صور| تجار الأسماك في السويس أصدقاء للبيئة

تجار الأسماك في السويس أصدقاء للبيئة
تجار الأسماك في السويس أصدقاء للبيئة

- محمود اشترى 7 سلاحف خضراء نادرة من الصيادين وأعادها للبحر

- بدير سلم هدية أبنه لفريق "بلو تيم"

- مشاهد إعادة السلاحف للبحر جعلت المواطنين يبلغوا عن بائعي الترسة


يعتبر نشاط صيد الأسماك في السويس، والتجارة بها من أقدم الحرف التي عرفها سكان السويس، وقبل قرن من الزمان كان أهالي الشرقية ومحافظات الدلتا يحضرون للسويس ويشترون من صيادوها الأسماك.

بسبب التغيرات المناخية ونسب التلوث والسلوكيات الخاطئة للصيادين، انخفض الإنتاج السمكي تدريجيا، وبات التجار هم الأكثر تضررا بعد الصيادين من نقص الأسماك، فبدوا بالبحث عن الأسباب ومحاولة علاجها، لا سيما ما يتعلق منها بالسلسلة الغذائية والتي تكون فيها الأسماك هي الطعام لكائنات بحرية أخرى أكثر شراهة مثل قناديل البحر، والتي زادت مع تناقص أعداد السلاحف البحرية بسبب صيدها.

أول ضحية
كان محمود نجم، تاجر الأسماك يتجول كعادته في سوق أبو رمانه خلال الصيف لشراء بضاعته من الأسماك والمحار، خلال فترة وقف الصيد بخليج السويس، إلا ان مشهد اثار حفيظته واستوقفه، عندما رأى صياد يربط سلحفاة من احدى أطرافها بحبل، وهي تنزف بينما جلي ابنه الصغير على صدفتها كأنها حيوان يهر بالفرار.

"كنت حزين لحال السلحفاة، العودة بها للسويس وعلاجها ثم اطلاقها في المياه أفضل حل" يتحدث محمود نجم عن قراره، ويضيف أن السلحفاة كانت من نوع السلحفاة خضراء وهي مهددة بالانقراض، فصورها بوضعها الذي شاهدها عليه، وعرضها على صفحته بالفيس بوك ليطلب مشورة أصدقائه، فما كان منهم إلا أن شجعوه على شرائها، فكان ذلك وتشاور مع التاجر على ثمنها، اشتراها بمبلغ 800 جنيه.

استجابة
كانت تلك أول سلحفاة يطلقها محمود ليعيدها للبحر، ولم تكن الأخيرة فبعد عودته بالسلحفاة النادرة، وعلاجها بمعرفة طبيب بيطري صديق له، صور عملية إطلاق سراحها بمنطقة كورنيش السويس، ونشر الفيديو على صفحته بالفيس بوك، وانتشر الفيديو الى ان وصلت احدى المشاركات لسيدة تملك مطعم أسماك في القاهرة، فتواصلت معه وعرضت عليه تسليمه سلحفاة نادرة كانت اشترتها لعرضها بالمطعم ليطلق سراحها هي الأخرى.

وتسلم محمود الكائن البحري، وبعد رعايته عدة أيام وعرضها على طبيب بيطري أطلق سراحها في المياه ووثق ذلك وأرسله لصاحبة السلحفاة لتطمئن ان الأمانة عادت لبيتها.

منذ بداية العام الماضي وحتى يوليو الجاري، اشتري محمود 7 سلاحف من صيادين الأسماك في سوق أبو رمانه بالإسماعيلية، في أحدى المرات حصل على سلحفتين معا، كانتا وقعتها في شباك صيادين خلال أعمال الصيد بالبحيرات خاصة بمنطقة "العنبك" فالسلاحف تبحث عن الأماكن الهادئة ذات الأمواج القصيرة لتضع بيضها خلال فصل الصيف.

دماء السلاحف
ويقول محمود إن الصيادين لا يعلمون قيمة تلك السلاحف وتأثيرها على حفظ الأسماك في البيئة البحرية، وبسبب الشائعات والحكايات التي تروي عن فوائد تناول لحمها يجد الصياد لها زبون ليشتريها.

ويشير الى أنه مع بداية عمله في تجارة الأسماك كان يطلع بعض الدوريات العلمية، والأفلام وثائقية التي تركز على الكائنات البحرية، وعَلم أن السلاحف الخضراء تتغذى على قناديل البحر، والصغير منها تأكل العوالق والطحالب الموجودة في الماء والتي تضر بالشعاب المرجانية، اما القناديل فتأكل صغار أفراخ الأسماك الصغيرة.

لذلك فكلما زاد عدد السلاحف تناقصت عدد القناديل التي تتغذى على الأسماك، والعكس، فالقناديل التي تؤذي الانسان، وتتسبب في نقص المخزن السمكي تمثل الوجبة الأولى للسلاحف.

ويضيف أن أصغر سلحفاة خضراء اشتراها كان سعرها 200 جنيه، وهناك احجام يصل سعرها 8000 جنيه، ولكن نادرة ما تقع في شباك الصيادين، وتستخدم تلك الأنواع في التحنيط أو بعد ذبحها تعلق الصدفة كقطعة ديكور في المطاعم وعند تجار الأسماك.

ويتراوح سعر لحم السلحفاة بين 350 و400 جنيه، وتجد تلك البضاعة زبونها بسبب الاعتقاد بإن لحمها مقوي للجسم ويطيل العمر، أما شرب دمائها فهو مقوي جنسي حسب الخرافة السائدة عن أكل السلاحف.

