فيديو وصور| آثار درب سعادة مصيرها «التعاسة» والإهمال.. وأسرار مقام «غلام المعز»

 آثار درب سعادة مصيرها «التعاسة» والإهمال.. وأسرار مقام «غلام المعز»
آثار درب سعادة مصيرها «التعاسة» والإهمال.. وأسرار مقام «غلام المعز»

- الآثار بعضها تساقط  والآخرى دار عليه الزمان وتلاشت أسماءها وسيطر عليها التجار

- احتضن أول وزارة.. و«مؤيد شيخ» كان سجنا لصاحبه فلما أصبح سلطانا حوله «مسجدا»

- الشارع نسبة لـ«سعادة بن حيان» غلام المعز.. وعاش ودفن به ومقامه بمديرية أمن القاهرة

- «كونشرتو في درب سعادة».. عمل فني خلد اسم الشارع في عام 2000.. وهؤلاء أبطاله

- مساجد الأمراء «أسنبغا» و«جقمق» وبيبرس.. وزاوية فيروز وحمام الشرايبي.. أشهرها

 

يبدو أن الشارع الذي يحمل اسم «درب سعادة» لم يشفع له لينال قدرا يسيرا من العناية والاهتمام بالآثار الإسلامية التي يزخر بها من بدايته حتى نهايته؛ فلم يكن له نصيب من اسمه، بل بمجرد أن تطأ قدماك الشارع التاريخي في قلب قاهرة المعز بباب الخلق والمجاور لمديرية أمن القاهرة؛ تجد الآثار تشكو التعاسة وسوء الحظ والإهمال، حتى تساقطت جدرانها، وطُمست أسماءها ومعالمها، وغلب عليها اللون الأسود من تراكم الغبار والأتربة، ودار عليها الزمان، وذهبت في طي النسيان!

ربما لا يعلم كثيرون أن الشارع التجاري الذي اعتادوا ارتياده لشراء السجاد والمنسوجات والأقمشة والأدوات المنزلية والأخشاب، ويعج ليل نهار بحركة البيع والشراء، أنه كان شاهدا على أحداث تاريخية ضخمة لاتزال محفورة في الذاكرة المصرية، وسكنه الأمراء وعلية القوم، تاركين خلفهم مساجدهم ومدارسهم وأسبلتهم وقصورهم و«التكية» الخاص بهم، لتحكي للأجيال المتلاحقة عِظم التاريخ الإسلامي، وتأخذهم إلى عبق الماضي ورونقه.

هنا «درب سعادة» نسبة إلى «سعادة بن حيان» غلام الخليفة الفاطمي المعز لدين الله وحامل رايته، أرسله المعز إلى القاهرة عام 360هـ تعزيزاً للقائد جوهر الصقلي في حربه ضد القرامطة، واستقباله القائد «الصقلي» استقبالاً حافلاً من أحد أبواب القاهرة، ومن وقتها عُرف الباب بـ«باب سعادة».

وهزم «سعادة» في حرب القرامطة فى الشام وعاد لمصر حيث توفى بها سنة 362 هـ ودفن بترابها، وله مقام داخل مديرية أمن القاهرة يعرف باسم «سيدي سعادة».

الشارع التاريخي كان له نصيبا أيضا من الأعمال الفنية والدرامية، ففي جنباته دارت أحداث المسلسل «كونشرتو في درب سعادة» الذي عُرض عام 2000، بطولة نجلاء فتحي وصلاح السعدني وسلوى خطاب وحسن كامي وعائشة الكيلاني وصلاح عبدالله، وتأليف حسام زكريا ورفيق الصبان، وﺇﺧﺮاﺝ أسماء البكري.

وتدور أحداثه حول عزوز عبدالتواب موظفًا في دار الأوبرا المصرية، ويسكن فى منطقة درب سعادة، ويلتقى في عمله بعازفة الكمان سونيا المنشاوي المصرية المغتربة في باريس بعد عودتها من هناك، ويُكلف عزوز بمرافقة سونيا فى جولاتها بالمدينة ومع الوقت يقع عزوز فى حبها، ويبدأ فى الانجذاب إلى سماع الموسيقى الكلاسيكية بعد أن كان ينفر منها، ويبدأ عزوز فى التمرد على زوجته مبروكة وأهل حارته....

جولة «بوابة أخبار اليوم» في درب سعادة رصدت حالة الآثار التي يمتلئ بها الشارع، وما آلت إليه من خراب! حتى تظن أن وزارتي الآثار والأوقاف قد نسيتاها تماما طوال السنوات الماضية، لكن أعلنت محافظة القاهرة مؤخرا عن نيتها لتطوير الشارع في قادم الأيام!.. كما نستعرض أهم الآثار الموجودة بالشارع.

