العالم السري للأقزام| 120 ألفا تحت 135 سم.. وخبير يحذر من الشوكولاتة والبسكويت والحلوى

صورة توضيحية
صورة توضيحية

- تأخر النمو الجنسي وخطر فقدان السمع وانثناء الركبتين وانحناء العمود الفقري.. أهم المضاعفات

- «الباسل» يكشف أسباب وأعراض التقزم.. والحقن والجراحات لزيادة الطول  

- لدينا ثلث أقزام العالم.. و30% من الأطفال مصابون.. والقليوبية المرتبة الأولى

- «إيمان»: تقديم نماذج مشرفة ووقف السخرية بالإعلام.. أهم طرق الدمج

- دراسة أمريكية: تناول الطفل بيضة يوميا تحميه من التقزم.. وهذه مكاسبهم بالقانون

 

أن يكون طولك أقل من 135 سم، فأنت في تعداد الأقزام في مصر؛ بما يعنيه ذلك من معاناة لا تنتهي، وألم نفسي، ونظرة سلبية «ساخرة» من المجتمع، لكننا لا ننكر أن ثمة نجاحات تحققت على أرض الواقع لفئة الأقزام، ولعل أبرزها ضمهم في قانون ذوي الاحتياجات الخاصة وما ترتب عليه من حقوق كثيرة، بل وبدأت الدولة تولي عناية خاصة لمكافحة مرض التقزم بين الأطفال باطلاق المبادرة الرئاسية للكشف عن المرض لطلاب المرحلة الابتدائية.

 

ووفقا لجمعية ونقابة الأقزام، فإن عددهم في مصر 120 ألفا، وتستحوذ مصر على ثلث العالم من الأقزام، كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» أن مصر تعاني من مشكلة مزمنة في سوء التغذية لدى الأطفال دون الخامسة، ما أصاب 30% من الأطفال بمرض التقزم.

 

وتحتل محافظة القليوبية المركز الأول على مستوى الجمهورية فى الإصابة بالمرض بنسبة 65%، بسبب سوء التغذية، ما دعا المحافظة لتوقيع بروتوكول تعاون بين مركز البحوث ومؤسسة مصر الخير لتصنيع وجبات «بسكويت» تقدم للأطفال من سن عامين حتى 3 أعوام لعلاج هذا المرض.

 

في سياق هذا كله، تناقش «بوابة أخبار اليوم» مع الأطباء أسباب مرض التقزم، ومضاعفاته، وعلاجه، ومظاهر مرض التقزم والكشف المبكر له، وتأثير سوء التغذية على الأمهات والأطفال، وتأثير التقزم على التحصيل الدراسي، وطرق الوقاية منه، كما نتناول نظرة المجتمع السلبية لهم وطرق دمجهم بالمجتمع، والمكاسب التي تحققت لهم في القانون الجديد، ومبادرة الرئيس للكشف عن التقزم.

 

مبادرة الكشف عن التقزم

 

انطلقت منذ أيام، الحملة الرئاسية للكشف عن أمراض الأنيميا والسمنة والتقزم لطلاب المرحلة الابتدائية، ضمن حملة 100 مليون صحة، في 27 محافظة، وبواقع 225 عيادة تقدم الخدمات العلاجية للطلاب مستهدفة 11.9 مليون طالب في 22 ألف مدرسة، وينفذها 4420 فريق طبي يقدمون العلاج بالمجان.

 

ما هو التقزم؟

 

في البداية يقول الدكتور حمدي الباسل، الأستاذ بالمعهد القومي للتغذية، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، إن التقزم هو قصر القامة الناتج عن اختلال جيني، أو حالة طبية، ويعتبر الشخص البالغ قزما إذا كان طوله أقل من 135سم، فيما يبلغ متوسط المصابين بالقزامة 122 سم تقريبا.

 

أعراض التقزم

 

وتابع د. «الباسل»، حديثه قائلا: «هناك أكثر من مائتي سببا يؤدى إلى حدوث القزامة عند الأطفال، ولذا فإن الأعراض تختلف اختلافاً كبيراً باختلاف السبب، ويمكن تصنيف القزامة إلى نوعيين رئيسيين هما:

 

القزامة المتناسقة: وفيها يكون حجم الجسم بكامله أصغر من الطبيعي، فيبدو الجسم متناسقاً بالنسبة لأجزائه فقط، ويكون معدل نمو الشخص أبطأ بكثير من المعتاد، وتتأخر نمو الصفات الجنسية.

