الشائعة = مليارات الدولارات

تعبيرية
تعبيرية

فى مارس 2014 انتشرت شائعة فى مدينة شنجهاى عاصمة الصين الاقتصادية أن بنك اسمه Rural Commercial Bank رفض طلب أحد العملاء بسحب وديعته البالغة 200.000 يوان  فانتشرت شائعة أخرى بأن المصرفى فقد أفلس.

المدينة أصابها الذعر واندلعت مظاهرات أمام المصرف وتجمهر عملاء المصرف لسحب ودائعهم فورا، خوفا من ضياعها.. حاول مسئولى المصرف أن يطمئنوا المودعين عبر الحديث مع بعضهم تارة أو عبر بيانات صحفية تارة أخرى، لكن بدون جدوى.

وأمام ما أحدثته الشائعة من حالة اضطراب قام البنك المركزى الصينى بإصدار بيان رسمى أكد فيه أن ما يتردد عن إفلاس هذا المصرف هى مجرد شائعة وان بنك  Rural Commercial Bank صلب ولا توجد أى مخاطر تواجهه وأن ودائع عملائه فى أمان ويضمنها البنك المركزي.. إلا أن أحدا لم يصدق ذلك.. لذا وفى محاولة لبث الطمأنينة بين الناس، قامت كل البنوك الأخرى العاملة فى «شنجهاي» بكتابة لافتة على كل أبواب فروعها اللى تقدر بالمئات، عبارة مفادها» بنك Rural Commercial Bank  مؤسسة مصرفية قانونية وتحت رقابة البنك المركزى مثلنا، لا داعى للقلق».

وفى محاولة بائسة وأخيرة لمواجهة الظرف الصعب، قام المصرف بجلب كل الأموال بجميع خزاناته ووضعها خلف الموظفين فى مكان يستطيع الناس رؤيته بوضوح ليثبت لهم أن الأموال موجودة ولا داعى لقلقهم ولا يوجد إفلاس نهائيا.. وفى النهاية تم حل الأزمة بعد 3 أيام عصيبة للغاية.. لكن لو لم تتم إدارة الأزمة بشكل ذكى وحكيم كانت قد اتسعت ووصلت لكل بنوك الصين وصارت أكبر من قدرة الجهاز المصرفى الصينى على احتوائها.

عودة إلى مصر.. نحن نواجه آلاف الشائعات خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبحسب المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، استحوذ القطاع الاقتصادى على 15.3% من هذه الشائعات فى 2018 وحدها.

أغلب هذه الشائعات كانت موجهة لضرب المشروعات القومية الكبرى مثل قناة السويس والعاصمة الجديدة، وشائعات أخرى استهدفت النظام المصرفى والنقدى بالدولة خاصة الديون والودائع، لكن ما تكرر كثيرا كانت شائعات المشروعات والديون.

لكن لم كل هذا التركيز على المشروعات والديون؟ 

المشروعات القومية الكبرى هى حجر رئيسى فى النمو الاقتصادى وخلق فرص العمل وتشجيع القطاع الخاص، ولولاها لما وصلنا إلى أفضل معدل نمو فى 11 عاما بلغ 5.6% .. أو انخفاض لمعدل البطالة هو الأفضل منذ 20 عاما عند 7.5%، بناء عليه لو استطاع أعداء الدولة المصرية أن يعطلوا أو يهدموا المشروعات الكبرى، يكونوا بذلك قد نجحوا فى هدم كل القطاعات الاقتصادية الأخرى وبالتالى يدخل الاقتصاد فى دورة انكماش وركود يدفع ثمنها الجميع وفى المقدمة المواطن محدود الدخل، الذى تدعى تلك الكيانات الإرهابية المعادية أنها تعمل لصالحه.

أما قصة الديون والتى نالها ما نالها من شائعات وتضخيم وتهويل - رغم انخفاضها مؤخرا إلى 90.2% بدلا من 108% فى 2016 - بغرض بث الرعب بين الناس وزرع الشك فى أوساط المصريين لتعطيل مسيرة النمو الاقتصادى بأى شكل ممكن.. تارة بالأعمال الإرهابية وتارة بالشائعات والفوضى.

لكن الكيانات الإرهابية التى تنشر وتصدر شائعات «الديون» تغفل حقيقة علمية ثابتة  تؤكد أن كل دول العالم تقترض وتعتمد على الديون لتمويل مشروعاتها والتنمية فيها، وهذا يسرى على كل الدول بدون استثناء، الولايات المتحدة مدينة بـ 22 تريليون دولار، الصين مدينة بـ 35 تريليون دولار، تركيا مدينة بـ 450 مليار دولار، البرازيل مدينة بـ 660 مليار دولار.

الأهم من ذلك أن هذه المشروعات الممولة من القروض، مشروعات استثمارية وليست إنفاق استهلاكي، أى أنها تُدر عائدا على الدولة تستطيع من خلاله سداد أقساط القرض ومصروفاته وفوائده.. هل سمعت عن أننا تعثرنا فى سداد أى قرض فى السنوات الأخيرة منذ أن بدأنا تنفيذ مشروعاتنا القومية الكبرى ؟! بالطبع لا.

الشائعات والتهويل هدفه تكوين رأى عام ضاغط ومُلح على القيادة السياسية لكى تقوم بوقف كل هذه المشروعات المُمولة بالقروض بأى شكل وبالتالي.. إفلاس الشركات العاملة بها وطرد العمالة وفقدانهم لمصدر أرزاقهم، ومن ثم يدخل الاقتصاد فى دورة انكماش مع تضخم مرتفع وارتفاع للبطالة وانخفاض للرواتب، مما يؤجج الاضطرابات الشعبية والاجتماعية بين الناس لمستويات خطيرة، وهو ما تهدف إليه فى النهاية هذه الكيانات الإرهابية التى تقوم بترويج الشائعات والأخبار المغلوطة.. فالهدف الحقيقى والنهائى من الشائعات التى تبثها الكيانات الإرهابية هو تدمير أعمدة الاقتصاد المصرى وتشكيك المصريين فى مؤسساته المالية، وبث الإحباط والذعر بين الناس وصولا إلى الفوضى والاضطرابات التى لا ينتج عنها سوى هروب المستثمرين وتدهور السياحة وهو ما يصب فى مصلحة الكيانات الإرهابية المعادية وبالتالى يساعدهم أكثر وأكثر فى تحقيق هدفهم النهائى وهو إسقاط الدولة المصرية بأى ثمن.. وهو ما لم ولن يحدث طالما كان الشعب المصرى منتبها لما يحاك ضده ومتحصن بالوعى والمعلومة الكافية لكى يجُهض أى محاولات خبيثة لتدمير بلاده واقتصادها.