ننشر نص كلمة وزير الأوقاف في احتفالية المولد النبوي الشريف

 وزير الأوقاف
وزير الأوقاف

قال وزير الأوقاف د.محمد مختار جمعة، إن التجديد عملية ديناميكية يجب ألا تتوقف ويجب أن نفرق بوضوح بين فقه الجماعة وفقه الدولة.

وأضاف وزير الأوقاف، خلال كلمته باحتفالية المولد النبوي الشريف، أن الخلط بين ما هو ثابت وما هو متغير خلل في الفهم وضرب من الجهل.

وأشار إلى أنه قريبا سيتم افتتاح أكبر وأحدث أكاديمية لتدريب الأئمة بالعالم، مضيفا أن الأوقاف نفذت أكثر من ١١ ألف وحدة سكنية بتكلفة تزيد على مليار ومائة مليون جنيه، كما تم تدشين مائة مليون لمشروع سكن كريم وأخرى لصندوق دعم التعليم  تأهيل ١٣٥ منزلا بقرية الروضة وتسليمها سيكون خلال أيام.

وهذا نص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)وعلى رسل الله أجمعين.
وبعد:
فقد علّمنا صاحب هذه الذكرى العظيمة سيدُنامحمد (صلى الله عليه وسلم) أنه لم يشكر الله من لم يشكر الناس , وقال : “ من أتى إليه معروف فليكافئ به فإن لم يستطع فليذكره فمن ذكره فقد شكره “.
وإننا لنذكر لكم سيادة الرئيس من الفضل الكثير , وأخص بالذكر أمرين, الأول دعوتكم الشجاعة إلى تجديد الخطاب الديني الأمرَ الذي أصبح واجب الوقت ومن أولى أولوياته في حق العلماء والمثقفين والمفكرين , فهو عملية ديناميكية لا تتوقف ولا ينبغي أن تتوقف أو تحد بحد , مع الحفاظ على الثوابت والتفرقة الدقيقة بين الثابت والمتغير , فإلباس الثابت المقدس ثوب المتغير هدم للثوابت , وإلباس المتغير من الفكر البشري الناتج عن قراءة النص المقدس ثوب الثابت هو عين الجمود والتحجر والانغلاق والتخلف عن ركب الحضارة , بل عن ركب الحياة كلها , والخروجِ عن أسباب التقدم بالكلية .
وإن مراعاة مقتضيات الزمان والمكان والأحوال والعرف والعادة أحد أهم شروط الفتوى والخطاب الديني الرشيد معا.
وقد أكد علماؤنا الأوائل أنهم اجتهدوا لعصرهم في ضوء ظروفهم وأحوالهم , وأن علينا فيما يتصل بالمتغيرات والمستجدات أن نراعي ظروف عصرنا وأحواله , وألا نوصد أبواب الاجتهاد .
إن من أفتى الناس بمجرد المنقول من الكتب على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم وأعرافهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل , وقد عدوا ذلك خلاف الإجماع وجهالة في الدين , بل إن أبا يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة وغيرَه من كبار الفقهاء والعلماء ذهبوا إلى أن الأحاديث المبنيةَ على العادة يختلف استنباط الحكممنها باختلاف العادة , بل ذهب أبو يوسف (رحمه الله)إلى أبعد من ذلك فقال : (إذ لو كان صاحب النص (صلى الله عليه وسلم) بيننا عند تغير العادة لغير النص لتغير العادة) , إنها شجاعة الوعي والفهم والتجديد المنضبط بضوابط الشرع.
كما فرق العلماء بوضوح بين فقه الجماعة وفقه الدولة , وأفردوا لذلك مباحث وأبوابا , فمثلا عندما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : “من أحيا أرضا مواتا فهي له” مشجعا على استصلاح الأراضي تصرف فيذلك بصفته رئيس دولة وفق مقتضيات عصره , فلا يأتي الآن من يضع يده على مئات أو آلاف الأفدنة ,ويقول : أحييتها فهي لي وبيني وبينكم حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، نقول له إن النبي (صلى الله عليه وسلم) تصرف في ذلك بصفته رئيس دولة , فهو من الشأن العام الذي لا يترك أمر التصرف فيه إلى الأفراد بعيدًا عن سلطة الدولة.
وعليه فإن الخلط بين ما كان من شئون العقائد أو العبادات وما هو من شئون نظام الدولة وإنزال هذا منزلة ذلك خلل في الفهم وضرب من الجهل.
وأؤكد لسيادتكم أننا نعمل على تحويل تلك الرؤى المستنيرة إلى واقع تدريبي للسادة الأئمة والواعظات ليقوموا بدورهم بتعليمه للناس وهو ما يقوم به أئمتنا داخل مصر وخارجها , وفي هذه الأيام تتبنى وزارة الأوقاف المصرية حملة عالمية كبرى للتعريف برسول الإنسانية وبيان أوجه العظمة والرقي والوسطية والتسامح وقبول الآخر في رسالته السمحة .
وأبشر سيادتكم بأننا بصدد افتتاح أكبر أكاديمية لتدريب الأئمة والواعظات وإعداد المدربين بمدينة السادس من أكتوبر مجهزةٍ بأحدث التجهيزات العصرية : معمل لغات ومعمل حاسبات وقاعة ترجمة كبرى وقاعات تدريبية وغرف فندقية , على إجمالي مساحات تتجاوز بأدوارها المتكررة أحد عشر ألف مترمربعِ بتكلفة إجمالية تزيد على مائة مليون جنيه من الموارد الذاتية للوزارة , وذلك لتأهيل وتدريب الأئمة وإعداد المدربين من داخل مصر وخارجها , حيث تفتح أبوابها لتدريب الأئمة من مختلف دول العالم , وفقا لأحدث البرامج التدريبية.


