حكايات| سيدة العالم السفلي.. كيف تظهر «النداهة» في كل بلد؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

أمسك بيد حبيبته وسط "الزراعية" في ليلة تحت ضيّ النجوم التي رسمت في الأفق لوحة فنية، يجلسا وسط السكون ونقيق الضفادع فتمر الساعات سريعا فيكسرا منتصف الليل، لتظهر فجأة فتاة جميلة تنادي على الشاب المُحب بصوتها الجميل بعد أن برزت رأسها من مياه الترعة المجاورة، فيترك حبيبته، ويسير هائما وراء الصوت الملائكي، وقبل آخر خطوة على الضفة يشعر بيد حبيبته على كتفه فيفيق، ويسمع فتاة الترعة قائلة: "لقد أنقذتك مني هذه المرة.. لكنها لن تستطيع المرة القادمة"، ثم تغمرها المياه.

فتاة جميلة تظهر ليلاً لتنادي على ضحاياها من الرجال بصوتها المسحور الذي يقع على مسامعهم كالخمر الذي يُذهب العقل فيصبح فريسة سهلة ينقاد ورائها، وبمجرد أن تنادي عليه باسمه الذي تعرفه عن ظهر قلب يبدأ في الاستجابة إليها فتطلب منه الزواج والعيش معها في عالمها السفلي فيختفي من عالم البشر بلا عودة بعد أن يوافق، أو لتظهر جثته في اليوم التالي بجانب إحدى المصارف بعد أن قتلته لرفضه الزواج منها، وفي حالات نادرة يختفي ويظهر مرة أخرى حياً وقد أصابه حالة من الجنون.

قد تظهر مرات قليلة لشخص ما دون أن تنادي عليه، فينجو من الموت أو الاختفاء ولكنه سيعيش طيلة حياته وقد أصاب الجنون من سحر جمالها، ويحيط بعقله الهلاوس البصرية والسمعية، فتجد المصاب يعيش بين أفراد أسرته بجسده لكن عقله يدور في فلك تلك المسحورة، فيبدأ في الحديث لنفسه، والتجول ليلاً ونهاراً حول المصارف والترع والأراضي الزراعية باحثاً عنها، ليختفي يوماً ما بلا رجعة .

"النداهة" كما أطلق عليها، من أكبر الأساطير التي يؤمن بها الريف المصري، وعدد من الدول الغربية مع اختلاف التسمية، تنتشر في التجمعات الزراعية أو تلك التي تحتضن بين أرضها ترعاً ومصارف للمياه، تهوى الظهور ليلاً خلسة لبعض الوقت، اختلف على هويتها من يؤمن بها، فالبعض يرى أنها من عالم الجن وليست بشراً، إلا أن أغلبية من يؤمن بها يؤكد أنها شخصية حقيقية مجهولة لقيت حتفها بطريقة بشعة على يد أحد القتلة، ويدللون على صحة روايتهم بحادثة وقعت في عام ١٨٥٠ بإحدى القرى المصرية، والتي ترجع أحداثها إلى فتاة عرفت بجمالها البالغ والتي وجدت مقتولة، ولم يتعرفوا على الجاني حتى الآن، لذا فهي تظهر وتتجسد ليلاً في محاولة منها للانتقام.

رغم من اختلاف الروايات على كون "النداهة" من عالم البشر أو عالم الجن إلا أن هناك اتفاقاً على شكلها، فكل من يؤمن بها يوكد أنها جميلة ذات عينين حمراوين، ترتدي ثوباً أبيض، تستطيع الطيران فوق الأرض، لذلك فهي تتجول من مكان لآخر في وقت سريع للإيقاع بضحاياها، ولا تظهر إلا في ثلاثة أماكن  الحقول والأراضي الزراعية، والمصارف المائية، والترع .

استغل أعتى المجرمين والسفاحين حديث الناس وإيمان بعضهم بالنداهة لإخفاء جرائم القتل التي يرتكبونها ونسبها للنداهة، حتى وصل الأمر أن أغلب محققي الريف كانوا ينسبون جرائم القتل للمسحورة خاصة بتلك الوقائع التي يجد فيها جثث القتلى حول الأراضي الزراعية .

فبالرغم من انتشار جرائم الثأر في الريف وقرى الصعيد، إلا أن النداهة كانت بمثابة طوق النجاة للقاتل في جرائم عديدة قيدت ضد مجهول، وليس في مصر فقط بل في عدة دول عربية وأجنبية.

