إذاعة الأغاني بين النرجسية ووهم التطوير

إذاعة الأغاني بين النرجسية ووهم التطوير
إذاعة الأغاني بين النرجسية ووهم التطوير

«هدم كل نجاح».. عادة فرعونية أصيلة، عندما يتولى الفرعون الجديد مقاليد الحكم، يسرع إلى محو الجدران التي كتب عليها أمجاد وبطولات السابقين له، وكما فعل الآباء، يعيش على نفس الدرب الموظف المصري الأصيل، معتقدا أنه يقوم بالتطوير والتجديد، وفي الحقيقة هو يهدم ما بناه السابقون بنرجسية شديدة. 

 

وما دفعني إلى كتابة هذه السطور، صرخة الغضب التي أطلقها العاملون في إذاعة الأغاني، بعدما قام الإذاعي «شريف عباس» رئيسها الجديد خلفا للإذاعية سونيا محمود، بزيادة جرعة البرامج الحوارية على المحطة، متجاهلا الهدف الرئيسي من إنشاء هذه المحطة، وهو عودة بث الأعمال الفنية الراقية على مسامع المتابعين، ونشر ثقافة الطرب الأصيل، والعودة إلى مدلول الكلمة الراقية الذي اختفي مع الأيام وسيطرت الأعمال الهابطة والألفاظ السوقية في الآونة الأخيرة على الأغنية ومن ثم على الشارع المصري.

 

ولا يوجد أجمل ولا أسهل من تغيير المصطلحات والكلمات إلا عبر الأغنية التي يعشقها المستمع ويرددها بسهولة، وهو ما دفع المسئولين إلى إنشاء وتأسيس راديو النيل، الذي نجح صانعيه في عودة واجتذاب المستمع إلى الراديو مرة أخرى.    

 

ولتأسيس راديو النيل قصة طريفة لزم علينا قصها ليعلم القاصي والداني مقدار الصعاب التي يتكبدها المسئولين على مقاليد الأمور للفوز بنجاح في زمن الصعاب، وتبدأ القصة عندما طلب الوليد بن طلال تردد لإذاعة أغاني روتانا، ووجد المسئولون فرصة للنيل بتجديد روح الإذاعة، وفي ذات الوقت يشوب الأمر حساسية كبيرة، لم يبد المسئولون رفضهم، لكنهم أشاروا على الوليد إقامة شركة تضع أغاني روتانا ومطربيها من اللبنانيين على تردداتنا، ولكن بأيدي مصرية، بمعنى نبث الأغاني على أن نمنحهم استوديو، ويقوم الوليد بتجهيزه كيفما يشاء، وهكذا تم تأسيس الشركة على أن تكون الأنصبة مقسمة كالتالي: شركة الوليد 40% والتلفزيون المصري 30% وشركة الصوت القاهرة 30%.

 

وبالفعل تم التعاقد على هذا النحو وكانت قناة ميجا، ولم يتوقف التطوير عند هذا النحو، بل امتد ليوقف المجهود الضائع بين الإذاعة والتلفزيون وشركة صوت القاهرة وبين محسن جابر والقضايا الممتدة بينهم لأكثر من 15 عاما، وتم منح «جابر» ترددات ليبث الأعمال المصرية الأصيلة للمطربين التي بحوزته، وهكذا توقف نزيف الدم بين الطريفين واستفاد المستمع المصري في النهاية بعدما أنشئت محطة «نغم».


 وتولدت فكرة لمحطة ثالثة شبابية وهي محطة «هيتس»، تبث مزيجًا من الأغاني العربية والإنجليزية، على مدار 24 ساعة، داخل مصر وإضافة جديدة لإذاعات راديو النيل بالتعاون مع جمال مروان.

 

وهكذا تم تجديد شباب الإذاعة المصرية بإذاعات «هيتس»، و«ميجا»، و«نغم»، وكانت الخطة الموضوعة أن تكون محطة للطرب المصري الأصيل، وميجا اللبنانيين التابعين للوليد بن طلال، وقناة الأغاني للإذاعة المصرية تركت كما هي. 

 

وعاد المستمع مرة أخرى إلى الإذاعة المصرية يبحث بين المحطات على الأغاني الطربية التي حرم منها، وبكل بساطة يطل علينا الإذاعي «شريف عباس» ليمحو كل هذا التاريخ ويعود بنا إلى الخلف ويقدم في تلك المحطات برامج حوارية لا ينشدها المستمع. ولم تكن من أهداف المحطة عند تأسيسها، لماذا لا نكمل بعضنا البعض.. ليصبح لدينا إنجازات تراكمية بدلا من هدم كل منا للآخر.