العدسات اللاصقة «تسبب العمى».. والرقابة تائهة بين «الصحة» و«حماية المستهلك»

العدسات اللاصقة - صورة مجمعة
العدسات اللاصقة - صورة مجمعة

- «حماية المستهلك»: دورنا مساعد لـ«الصحة».. والوزارة تملك المعامل لتحديد أضرار العدسات

- «الصحة»: أصدرنا قرارا بحظر تداولها دون إشراف الطبيب.. والرقابة على المحلات ليست مسئوليتنا

- أطباء: تسبب العمى والتهاب القرنية وتنقل عدوى فيروس سي والإيدز.. وهذه طرق الاستخدام السليم

- أسعار العدسات مجهولة المصدر من 40 جنيها.. وتأتي مهربة بمدة صلاحية 3 شهور فقط 

 

اعتادت هبة محمود، ابنة الـ24 عاما، من القاهرة، أن تذهب إلى أحد محلات الكوافير قبل أي حفل زفاف يحل على عائلتها لاستئجار عدسات لاصقة «لينسز» تظهر لون العيون جذابا، لكن هذه المرة كادت أن تفقد بصرها ولازالت تتلقى علاجا عند طبيب عيون من التهابات القرنية واحمرار العينين، إذ شعرت أثناء ارتدائها بصداع شديد ودموع متواصلة للعينين.

وعندما عادت للمنزل، كان التأثير السيء للعدسات قد زاد ما اضطرها للذهاب باكرا لطبيب عيون حذرها من ارتداء العدسات الصينية المتوافرة بمحلات الكوافير والنظارات وعلى الأرصفة.

حالة «هبة»، لم تكن الأولى فقد اشتكت لنا حالات كثيرة من الأضرار السلبية للعدسات اللاصقة التجميلية مجهولة المصدر، والتي يتم شرائها أو استئجارها دون إشراف الطبيب، إذ ذكرت صحيفة «هيلث داى نيوز» الطبية الأمريكية، أن دراسة جديدة كشفت عن ما يقرب من 38 مليون أمريكي يعانون من التهابات القرنية بسبب استخدام العدسات اللاصقة.

ووجدت الدراسة أن التهابات القرنية من الممكن أن تسبب العمى في نهاية المطاف إن لم يتم علاجها جيدًا، ويقول الباحثون إن استخدام الطرق الصحية في التعامل مع العدسات اللاصقة يمكن أن تقلل كثيرا من احتمالات الإصابة بالعدوى.   

وقال «صامويل بيرس» رئيس الرابطة الأمريكية لعلم البصريات، إنه قد تبدو العدسات اللاصقة المزخرفة كأنها زينة مرحة، لكنها تحتاج لفحص العين من طبيب البصريات ويتم تركيبها بشكل صحيح، مشددا على ضرورة التوقف عن شراء العدسات غير القانونية التى تباع عن طريق الإنترنت وفي محلات الملابس.

البيع على الإنترنت والأرصفة والكوافير

خلال جولتنا لاكتشاف سوق العدسات اللاصقة التجميلية مجهولة المصدر، وجدنا أن سعرها يتراوح من 40 جنيها وحتى 150 جنيها وغالبا ما تأتي من الصين والهند عبر تهريبها من الجمارك والموانئ، بالإضافة للمحلول المعقم لها والذي لا يزيد سعره عن 20 جنيها، في حين أنه يبلغ سعر العدسات التجميلية ذات المصادر الموثوقة 500 جنيها وأكثر والمحلول يصل لـ200 جنيها، وعادة ما تكون مستوردة من دول أوربية ومصرح من وزارة الصحة باستيرادها بمواصفات واجراءات سليمة.

البداية من الإنترنت وعلى صفحات «الفيسبوك» تجد إعلانات عن العدسات ماركة «لاريف»  و«بيلا» وسعرها 150 جنيها، ويوجد عروض لمن يشتري كمية أكبر بأسعار مخفضة وخصومات!.  

وعلى مواقع التسويق تجد عدسات صينية لمن يريد الشراء بسعر الجملة والشحن إلى مصر وسعر زوج العدسات لا يكاد يتجاوز 2 دولار أي 36 جنيها مصريا!.

وفي محلات «2.5» الشهيرة، ومحلات مستحضرات التجميل تتوافر العدسات حسب ألوانها وماركاتها ويتم شرائها دون إشراف طبي، وبأسعار زهيدة أيضا.

وبسؤال الباعة والبحث، وجدنا أن سوق الجملة الخاص بالعدسات التجميلية في «حارة اليهود» حيث منطقة العتبة بوسط البلد، إذ يفترش بها الباعة الأرصفة، ويبيعون بالجملة لمحلات الكوافير ومستحضرات التجميل ومحلات النظارات بأسعار تبدأ من 30 جنيها وحتى 100 جنيها وبألوان وماركات مختلفة، وبسؤالهم عن الماركات ذات الجودة المضمونة أجاب أحدهم أن زوج العدسات منها يصل لـ600 جنيها.