وفي هذا الصدد يأتي مناط الشكر الآخر لعنايتكم البالغة بشئون الأوقاف وحرصكم الكبير على الحفاظ على مال الوقف وحمايته وصرفه في مصارفه الشرعيةمما أحدث نقلة نوعية في تعظيم عائدات الأوقاف , وعظم من إنفاق الوزارة في مجال البر وفق شروط الواقفين .


وقد بلغ إجمالي ما تم إنفاقه أو تخصيصه في مجال البر لعام 2018م ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين مليون جنيه بزيادة تقدر بنحو 100 % عن العام الذي سبقه و1000 % عن الأعوام التي سبقتهما , خصصنا مائة مليون منها لدعم مشروع سكن كريم بالتعاون مع وزارتي الإسكان والتضامن الاجتماعي, ومائة مليون أخرى للصندوق الوقفي لدعم التعليم , وخمسة وعشرين مليونًا لتوفير شهادة أمان للمرأة المعيلة والفقيرة بالتنسيق مع هيئة الرقابة الإدارية والمجلس القومي للمرأة , وستة عشر مليونًا وثلاثمائة ألف جنيه لإعادة تأهيل مائتين وسبعين منزلا بقرية الروضة بمدينة بئر العبد بالتعاون مع وزارة الإسكان وسيتم تسليم مائة وخمسة وثلاثين منزلا منها خلال أيام بإذن الله تعالى .


وفي إطار الدور المجتمعي لهيئة الأوقاف المصرية انتهت الهيئة من إنشاء أكثر من إحدى عشرة ألفوحدة سكنية كإسكان اجتماعي بتكلفة تزيد على مليار ومائة مليون جنيه , منها أربعة آلاف وتسعمائة وعشرون وَحدة بمحافظة أسوان وحدها , وقد تم تسليم معظم هذه الوَحَدات وجار استكمال عملية التسليم وفق شروط الاستحقاق التي تحددها وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية .


ويسرني أن أقدم لسيادتكم باسمي وباسم علماء الأوقاف وأئمتها وواعظاتها وجميع العاملين بها هدية وزارة الأوقاف : كتابين من أحدث إصداراتها في مسار التجديد , هما : الفهم المقاصدي للسنة النبوية , والفكر النقدي بين التراث والمعاصرة نحو نظرية عربية معاصرة في النقد الأدبي , والذي يأتي تأكيدًا على إيماننا بالتنوع الثقافي والانفتاح على الآخر والمختلف مع الحفاظ على ثوابت هويتنا الثقافية.
وكل عام وسيادتكم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته