الاعتبارات، بل تنزل رقابة المشروعية الحقة التي وسدها إليها الدستور والقانون في توازن دقيق بألا تضع الإدارة من العراقيل ما يحول بين قيام المدعية برعاية زوجها الكفيف بالليل بإجبارها كرهًا على السهر بالمستشفى بعيدًا عنه مما يعرض حياته للمخاطر وهى مصلحة اجتماعية أوجب بالرعاية والاعتبار وكان يمكنها تكليف المدعية بأحد الفترتين أثناء النهار، إلا أنها اعتبرت أن فقدان البصر ليس سببًا طبيًا يخصها مخلة بذلك بحق دستوري المتمثل في تمكين المدعية من التوفيق بين واجبات أسرتها ومتطلبات عملها ومهدرة أيضًا لحق دستوري آخر لذوى الإعاقة في الرعاية طالما كافحوا للحصول عليه، ولا يخفى أن القرار الطعين يؤدى إلى تمزيق الأسرة وتفريقها عندما يجد الزوج الكفيف زوجته تتركه في أحلك الأوقات.

وبعد انتهاء تلاوة القاضي لمنطوق الحكم قال زوجها الكفيف: «الحمد لله نعيش بعد 30 يونيو وبعد الإخوان ومبارك ومصر بها دستور قوي».