المخاطر الصحية للعدسات التجميلية

من جانبها، وصفت الدكتورة ماريان جرجس، أخصائي طب وجراحة العيون، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، أى عدسة مجهولة المصدر ودون إشراف طبى هى قنبلة موقوتة داخل العين، فالعدسات التي تباع في المحال التجارية والمولات ومحال النظارات هي عدسات مستوردة ولا نعرف مكان تصنيعها وفى الأغلب سعرها رخيص لأنها بهدف استخدام مرة واحدة؛ ولكنها تُباع على أن استخدامها قد يطول شهورا.

وتابعت حديثها قائلة: «تلك العدسات مجهولة المصدر هي سبب رئيسي لإصابة القرنية بقرح فطرية، خاصة مع غياب الإرشادات الطبية، وتعتبر القرح الفطرية أصعب أنواع القرح لغياب القطرات المضادة للفطريات وعدم توافرها، وقد تترك أثرا أو سحابة في القرنية مما تلزم المريض بإجراء عملية ترقيع قرنية، وهي أيضا من العمليات ضخمة التكلفة لاستيراد رقعة قرنية متوفى من الخارج».

وحذرت د. «ماريان» من تناقل عدوى فيروس سى والإيدز والالتهاب الميكروبي إثر تناقل العدسة من سيدة لأخرى، مؤكدة أن الحل الأفضل هو شراء العدسات من مكان طبي حتى وإن كانت تجميلية لأن الطبيب يدرك تمامًا الأنواع المناسبة لكل مريض، والإرشادات المناسبة لاستخدامها مثل عدم تعرض العدسات للمياه، وكيفية وضع المكياج خارج العين دون الإضرار بالعين.

واتفق معها الدكتور محمود زين العابدين، أخصائي العيون بالمركز القومي للعيون، أن استخدام العدسات اللاصقة الطبية أو الملونة قد تزايد وبات أمرا واقعا ، خاصة من الفتيات لما لها من منظر جمالي رائع ورفضا لاستخدام النظارات، مع الخوف من عمليات تصحيح الإبصار موضحا أن هذا الاستخدام معترف به علميا وطبيا، وموجود على نطاق واسع في جميع دول العالم، والمشكلة تكمن فقط في الاستخدام السيء والاختيار الخاطئ.

ولفت إلى أن العدسات اللاصقة تنقسم لعدة أنواع منها الطبية كالعدسات اللينة والصلبة والليلية، والعدسات التجميلية التي تغير لون العين وتمنحها بريقا ولمعانا، مشددا على مراعاة الشروط عند استخدامها مثل عدم استخدام العدسات الرخيصة والرديئة كعدسات الكوافير والتي تباع في الشوارع دون أي معايير جودة، واستشارة الطبيب لمعرفة النوع الأنسب للعين، وعدم استخدام العدسة بعد انتهاء صلاحيتها.

وحذر د. «زين العابدين»، من استخدام عدسات الغير  خوفا من نقل العدوى، واستخدام المحلول المخصص للعدسة، ويمنع منعا باتا استخدام الماء العادي أو محلول الملح، وعدم النوم بالعدسة أو السباحة بها، مع مراعاة المدة المناسبة للاستخدام والتي غالبا لا تتجاوز 8 ساعات يوميا.

وتابع حديثه لـ«بوابة أخبار اليوم» قائلا: «لا يمكن أبدا الاستهانة بأضرار العدسات اللاصقة الرخيصة فقد تؤدي إلى التهاب العين خاصة مع الميكروبات العنيفة التي تكون "خراج" بالقرنية ومن الممكن تؤدي للإصابة بالعمي، والرؤية المشوشة، وإصابة العين أثناء التركيب والخلع، وجفاف العين، والتهاب الملتحمة والجفون».

وأوضح أخصائي العيون بالمركز القومي للعيون، أنه في حالة وجود أي من هذه الأمراض يمنع ارتداء العدسات ولو مؤقتا لتجنب المضاعفات الخطيرة، لافتا إلى أنه يمكن استخدام المكياج مع العدسات اللاصقة، فرغم أن المواد الكيميائية في مستحضرات التجميل تسبب مشاكل في حالة دخولها للعين؛ الإ أنه يمكن تفادي ذلك بالتنظيف الجيد للعين والبشرة، ووضع العدسة اللاصقة أولا وإزالتها قبل إزاله المكياج، واستخدام المستحضرات التجميلية الثابتة على البشرة والماسكرا غير القابلة للتقشير، واستخدام مساحيق الكحل أفضل من الأقلام لتفادي خدوش القرنية.

وذكر د. «زين العابدين»، أنه من الناحية التجميلية يفضل أن تتوافق لون العدسة مع لون المكياج، وعلى من يرتدي العدسات اللاصقة يجب خلعها وطلب الاستشارة الطبية عند الشعور بوجود أي جسم غريب بالعين، وإحمرار العين، والرؤية المشوشة، وحساسية مفرطة للضوء، والحرقان والدموع.

