نصير الفصحى يجنح إلى العامية.. عبدالمطلب يكشف مفاجأة ما بعد الجائزة

د.محمد عبد المطلب نصير الفصحى
د.محمد عبد المطلب نصير الفصحى

في مفترق الطرق وقفت الثقافة العربية حائرة تواجه أعاصير الشرق والغرب، وبدا الأمر وكأنه متاهة في عالم شاسع فسيح تختل فيه الخطى وتزل فيه الأقدام خاصة أن العولمة انطلقت كالعاصفة الهوجاء تقتلع الجذور وتزلزل الأركان، وهنا تبدى دور الأصلاء والمخلصين الذين تصدوا للإعصار على شدته بثقافتهم المتينة الأساس.

وناقدنا الكبير د.محمد عبد المطلب نصير الفصحى والمدافع عن الثقافة العربية فى وجه المتربصين بها والمشككين فيها أحد هؤلاء المخلصين، وفوزه مؤخرا بجائزة الدولة التقديرية فى الأدب هو إحدى الإشارات التى تنم عن تقدير الأوساط لجهده فى خدمة الثقافة العربية، وهو الأمر ذاته الذى أهله للفوز بجائزة الملك فيصل العالمية، وفى السطور التالية يحدثنا عبد المطلب عن مسيرته وطموحاته ومفاجأة ما بعد الجائزة:

 هل أصابك شيء من الزهو أو الغرور بعد فوزك بأكبر جائزتين فى العالم العربى: الجائزة التقديرية فى الأدب من مصر، وجائزة فيصل العالمية فى الآداب من المملكة العربية السعودية؟

الحمد لله أولا وآخرا، فقد سبق أن فزت بجوائز مصرية وعربية وفرنسية من قبل ، ولم يداخلنى شيء من هذا الزهو أو الغرور، بل إن فوزى بالجائزة كان يقدم لى مؤشرين مهمين، الأول: أننى أسير فى الطريق العلمى الصحيح، وأن ما أنجزته يرضينى كما أرضى الآخرين، والمؤشر الثانى: أن الجائزة وضعت على كتفى مسئولية جديدة، هى مواصلة المسيرة، ثم العمل على إثرائها بالمزيد من البحث والدراسة اللذين بدأتهما فى بداية ثمانينيات القرن الماضى، وهى فترة وجيزة بالنسبة للمساحات الزمنية الواسعة لأبناء جيلى.

هل أنت راض عما أنجزته بعد هذه الرحلة الخصبة؟

لابد أن أوضح أمرا مهما، وهو أن هذه الجوائز التى حصلت عليها، أكدت لى أن ما أنتجته شيء استحق التقدير، وهو ما يرضينى بعض الرضا، فهذا الإنجاز أخذ ستة مسارات علمية، هى: الدراسات التى تناولت البلاغة العربية، الدراسات التى تناولت الخطاب النقدى القديم والحديث، دراسة الشعر العربى القديم والحديث، دراسات السرد الروائى والقصصى، الدراسات اللغوية، الدراسات الثقافية، وأنا الآن بصدد إصدار كتاب جديد عن شعر العامية المصرية درست فيه أكثر من خمسة وستين ديوانا من دواوين العامية، وهناك إنجاز ثقافى مهم، هو رئاستى للجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وقد أنجزت مع اللجنة ملتقى الشعر العربى الثالث والرابع، وقد وافقت د.إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة على إقامة الملتقى الخامس الذى سوف يعقد فى شهر ديسمبر القادم.

حياتى كتاب مفتوح!