أم الدويس.. تغوي الرجال في الخليج العربي

رغم انتشار أسطورة النداهة في الريف المصري إلا أنها تنتشر في عدد الدول العربية منها والغربية لكنها معروفة بأسماء ففي دول الخليج العربي ودولة الإمارات العربية المتحدة تنتشر أسطورة "أم الصبيان" أو "أم الدويس"، وهي فتاة جميلة بالغة الأنوثة تلاحق وتظهر للرجال فقط ليلاً وتفتنهم بجمالها لتوقعهم في شباك حبها.

ربما كانت الفتاة الخليجية والإماراتية الأخص أكثر ذكاءً، ففي ذلك البلد الذي يضم قرابة ١٧٠ جنسية من كافة دول العالم، وجدت من أم الدويس ملاذاً آمنا للحفاظ على أزواجهن، حيث قامت باستغلال أسطورة "أم الدويس" خير استغلال، عبر إشاعة أن تلك الجنية تقوم بقتل وتقطيع جسد الرجال الذين يقعون في هواها ولا تكتف بذلك، بل تطهو لحمهم بعد قتلهم لخيانته زوجته.

 

 لا لورونا.. الأسطورة المرعبة

 لا لورونا هي النسخة الإسبانية من "النداهة"، هي أسطورة تستهدف تخويف وإرعاب الأطفال، وتظهر ليلًا على ضفاف النهر في صورة امرأة حزينة باكية، وما إن يقترب منها شخص أو طفل، تقوم بقتله على الفور وإلقاء جثته في النهر .

عروس البحر اليونانية 

اليونان هي بلد الأساطير، وأسطورة "عروس البحر" التي تفتن البحارة بالغناء وصوتها الساحر وأنوثتها البالغة، وهي نوعان في الروايات اليونانية: الملائكية أو الطيبة وهي التي تستطيع أن تغوى البحار بجمالها وأنوثتها لتعيش معه في نعيم، والعروس الشريرة أو الشيطانية التي تقوم بقتل البحار أو اختطافه إلى بحر الظلمات.

كوشيساكى أونا اليابانية.. فاتنة مسمومة  

تتمثل النداهة في اليابان في الأسطورة اليابانية "كوشيساكى أونا" أو "المرأة ذات الفم المشقوق" وهي امرأة جميلة قتلها زوجها وعادت إلى الحياة مرة أخرى للانتقام من جنس الرجال، وتظهر ليلاً على هيئة شبح مرتدية قناعاً لتسأل من يراها: "هل أنا جميلة ؟" فإذا أجاب بلا قتلته على الفور وإذا أجاب بنعم خلعت القناع ليظهر وجهها المرعب لتعاود سؤال الشخص مرة: "هل أنا جميلة" فإذا كانت إجابته بلا قتلته وإذا كانت إجابته نعم تقوم بشق وجهه كوجهها .

عيشة قنديشة.. والكبريت الأحمر 

يعتبر مسلسل الكبريت الأحمر للفنان أحمد السعدني من أوائل الأعمال الدرامية المصرية الذي  قدم شخصية "عيشة قنديشة" والتي جسدت دورها الفنانة سميون، وبعيداً عن الانتقادات التي تعرض لها المسلسل من الجمهور المغربي، تعتبر عيشة قنديشة من أكثر شخصيات الجن شعبية في التراث الشعبي المغربي حيث تتناولها الأغنية الشعبية ويزعم أنه حتى مجرد النطق بلقبها الغريب والمخيف قنديشة يجر اللعنة على ناطقها.

 تفتن عيشة قنديشة الرجال بجمالها الساحر وتستدرجهم إلى وكرها المهجور لتمارس الجنس معهم ومن ثم قتلهم وأكل لحومهم فهي تتغذى على لحوم ودماء أجسادهم إلا أنها تخاف من شيء واحد وهو اشتعال النار أمامها.

 حسب بعض الروايات فعيشة قنديشة امرأة حقيقية تنحدر من الأندلس، من عائلة نبيلة طردت عائلتها من هناك، عاشت في القرن الخامس عشر وأسماها البرتغاليون بعيشة كونديشة أي الأميرة عيشة.

وقد تعاونت مع الجيش المغربي لمحاربة البرتغاليين الذين قتلوا وشردوا أهلها  فأظهرت مهارة وشجاعة في القتال حتى ظن البعض وعلى رأسهم البرتغاليون أنها ليست بشرا وإنما جنية.

ويبقى حديث الأساطير دائما هو مهرب غير المبالين بالواقع، وملاذ من تصدمه حقيقة الحوادث والجرائم البشعة، حتى يستطيع أن ينام قرير العين بعيدا عن الترعة أو المصرف.