ورغم روعة المباني والمساجد والزخارف والمشربيات والنقوش بها؛ إلا أنها لم تحتفظ بما يرشد زائريها عن أسماءها وتاريخها وأصحابها ممن شيدوها، وكثير منها تهدم وتساقط وتحيطها القمامة، وطغى عليها التجار، فافتشروا بضاعتهم على جدرانها، وتركوا سيارتهم أمامها، وبعضهم يمارس تجارته ويبيع ويشتري داخلها، وخلت الآثار من الزائرين لها، باستثناء بعض المساجد التي لاتزال مفتوحة حتى يومنا هذا وتقام بها الصلوات.

دار الوزارة

دار الوزارة بحارة الوزيرية، وحارة الوزيرية هى الشارع الذى سماه «المقريزي» نسبة إلى الوزير «يعقوب بن كلس» لأن داره كانت بها، وهى أول دار كانت للوزارة بالقاهرة.

وظلت دار الوزير يعقوب بن كلس بدرب سعادة سكناً للوزراء الفاطميين إلى أن جاء بدر الجمالي وزير الخليفة الفاطمى المستنصر بالله فهجرها ونزل بدار برجوان الخادم بحارة برجوان المطلة على شارع المعز لدين الله.

واستغلت بعد ذلك دار الوزارة بدرب سعادة لنسج الحرير والديباج الذى كان يُصنع لقصور الخلفاء الفاطميين، وعرفت بدار الديباج وعرف الخط كله بخط الديباج بعد أن كان يعرف بالوزيرية.

مسجد الأمير «أسنبغا»

بناه الأمير سيف الدين أسنبغا أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، سنة 720 هـ (1370م)، يبلغ طوله حوالي 25 مترا، وإلى جواره كُتّاب لتحفيظ القرآن وحوض لشرب الدواب "أثر رقم 185".

أراد الأمير أن يكون ذلك المكان جامعا بين العلم والدين فكان مسجدا للصلاة في وقت الفروض ومكانا لتحفيظ القرآن في الوقت الآخر، كان يعد ذلك المسجد في فترة من الفترات هو المدرسة التي تلجأ لها البنات لحفظ القرآن وتلقى بعض العلوم الأخرى، وكان يذهب الأولاد إلى جامع «جقمق» في نهاية الشارع للصلاة وتحصيل العلم.

إذا رفعت عينيك للأعلى من الخارج ستنبهر بالتحفة المعمارية التي تركها لنا الأمير أسنبغا، فإن المسجد مصنوع من نفس نوع الحجر الذي استخدمه المصريون لبناء الأهرامات.

المسجد عبارة عن أيقونة مصرية جميلة يجب أن يدرج خلال رحلات السياح ليروا جمال وعظمة تاريخ مصر الذي خلدته عبر التاريخ، والمسجد لا يقل أهمية عن الآثار التاريخية المشهورة التي يقصدها الأجانب.

ويلي البوابة لوحة رخامية كتب عليها "بسم الله الرحمن الرحيم ..العبد الفقير إلى الله ..بن أسنبغا".

والأمير أسنبغا جُلب إلى مصر وهو طفل حيث تربى في القلعة كمملوك قلاوون، وتولى وظيفة أميراخور في أيام السلطان حسن، وبعدها أصبح حاجب الحجاب، وكانت هذه من أرقى الوظائف في مصر حينها.

وتوفي الأمير أسنبغا قبل إتمام بناء المسجد الذي يحمل اسمه، وبعد وفاته بفترة طويلة تم تجديد الحوض الرخامي في المسجد في عصر الخديوي عباس حلمي الثاني، ليتحول فيما بعد لمدرسة تحفيظ القرآن للبنات.

مسجد ومدرسة الصالح «جقمق»

داخل أزقة درب سعادة، تجد على يمينك مسجد عتيق يبلغ من العمر أرزله، بناه الأمير الكبير فخر الدين أبو الفتح عثمان بن قزل البارومي؛ والذى كان رئيس الجند للملك الكامل محمد بن العادل الأيوبي، وكان يضم المسجد مدرسة لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم، ومع مرور الأيام تعرض المسجد لبعض التلف وكاد أن يسقط؛ فقام بترميميه الظاهر جقمق وأعاده لرونقه ولكن بشكل جديد فتغيرت معالمه؛ ومن ذلك الحين تغير اسمه وأصبح "مسجد الصالح جقمق".