«الصحة»: لسنا مسئولون عن الرقابة

من جانبها، أعلنت وزارة الصحة أنها أصدرت قرارا بمنع تداول وبيع العدسات إلا من خلال مراكز ومستشفيات العيون وتحت إشراف الطبيب المسؤول بالمركز أو المستشفى، ومسئوليتها تقتصر على الرقابة على العدسات التي تباع داخل المراكز والعيادات الصحية، أما ما يباع على الأرصفة وبمحلات الكوافير والنظارات، فلا يقع في نطاق اختصاصها وإنما مسئولية جهاز حماية المستهلك ومباحث التموين، محذرة من شراء أي عدسات مجهولة المصدر ودون إشراف الطبيب.

«حماية المستهلك»: المسئولية مشتركة

وأكدت سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعي للجمعيات الأهلية وعضو مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك بوزارة التموين والتجارة الداخلية، أن الرقابة على الأسواق والمحلات التي تبيع العدسات اللاصقة مجهولة المصدر مسئولية مشتركة مع وزارة الصحة ومباحث التموين، وليست دور جهاز حماية المستهلك وحده، مشددة على أن وزارة الصحة عليها مسئولية كبيرة في هذا الصدد لأنها تملك الفنيين والخبراء والمختصين والمعامل، وهم يستطيعون تحديد جودة العدسات طبيا وأضرارها على العين.

وتابعت «الديب» في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، أنه "لا يصح أن تلقي كل جهة في الدولة المسئولية على الأجهزة الأخرى، مطالبة بالتوعية من خطورة استخدام العدسات مجهولة المصدر ورفع العقوبة القانونية على بيعها، ولابد من انضباط جميع أجهزة الدولة الرقابية، مؤكدة أن ما يباع على الرصيف ليس دور جهاز حماية المستهلك إنما دور المباحث والأمن".

وأضافت: "جهاز حماية المستهلك يتحرك في حال ورود شكوى للجهاز بمخالفة ما، ولا نستطيع دخول محلات للتفتيش لأنها تتطلب وجود فني متخصص في العدسات وهو متوافر في وزارة الصحة ونحتاج للتنسيق معها في الحملات فمسئولية الرقابة عليها أيضا، ونركز على توعية المستهلك بعدم شراء تلك المنتجات مجهولة المصدر".

وأكملت: "يتحرك جهاز حماية المستهلك عند ورود شكوى مدعمة بفاتورة مثلا ومكان معلوم، ويقوم الجهاز بتحرير محضر للتاجر، ودورنا في الأمور الفنية كالعدسات اللاصقة مجهولة المصدر هو المتابعة والمساعدة للوزارات المعنية التي لديها فنيون وهم لديهم حق الضبطية القضائية".

وطالبت بصدور قرار بمنع تداولها خارج الإشراف الطبي، وضبط الكميات المهربة من الجمارك بالتنسيق بين وزارة الصحة ومباحث التموين.

شعبة المستلزمات الطبية: عدسات الأرصفة مهربة

أما هاني زعزع، سكرتير شعبة المستلزمات الطبية فى الغرفة التجارية، فقد أكد أن استيراد العدسات اللاصقة باعتبارها إحدى المستلزمات الطبية، لابد أن يتم من خلال قنوات قانونية، تبدأ بوجود شركة مسجلة بوزارة الصحة، تقوم بعمل تعاقد مع شركة عالمية، باعتبارها وكيلا أو منفذ بيع، وبموجب هذا التعاقد تقوم الشركة المستوردة بتسجيل اسم المنتج بوزارة الصحة.

وأضاف أن تسجيل اسم المنتج يحتاج ما بين 6 و12 شهرا، حيث يتم تقديم مجموعة محددة من الأوراق، هى «اسم المنتج ودولة الصناعة، سواء دولة أوروبية، أو إذا كانت من غير دولة أوروبية، ما يفيد بأنها مستخدمة ومتداولة فى السوق الأوروبية وشهادة بالخامات المصنوع منها العدسة، وشهادة تفيد بمطابقتها للمواصفات العالمية، ثم يتم عرض هذه الأوراق على لجنة علمية تابعة لوزارة الصحة، لبحث الأوراق المقدمة، ثم الموافقة عليها أو رفضها.

وتابع: «بعد الحصول على موافقة وزارة الصحة وتسجيل المنتج، يتم شراء المنتج وتقديم الفاتورة إلى وزارة الصحة، التي تقوم بسحب عينة من الشحنة بالمطار للتأكد من سلامتها، وفي حال سلامتها، يتم السماح بدخولها إلى السوق المصرية وتوزيعها على الأماكن المعتمدة من وزارة الصحة لبيعها».

وأكد: «صلاحية أي عدسة مسجلة على غلافها، وفقا لتاريخ الإنتاج، على أن تكون محفوظة بطرق آمنة، حيث إن وزارة الصحة لا تسمح بالاستيراد إلا بوجود مخزن طبي بمواصفات صحية ومرخصة»، مشيرا إلى أنه لا توجد عدسات لاصقة ملونة ذات صلاحية أكثر من 3 شهور، ولا صحة تماما لما يشاع عن وجود عدسات تجميلية صالحة للاستخدام لمدة عام.

وأضاف أن الشحنات التى يتم استيرادها من خلال الإنترنت بعد دفع ثمنها بالفيزا، تدخل إلى مصر مهربة عن طريق الموانئ.