جزاء صياد
قبل أسبوع أعاد محمود نجم سلحفاة أخرى، ولكن لم يشتريها، فقد حصل عليها من صياد اعتاد أن يشتري منه السلاحف، ويقول تاجر الأسماك: "أعرف ذلك الصياد واشتريت منه قبل ذلك سلحفاتان وطلبت منه ان يعيد السلاحف للمياه اذا وقعت في شباكه" يصف محمود ما دار بينه وبين الصياد، ويوضح أنه تعمد الحصول عليها بدون مقابل حتى لا يعتاد الصياد على صيد السلاحف وبيعها، بل يخرجها من الشباك وينزلها للماء".

خوفا من وقوع السلحفاة الصغيرة في يد صيادي الفُلك بالسويس، توجه محمود الى منطقة السخنة وأطلق سراح السلحفاة.

ويقول تاجر الأسماك، إن البحر الأحمر ليس موطنا للسلاحف البحرية، وانما تأتي من البحر المتوسط عبر قناة السويس، وهي تفضل شواطئ البحر المتوسط حيث الرمال البيضاء الناعمة فتضع بيضها قرب المياه وفي مناطق الجزر المرجانية.

مبادرة "بلو تيم"
في كل مرة كان محمود يطلق سلحفاة يوثق ذلك بالفيديو، والصور، كما أطلق فريق "بلو تيم" للحفاظ على البيئة البحرية، مبادرة لتوعية تجار الأسماك بحلقة الانصاري وصيادين الفُلك بمنطقة السلخانة القديمة، لتوعيتهم بخطورة صيد السلاحف على المخزون السمكي وإنها كلما قلت انخفضت كمية الأسماك.

واستجاب عدد من أصحاب مطاعم الأسماك في السويس والسخنة، فأعادوا سلاحف خضراء الى بيئتها، ونقلوها من أحواض كبيرة أعدوها لعرضها في مداخل محالهم لجذب الزبائن.

دفعت المبادرة وفيديوهات التي نشرها فريق "بلو تيم"، مرسي بدير وكيل -مراكب صيد، إلى تسليم أحد أعضاء الفريق سلحفاة، أهداها صياد صديقه لأبنه الصغير.

هديه محمود
ويروي مرسي بدير أن أحد الصيادين كان عاد من رحلة صيد واتصل به وأخبره ان لديه هديه لابنه الصغير محمود، ويضيف وكيل مراكب الصيد، أن صديقه قدم له سلحفاة صغيرة، وبعد فحصها علم انها من نوع الترسة الخضراء، وأشار الى انه تواصل مع هشام سمير عضو فريق بلو تيم والذي تسلم منه السلحفاة واعادها للبحر من خلال شاطئ الكشافة البحرية.

ويقول هشام سمير، إن حملات التوعية بالتعاون مع فرع شئون البيئة، آتت ثمارها لا سيما تفاعل المواطنين مع المشاهد المصورة لإطلاق السلاحف، ومعرفة قيمتها ما جعلهم حريصين عليها.

وذكر أن بعض المواطنين شاهدوا سلحفاة لدى بائع أسماك متجول بحي الأربعين، وعندما حدثوه عن خطر صيدها وضرورة اطلاقها في البحر رفض الاستجابة فأبلغوا فرع شئون البيئة، وحضر موظفي الفرع وسحبوا منه السلحفاة التي سلمها طواعية خوفا من تحرير محضر وتعرضه للمساءلة القانونية.

كما أعاد صياد يعمل بصيد الكابوريا والمحار، سلحفاة الى البحر بعد الحديث معه عندما شاهدوه يعرضها على تجار الأسماك.

المنع من المنبع
ويؤكد هشام إن الحل لحماية السلاحف منعها من المنبع، واستمرار توعية الصيادين بخطورة صيدها، وتأثير ذلك عيلهم على المدى البعيد، إذا قلت الأسماك، وضرورة إعادة أي سلحفاة تقع في الشباك مهما كان حجمها.

وفي السياق أوضحت انتصار حجازي مدير التوعية البيئية بفرع جهاز شئون البيئة في السويس، أن دورة الحياة في الكائنات البحرية تعتمد على وجود كائن بحري يتغذى على كائن آخر، وإذا استمرت دورة الحياة دون تدخل الإنسان فلن يحدث خلل، لكن في حالة تناقص أعداد حيوان بحري بعينه أو نوع معين من الأسماك فإن ذلك يحدث خلل يؤثر على بقية الحيوانات في دورة الحياة.

وتضيف مدير التوعية، أن تناقص حيوان بحري كالسلحفاة، فهو يعني زيادة قناديل البحر التي تتغذى عليها السلاحف، وهذا يفسر زيادة اعداد القناديل ومهاجمة المصطافين خلال الأعوام الماضية، فضلا عن تناقص اعداد الأسماك، لان القناديل تتغذى على أفراخ الأسماك التي تكاد تخرج من البيض.

وقالت "حجازي" إن الدراسات كشفت أن صيد السلاحف والتلوث البحري، هما أكبر عدوين لذلك الكائن البحري، وفسرت قائلة: "الاختلاف بين جسم القنديل الرخوي وأكياس البلاستيك لا تدركه السلاحف لذلك تأكل الاكياس التي يتركها المصطافين ورائهم ظنا انها قناديل فتختنق وتموت".

وأكدت أنه لابد من توعية المصطافين بالتوازي مع حملات توعية الصيادين وتجار الأسماك، وتأثير السلوكيات الخاطئة على كائن بحري هام يتسبب نقصه في خسارة في الثروة السمكية.