 

وأوضح أن السبب الأكثر شيوعا للقزامة المتناسقة هو الولادة من أبوين قصيرين بالوراثة، لكنه قد يحدث أحيانا نتيجة عدم إفراز الجسم لهرمون النمو بشكل كاف والذى قد يكون ذلك بسبب مشاكل فى الغدة النخامية، كما قد تسببه أيضا الإصابة ببعض المتلازمات الجينية كمتلازمة "تيرنر، وبرادر ويلى".

 

وأشار الأستاذ بالمعهد القومي للتغذية، إلى أنه فى الغالب لا يعاني المتقزمون من هذا النوع من أي أعراض بخلاف قصر القامة.

 

أما القزامة غير المتناسقة: وفيها تكون بعض أجزاء الجسم أصغر من المعتاد بينما بعضها الآخر متوسط الحجم أو طبيعي، مما يمنع النمو الطبيعي للعظام، وفي الغالب يكون حجم الجسم في هذا النوع طبيعيا إلا أن الأطراف أقصر من الطول المفترض.

 

وذكر أنه من النادر أن تسبب حالة التقزم هذه تأخراً عقلياً أو مشاكل في الحركة أو تشوهات خلقية كتشوهات مفصل الفخذ وإنحناء الركبتين أو العمود الفقري.

 

أسباب التقزم

 

واستطرد د. حمدي الباسل، أن هناك أسبابا عديدة للتقزم ولعل من أهمها: الودانة أو عجز النمو الغضروفي أو نقص تعظم الكراديس؛ وهو مرض وراثى للهيكل العظمي، وهو الشكل الأكثر تميزا وشيوعا من القزامة في البشر، وهو يمثل 70٪ من حالات التقزم، ويبلغ متوسط طول الأشخاص المصابون بالودانة 131 سم في الذكور و14سم فى الإناث.

 

ولفت إلى أن متوسط حدوث مرض الودانة في جميع أنحاء العالم هو حالة من كل  25 ألف حالة من المواليد الأحياء، ومرض الودانة هو مرض وراثي ينتقل كصفة جسدية سائدة تظهر بسبب حدوث خلل أو طفرة جينية فى جين FGFR3 الذي ينتج مستقبلات تكبح نمو الغضروف.

 

وأضاف الأستاذ بالمعهد القومي للتغذية، أن السبب الثاني هو نقص هرمون النمو، وهو حالة طبية يحدث فيها أن ينتج الجسم هرمون النمو بكمية غير كافية نتيجة خلل فى نشاط الغدة النخامية، وهذا الهرمون يحفز نمو وتكاثر الخلايا لذلك إذا كان هذا الهرمون يُنتج بكمية قليلة، أو توقف قد يتوقف النمو بشكل واضح، والأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب يحدث لهم النمو ببطء وقد يتأخر البلوغ لعدة سنوات.

 

وأوضح أن هناك سببا آخر هو متلازمة تيرنر؛ حيث يحدث فقد لأحد كروموسومات إكس في التركيب الجيني للفتاة، كما أن هناك أسباب تتعلق بالأمراض طويلة الأمد مثل أمراض القلب أو الرئيتين أو الكليتين.

 

وأكد د. حمدي الباسل، أن سوء التغذية عالميا، يعاني منه 165 مليون طفل دون سن الخامسة، ولقد أثبتت العديد من الدراسات أن سوء التغذية هو من أحد الأسباب لتوقف النمو عند الأطفال وهو ما يعرف بقصر القامة الناتج عن سوء التغذية، كذلك أثبتت العديد من الدراسات أيضا أن سوء التغذية له علاقة بالجينات وهو ما يعرف بـNutrigenomics، وربما يسبب انخفاض لمتوسط الطول في المجتمعات التى تعاني من سوء التغذية، وهذا النوع ينتج عنه مشاكل صحية وذهنية جمة تؤثر أيضا على مدى تحصيلهم الدراسى وهذا يظهر جليا فى معظم الدول النامية.

 

وأردف: «لقد أظهرت دراسة أجريت فى مصر شملت المناطق الحضرية والريفية وكانت نتيجة الدراسة أن حوالى 24% من الأطفال فى مصر قد يعانون من التقزم الناشىء عن سوء التغذية وقد أثبتت الدراسة أن سوء التغذية ليس سببه فقط ندرة الغذاء ولكن المشكلة قد تكمن في نوعية الغذاء الذي تتناوله الأسرة».