مع مرور الزمن اكتسب ذلك المسجد حبً كبيرًا من أهالي منطقة درب سعادة بالدرب الأحمر؛ فتهافت عليه أصحاب المتاجر الموجودة هناك لتجديده كاملًا شاملا الحمامات ومصلى السيدات وفرش المسجد نفسه بأجود أنواع السجاد، فعند دخولك المسجد تلمس نظافته وتشعر برائحته العطرة وذلك يختلف عن الكثير من المساجد الأثرية الموجودة بالمنطقة.

كما أنشأ الأمير جقمق مدرسة تحمل اسمه، مكتوب على المدخل نص تأسيسي (أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة مولانا السلطان الملك الظاهر محمد أبو سعيد جقمق خلد الله ملكه وثبت قواعد دولته بمحمد وآله يا رب العالمين).

والظاهر جقمق تولى حكم مصر عام 1438 م وكان عمره 65 عاما و توفي عام 1453 م وقبل وفاته تنازل عن الحكم لابنه عثمان.

وقيض الله لهذه المدرسة الأمير الجمالي يوسف فعمرها عمارة حسنة لقربها من بيته وكتب عليها اسم السلطان الظاهر جقمق تقرباً إليه ومن ثم عرفت المدرسة الفخرية بمدرسة السلطان الظاهر جقمق.

جامع السلطان المؤيد شيخ

بناه السلطان المؤيد شيخ المحمودي، وقد استغرق بناء الجامع حوالي ست سنوات من 818 - 824 هـ (1415 - 1421م). وللجامع قبة شاهقة الارتفاع مبنية بالحجر سطحها الخارجي مزخرف وتحت هذه القبة قبران دفن بواحد منها ثلاثة من أبناء المؤيد شيخ والقبر الثاني دفن به المؤيد شيخ.

وكان في موقع الجامع سجنا عُرف باسم خزانة شمائل سُجن فيه المؤيد وقت أن كان أميراً وقاسى فيه الشدائد. فنذر وهو في محنته أن نجاه الله تعالى أن يهدم سجن شمائل ويبنى مكانه جامعاً، وقد وفى بنذره بعد أن اعتلى كرسي السلطنة.

والسلطان المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الجركسي ولد حوالي سنة 770هـ وجُلب إلى القاهرة وكان عمره لا يتجاوز 12 سنة. اشتراه السلطان برقوق وهو أمير قبل أن يتولى السلطنة، فاعتقه وعلمه الفروسية وفنون القتال. ترقى المؤيد في الوظائف فعين نائبا لطرابلس ثم نائباً للشام. وفي سنة 815هـ (1412م) اعتلى كرسى السلطنة وظل سلطانا حتى وفاته سنة 1412.

جامع بيبرس

بناه الأمير بيبرس بن عبد الله بن عبد الكريم بن عمر الشهير باسم بيبرس الخياط، سنة 921هـ.

وبيبرس الخياط هو بيبرس بن عبد الله بن عبد الكريم بن عمر. كان من أقارب قنصوه الغوري، وكان هو الخياط الخاص بالسلطان فلقب بالخياط، وبداخل الجامع قبر زوجة المنشىء وأولاده، وفوقه قبة شامخة من الحجر.

عطفة الست بيرم

تقع حاره الست بيرم أمام المدرسة الفخرية، ويقول علي مبارك في الخطط التوفيقية: "عطفة الست بيرم ليست نافذة وعرفت بذلك لأن بآخرها زاوية تعرف بزاوية الست بيرم، وفي سنة 758هـ جددها القاضي علم الدين إبراهيم وجعل بها منبراً وخطبة ثم تخربت وبقي منها قبة فيها قبر منشئها.

الشارع غَنيّ بالآثار

إلى جانب ما تم عرضه من آثار، فيمتلئ درب سعادة بالأسبلة والمدارس الآثرية وأبرزها: مدرسة مقبل الداودي آثر رقم 177، ومسجد الجمالي يوسف آثر رقم 178، ومدرسة عبد الغني فخر الدين (جامع البنات) آثر رقم 184، وزاوية فيروز الساقي آثر رقم 192، ومسجد آقا سنقر الفراقاني آثر رقم 193، وسبيل وكتاب عبد الباقي خير الدين آثر رقم 194، وسبيل وكتاب علي بك الدمياطي آثر رقم 197، وسبيل وقف حبيش آثر رقم 198، وسبيل حسن آغا أزرنكان آثر رقم 420، وواجهة منزل العربي ومنزل المحروقي آثر رقم 459، وواجهة وكالة الشرايبي آثر رقم 460، وسقيفة وسبيل مصطفي جوربجي مستحفظان آثر رقم 553، وقبة حسام الدين طورنطاي آثر رقم 590، وحمام الشرايبي مسجل بقرار مجلس الوزراء رقم 290 لسنة 1985.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي