قضية ورأى

الخريف والمخاطر البيئية

حمدى هاشم
حمدى هاشم

 الخريف فصل الاستمتاع بالطبيعة ولوحاتها رائعة التكوين على حفيف أوراق الأشجار المتساقطة وتغريدات أسراب الطيور المهاجرة، باختلاف مظاهرها فى أقاليم الأرض، ومناطقها الطبيعية المتفرقة من العالم (أمريكا وكندا وألمانيا ورومانيا وروسيا واليابان...). ويرصد الفقه المناخى الاختلاف بين الأمكنة وتأثرها بتقلبات فصل الخريف، ومنها مصر فى الإقليم الصحراوى.
الخريف بداية التقويم الفرعونى (القبطى حالياً)المتوج بفيضان النيل والسنة الزراعية الجديدة، فهو الميقات لوفاء الإله (حابي) بجلب مياه الجنوب وما تحمله من خيرات الطمي، ثلاثة شهور متصلة تستقبل الفيضان السنوى، حتى بناء السد وتنظيمه الرى الدائم، وتشهد مصر الفيضان الحالى (2019) بالاستقواء الإثيوبى لملء بحيرة سد النهضة دون تأمين منسوب بحيرة السد العالي.ويطارد نفوس السودانيين الخوف من كوارث الفيضان البيئية واحتلال البرك الراكدة ولاية الخرطوم.
يجمع التوزيع العام للضغط الجوى بين فصلى الخريف والربيع فى مصر، ولكنهما يختلفان فى حركة الانخفاضات الجوية القادمة من الغرب،التى تصل من فوق الصحراء الكبرى (شمال إفريقيا) باتجاه الصحراء الغربية بطيئة وأصغر حجماً وأقل عمقاً فى الخريف عنها فى الربيع، وكذلك يختلف الخريف بقلة موجات الحر الشديدة والمتربة وارتفاع نسبة الرطوبة وغزارة الأمطار التى تتحول فى الغالب لسيول هادرة بالتزامن مع حالةعدم الاستقرار فى الجو وتزايد فرصة حدوث العواصف الرعدية.
ومن حركة السيول وأخطارها البيئية، فى محافظات سيناء وأسوان والبحر الأحمر، يحتسب خبراء المناخ تكرار حدوثها وتفاوت قوتها على تزحزح خطوط المطر بفعل التغيرات المناخية الإقليمية، وتغير سلوك التيارات الدوامية للأعاصير فوق جنوبى مصر، والتى حطمت الكثير من أبراج نقل الكهرباء للسد العالى وخزان أسوان، وأوقفت مصانع وهدمت منازل وأغرقت آلاف الأفدنة وأتلفت الأشجار المثمرة وكذلك المرافق والبنية التحتية. ولا يخلو ذلك من التأثير على الحالة النفسية من الهلع والشعور بالخوف من سيول الفجأة وفقد كثير من الأسر لمصادر رزقها وأماكن إقامتها.
يتطلب الأمر خريطة تفاعلية متصلة بالاستشعار عن بعد لمخرات السيول، وتعزيزالمحافظات الأكثر تضرراً بإقامة سدود وحواجز الإعاقة والتخزين لتعظيم الاستفادة منها مع الأزمة المائية (سد النهضة)التى تمر بها البلاد. ويتحقق ذلك من خلال المركزية بالإنذار المبكر لإدارة السيول والأمطار الشديدة والسيطرة عليها وتأمين مواجهتها بالتمويل اللازم، ورفع كفاءة أجهزة المحليات من النواحى الإدارية والفنية، وتفعيل دور المشاركة المجتمعية من رجال الأعمال والمستثمرين والجمعيات الأهلية.
وعلى صعيد آخر، نتيجة تزايد أحمال التلوث الجوى وضعف القدرة الاستيعابية للبيئة، اعتاد سكان إقليم القاهرة الكبرى وبعض محافظات الدلتا على عكارة الجو مع ظهور النوبات الحادة من تلوث الهواء (منذ خريف 1999)، نتيجة لظروف جوية وطبوغرافية وزيادة معدلات انبعاث بعض الملوثات الموسمية. وتأثير ذلك على الصحة العامة للسكان، وحركة الطيران والمرور (السحب وانخفاض الرؤية الأفقية)، وكذلك نمو النبات بما تحجبه من الضوء. وقد ينقلب خوف بعض المصريين من «السحابة السوداء» لمتلازمة نفسية مع زيادة فرط الإحساس بالتلوث الجوى ومخاطره الصحية.
هذه مشكلة بيئية ارتبطت بموسم الخريف وبعض الأوقات المشابهة فى الظروف المناخية من الشتاء، تحتاج حزمة متكاملة من الحلول وجهود أكثر من جهة، واستثمارات مالية فى مكافحة التلوث، بالإضافة إلى البحث العلمى واعتماد التقنيات المحلية ذات التكلفة المقبولة. وإطلاق تنبؤ الأرصاد الجوية بمستويات التلوث الجوى بدلالة معامل التهوية وسرعة الريح كنظام للإنذار المبكر، خلال زمن حدوث تلك النوبات على مدار العام ولا سيما فى فصلى الخريف والشتاء. وصولاً لخرائط تبين درجة تلوث الهواء على مستوى الدولة تضاف لمحتوى النشرة الجوية بمختلف وسائل الإعلام.
< خبير بيئى