 

تابع: «وجدت الدراسة أن الأطفال الذين تم تغذيتهم على الشوكولاته والبسكويت والحلوى بكثرة، كانوا أكثر عرضة من غيرهم لسوء التغذية والتقزم؛ في المقابل وجدت الدراسة أن الأطفال الذين تمت تغذيتهم بالفواكه والخضراوات كانوا أقل عرضة للإصابة بسوء التغذية».

 

وشدد الأستاذ بالمعهد القومي للتغذية، على أن سوء التغذية للأمهات أثناء فترة الحمل تؤدي إلى إنجاب مولود صغير الحجم يعاني من مشكلة قصر القامة فيما بعد.

 

مضاعفات التقزّم

 

وأكد د. حمدي الباسل، أنه تتنوع المضاعفات تنوعاً كبيراً، ولكن عدداً منها يغلب وجوده في معظم الحالات مثل: تأخر النمو العضلي، والتهابات الأذن الوسطى المتكررة، وخطر فقدان السمع، وانثناء الركبتين، وانضغاط العمود الفقري عند قاعدة الجمجمة، وازدياد كمية السائل الشوكي في الدماغ، وانحناءات العمود الفقري.

 

تشخيص التقزم عند الأطفال

 

وأوضح الأستاذ بالمعهد القومي للتغذية، أنه يتم تشخيص الحالة عن طريق أخذ القياسات اللازمة كالطول والوزن ومحيط الرأس ومقارنتها بالنسب المفترضة بالنسبة للعمر، كذلك يتم إجراء تحليل لقياس نسبة هرمونات النمو، والقيام ببعض الفحوصات الجينية لمعرفة خارطة الجينات والبصمة الجينية (الجينوم البشرى) الذى من خلاله يتم تحديد المبنى الأساسى لجينات الشخص.

 

طرق العلاج

 

ولفت د. «الباسل»، إلى أنه لا يوجد علاج واحد للتقزم، ولكن يجب أن يتم هذا العلاج قبل اكتمال نمو عظام الطفل، وهناك العلاج الجراحي؛ ويقوم فيه الجراح بعمليات مختلفة تهدف في مجملها إلى إطالة الطرف القصير بضع سنتيمترات ليقارب الطول الطبيعي قدر الإمكان.

 

أما العلاج الغذائي والدوائي؛ فيمكن علاج التقزم الناتج عن سوء التغذية عن طريق التوعية بمكونات الغذاء الصحي لوقاية الأجيال القادمة من أزمة التقزم، وانهيار القدرات الصحية لهم.

 

كذلك يمكن علاج التقزم الناتج عن خلل هرمونات النمو عن طريق حقن الأطفال فى سن مبكرة بهرمون النمو البشرى تحت إشراف طبي.

 

واختتم د. «الباسل»، أن علاج التقزم الناتج عن الخلل الجينى (الودانة) يبقى تحت الدراسة، حيث بدأت الدراسة فى مايو 2014 على يد عالمة البيولوجيا الجزيئية إلفير غوس ElvireGouze في معهد البيولوجيا فالروس Institut de biologieValrose في نيس وكانت التجارب الأولى على الفئران المريضة المصابة بالودانة والفئران السوية وكان العلاج يعتمد على حقن الفئران المريضة بنوع بروتين تم تصنيعه فى المختبر، وهذا البروتين  يمنع الخلل لجين FGFR3 وبعد 6 حقن تحت الجلد لمدة ثلاثة أسابيع بعد الولادة، واصلت صغار الفئران نموها بشكل طبيعي لدرجة أنها لم يكن الاستطاعة التميز بين الفئران المصابة بالودانة والفئران السوية ودون أي آثار جانبية على الأعضاء، والتكاثر، والدم.

 

ثم جري تطوير البروتين ليتم إنتاجه وفق معايير محسوبة من قبل مختبرات متخصصة ومعتمدة في تطوير الأدوية حتى يكون علاج للبشر وما زال هذا العلاج تحت الدراسة.

 

بيضة يوميا لوقاية الطفل

 

وكشفت دراسة علمية حديثة في جامعة واشنطن في سانت لويس، أن تناول الأطفال بيضة كل يوم يساعدهم على النمو الصحى، ويمنع الأمراض المرتبطة بسوء التغذية، ومنها التقزم أو نقص الوزن، أما بالنسبة للمصابين بالتقزم بسبب نقص هرمون النمو، فقد يعمل الحقن بالهرمون على زيادة طولهم، وقد يستمر العلاج بهذه الطريقة فترة طويلة "طوال المراهقة وحتى البلوغ"، وقد يحتاج البعض منهم للعلاج مدى الحياة، وهناك أيضا جراحات إطالة القامة، وهذه الطرق تعطى نحو 9 سنتيمترات فى كل مرحلة، وبالتالى فلو كان المريض مثلا يريد زيادة الطول 30 سنتيمترا فهذا يحتاج إلى 4 جراحات يكون بين كل منها عامين.

 

الدمج وتغيير نظرة المجتمع

 

من جانبها، تؤكد الدكتورة إيمان عبدالله، استشاري علم النفس والعلاج الآسري، أن الأقزام فئة خلقها الله – سبحانه وتعالى – وليس لها أي ذنب في القصر أو الإعاقة، وجميع الأسر معرضة لأن يوجد بها أقزام، أو أي شخص كان معرضا لأن يخلقه الله مثلهم، مشيدة بمبادرة الرئيس السيسي واهتمامه باطلاق مبادرة الكشف المبكر عن التقزم بالمدرس ودمجهم في المجتمع وعلاجهم.

 

وتابعت حديثها، أن الأقزام منذ فترة ينظمون مؤتمرات لمناشدة المجتمع لتغيير النظرة إليهم، موضحة أن هؤلاء لديهم طاقات كبيرة وقدرة على الإبداع والابتكار ويفوزون بميداليات عالمية.

 

وأشارت د. «إيمان»، إلى أن الأقزام لديهم حقوق في المجتمع ولا يجب تهميشهم أو التسبب بألم نفسي لهم، بل يجب الاهتمام بهم من أجل تحقيق التنمية المستدامة في مصر، مطالبة بترجمة واقعية لحقوقهم على الأرض من خلال تمكينهم من وظائف كأطباء ومحامون ومهندسون ومدرسون ومسئولون ونواب بالبرلمان وفنانون كما يحدث في الدولة الأجنبية، وتحقيق الدمج من خلال إظهارهم في الدراما في نماذج مشرفة كما يتكرر في الأفلام الأجنبية.

 

وشددت استشاري علم النفس والعلاج الآسري، على دور الإعلام في توعية المجتمع بحسن التعامل معهم وتغيير النظرة لهم والتعريف بقدراتهم الإبداعية والبدنية والعقلية واستغلالها بالشكل الأمثل والتخلي عن تقديمهم بشكل ساخر.

 

واستطردت أن الأقزام إذا كانوا حُرموا من طول القامة فإن الله عوضهم بالفكر والتحدي، والله يوزع القدرات على الناس بالتساوي، ويؤدون عملهم على أكمل وجه، مؤكدة على ضرورة توعية أطفالنا لدمج الأقزام معهم وتعليمهم عدم السخرية من قصار القامة من خلال الآيات القرآنية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ" وتعليمهم الإحساس بالآخر والتعاطف، مستشهدة باهتمام الفراعنة بفئة الأقزام وارتباط أحدهم بسيدة من القصر آنذاك، مطالبة بتوفير منح دراسية لهم والرعاية الصحية اللازمة، وإطلاق مصطلح «أصحاب الهمم» عليهم.  

             

مكاسب الأقزام في القانون

 

صدر القانون رقم 10 لسنة 2018 الخاص بحقوق الأشخاص ذوى القدرات الخاصة، والذي  ضم لأول مرة الأقزام، وشمل عدة مكاسب أهمها؛ الحق في معاش الضمان الاجتماعى؛ ومنح غير القادرين والمستوفين الشروط الحق في الحصول على مسكن ملائم من المساكن التي تنشئها الدولة بنسبة لا تقل عن 5%، والجمع بين المعاش والراتب؛ والحق فى التدريب والتأهيل؛ والرعاية الصحية؛ بإصدار بطاقة تثبت إعاقتهم، وتجدد كل 7 سنوات.

 

كما شملت الحقوق؛ الوقاية من الإعاقة؛ بإلزام وزارة الصحة والسكان بوضع وتحديث برامج الكشف المبكر لكل أنواع الخلل والإعاقة وسبل الوقاية والحد من حدوثهما، والحق فى التعليم؛ والدمج فى المدارس والجامعات، وسهولة التنقل؛ بإلزام الوزارات المختصة بتيسير انتقالهم وتخفيض بنسبة 50% قيمة التذكرة للشخص ذى الإعاقة ومساعده، والإعفاء من الضرائب.