قلب وقلم

سبوبة «التقديم» الثقافى!

عبد الهادى عباس
عبد الهادى عباس

عبد الهادى عباسد

إذا تركنا جانبًا المحسوبيات والعلاقات الشخصية كإحدى طرق النشر فى الهيئات الثقافية، فإنه لا شك تتبقى فضيلة الأسعار الزهيدة وتنوع العناوين التى تنداح لتشمل دروب الفكر المختلفة؛ ومع هذا فلاتزال هناك عادة قميئة تحولت إلى ظاهرة، وهى «فرض» أسماء الموظفين على كتب قديمة أعيد طبعها، بزعم أن هذا «الموظف» كتب مقدمة من صفحتين للكتاب؛ وإذا بدأت فى قراءة هذا التقديم لابد أن تفعل شيئين: إما أن تقذف الكتاب إلى مهاوى القُمامة، أو تجعله حطبًا تأكله النار، وأنت كاسب فى كلتا الحالتين، لأن البديل لهما هو النرفزة والتوتر وتعب الأصعاب، وربما يتطور الأمر ويركبك الهمّ وتكتئب!
قد نفهم أن موظفى الثقافة يبحثون عن «سبوبة» لزيادة الدخل لمواجهة ظروف الحياة الصعبة، وقد نفهم أن الوزارة تساعدهم فى توفير هذه المكافآت بأن تُكلفهم بأعمال من عينة ما قام به الفنان سمير غانم فى مسرحية «المتزوجون» حين قام بدور المنجد ونقل القطن من هنا إلى هناك!!.. لكننا لا نفهم أن تُكلف الوزارة موظفيها بكتابة تقديمات لا تُضيف جديدًا-ولا قديمًا-إلى كتاب له أربع مقدمات رائعة بالفعل.. وهذا ما حدث مع تلك المقدمة «الهزيلة» التى كتبها السماح عبد الله لديوان إسماعيل باشا صبرى، الذى ضم بالفعل أربع مقدمات رائعة، إحداها بقلم د.طه حسين.
فى الوقت الذى تزعق فيه الدولة بصوتها المبحوح بضرورة التعاون والاشتغال على تدعيم البنى الفكرية والثقافية للجمهور لمواجهة التطرف بأشكاله كافة، لاتزال الخيبة والخذلان يحتلان موقع الريادة داخل أوكارنا الثقافية بالمجاملات الزائفة وتجذير المحسوبية إعلاء لمصالح شخصية ومجاملات ضيقة.
حتى وهو نائم كان ديموكليس اليونانى يُعلق سيفه أعلى رأسه بشعرةٍ من ذيل حصان، دليلًا على استعداده الدائم للخطر؛ غير أن الهيئات الثقافية عندنا لا يروقها كثيرًا هذا النهج الديموكليسى الجاد الذى يستعد للخطر وهو بعيد عنه، وتُفضل عليه ألاعيب «جُحا» الذى يُوهم السذج من العامة أن المواعين تتناسل وتُنجب أطباقًا صغيرةً فيدفعون إليه بمواعينهم، فإذا هى تموتُ!
لا سبيل إلى تغيير أوضاعنا الثقافية المتخاذلة إلا بالتجرد والانسلاخ عن المصالح الشخصية التى لا تتصالح إلا على تدمير عقولنا بما تسهم به من ارتكاس للذائقة الأدبية.