ما الجانب الذى يجهله قراؤك وتلاميذك فى تجربتك الطويلة والثرية؟
الحق أن مسيرتى كتاب مفتوح ليس فيه خفايا، لكن هناك فى مسيرتى بعض الأمور التى لا يعرفها إلا القليلون، فبدايتى المبكرة لم تكن مع العلم والثقافة، بل كانت مع الفن والرياضة، فقد كنت فى بداياتى الشبابية أعشق فن الرسم وأنجزت بعض اللوحات التى فازت بجوائز صغيرة، وكان يرعانى بالمنصورة فنان الكاريكاتير الشهير ( بهجت عثمان ) رحمه الله، أما الرياضة فكنت عضوا فى فريق كرة السلة بنادى البلدية بالمنصورة، وقد ظلت الهوايتان معى عند التحاقى بالجامعة، لكن بعد التخرج وانشغالى بالعمل ضعف الاهتمام بالهوايتين، والأمر الثالث الذى أراه مهما: أننى بدأت الدخول إلى المجتمع الثقافى والأدبى فى مرحلة متأخرة فى نهاية سبعينيات القرن الماضى وكان أبناء جيلى أصبحوا نجوما لامعة فى الساحة الثقافية، وهو ما دعانى إلى بذل جهد مضاعف فى البحث والدراسة والتأليف كى ألحق بأبناء جيلى.

من وجهة نظرك: ما هى أفضل أعمالك، وما هو أهم كتبك؟

يبدو أن الإجابة هنا بديهية، فأعمالى كأبنائى كلهم متساوون عندى فى الأفضلية والأهمية، لكن يمكن تعديل السؤال إلى: أهم إنجازاتى العلمية ؟ وأعترف أن أهمها – من وجهة نظرى الخاصة ما أنجزته فى الدرس البلاغى وبخاصة كتابى ( قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجانى ) ثم كتابى الأخير (المسيرة البينية للنقد الأدبى) الذى سعيت فيه إلى تقديم الجهد العربى فى المناهج النقدية الحديثة والحداثية، بل إنى فى هذا الكتاب كشفت عن وعى عربى يفوق الوعى النقدى الوافد فى بعض الاتجاهات النقدية الحديثة مثل ( التداولية ) و( علم لغة النص ) و( النقد الثقافى ).

حكاية موسمية!

متى تنفرج أزمة النقد؟

الحق أن مقولة أزمة النقد مقولة موسمية، تتردد بين الحين والآخر، فالنقد يسير مسارا مقبولا، لكن المشكلة النقدية التى ألاحظها أن الجيل الجديد من النقاد الشباب ولم يحاولوا إكمال المهمة النقدية التى بدأها جيلى، وهى العمل على إنتاج نقد عربى يصلح للتعامل مع النص العربى بكل خصوصيته اللغوية والثقافية، فالجيل الأول من نقاد الحداثة استقدم نقد الحداثة وقدمه للقارئ تنظيريا، لكن عند الممارسة التطبيقية تبين أن النص العربى يتأبى على بعض مقاييس النقد الوافد، ومن ثم بذل هذا الجيل جهدا طيبا فى عقد مصالحة بين نقد الحداثة والنص العربى، وكان الأمل أن يكمل الجيل الجديد ما بدأه الجيل السابق، لكن الملاحظ أن هذا الجيل عاد إلى ما أنجزه الجيل السابق، أى ترديد مقولات ومقاييس النقد الوافد.

تلاميذى يكملون المسيرة

ما العمل الذى كنت تتمنى أن تكون كاتبه؟

الحمد لله ما قدمته يرضينى، وكل ما قرأته أفدت منه وقادنى إلى طريقى الصحيح ، لكن هناك كتابين لا أتوقف عن الرجوع إليهما فى كثير من ممارساتى العلمية والنقدية، هما كتاب ( دلائل الإعجاز ) لعبد القاهر الجرجانى، وكتاب (النقد الأدبى الحديث) لأستاذى الدكتور محمد غنيمى هلال.

ما العمل الذى تمنيت إنجازه ولم يتحقق ذلك حتى اليوم؟

الحق أن ما تمنيته ولم أنجزه نظرا للقدرة والوقت، قدمته لتلاميذى الذين يملأون العالم العربى لإنجازه، لأن عقيدتى هى أن الأستاذ الحق من يكون له تلاميذ يكملون المسيرة.