الطبيب الحاصل على جائزة «أفضل قصة نجاح»: مليون و200 ألف مصري مصابون بالعمى

د.عمر برادة أثناء حواره مع «الأخبار»
د.عمر برادة أثناء حواره مع «الأخبار»

د.عمر برادة:


نزع القرنية من المتوفى ضرورة حتمية


نضطر لاستيراد قرنيات «فرز ثانى وثالث» من الخارج بسبب غياب القانون

 

 يوجد اكثر من مليون و٢٠٠ ألف مصرى مصابون بالعمى واصبح نزع القرنية ضرورة حتمية خاصة بعد الجدل القانونى والفقهى المستمر حول نزع القرنية من المتوفى،خاصة انه لا يوجد تشريع او فتوى قانونية تتيح ذلك .

 

هذا ما اكده الدكتور عمر أحمد برادة طبيب العيون الشهير والمتخصص فى طب الشبكية والقرنية، والفائز مؤخرا بجائزة «تحدى التغير» عن افضل قصة نجاح، واشار إلى أن قوائم الانتظار تصل لـ 8سنوات بسبب نقص القرنية.


وأوضح أن الحل هو السماح بنزع القرنية من المتوفى، وان يتم اعتبارها صدقة جارية بدلا من ان يأكلها الدود بعد الوفاة، ودعا إلى  ضرورة وجود نص قانونى وفتوى حاسمة بشأن نقل الأعضاء من متوفى إلى مريض والي نص الحوار.  
 

 نتكلم أولًا عن القرنية، كيف ترى الجدل الدائر بشان التبرع بها ؟


فى البداية يجب أن نوضح ماهى القرنية؟، هى نسيج شفاف موجود فى مقدمة العين، يعبر منه الضوء، ويتجمع فى نقطة واحدة، نستطيع من خلالها الرؤية بوضوح، وبسبب موقعها فى مقدمة العين، فهى معرضة للأجواء والإصابات والالتهابات، وأمراض أخرى، وهذا يترتب عليه تحولها إلى «قرنية معتمة » تمنع دخول الضوء أو عبوره عبر العين، وتصبح الدنيا مظلمة جدًا.


أما مايتعلق بنزع القرنية من المتوفى، فهذا بسبب أن من نعم الله علينا نجد أن  القرنية نسيج خال من الشعيرات الدموية، وفى حالات نقل الأعضاء، فإن العضو الغنى بالشعيرات الدموية يتم لفظه، عكس القرنية التى يقبلها الجسم لعدم احتوائها على شعيرات دموية، فنقوم بسحب القرنية المعتمة،ووضع مكانها الجسم المضىء المنزوع من المتوفى.

 

عتامة القرنية 


 وما أسباب إصابة القرنية ؟


آخر الاحصائيات الطبية رصدت أن هناك مليوناً و200 ألف مصرى مصابون بالعمى فى عين أو اثنين بسبب مشاكل القرنية، وهذا العمى ينقسم الى اثنين، عمى نستطيع إصلاحه كأطباء مثل «عتامة القرنية»، وذلك من خلال نقل قرنية متوفى إلى المريض، وهناك العمى المسمى «بالمياه الزرقاء» وفى هذه الحالة يكون العصب البصرى قد فقد قوته، ويصعب إصلاح العين، ومعظم إصابات القرنية تكون ناتجة إما عن عنصر جينى «أو وراثى» بجانب عمليات دعك العين فى الاطفال والتى تسبب التهابات فى القرنية وتؤثر على الرؤية.


وأعتقد أننا نستطيع علاج المليون و200 ألف مصاب بالعمى إذا استطعنا نقل القرنية لهم من متوفين، وهذا الأمر سهل جدا شرط وجود التشريعات والقوانين التى تنظم ذلك وموافقة ذوى المتبرعين.


 ولكن من المخول له حاليا بنزع القرنية من المتوفى..وكيف ترى الحل وسط عدم وضوح الرؤية بشأن التبرع بالقرنية ؟


أعتقد أن بنك العيون بجامعة القاهرة هو المسئول فقط فى مصر عن نزع القرنية من المتوفى، وهذا الأمر يتم دون موافقة ذوى المتوفى، وفقا للوائح والقوانين.. ومن وجهة نظرى يجب توسيع عمليات نزع القوقعة من المتوفين، حتى نستطيع علاج ملايين المصابين، فهناك قوائم انتظار تصل لـ 8 سنوات، وعندما يصل المريض المصاب بالقرنية إلى موعد العملية، يكون قد أصيب بالمياه الزرقاء وبالتالى يصعب علاجه نهائيا.


 وكيف تتم عمليات نقل القرنية ؟


نزع القرنية يتم بعد الوفاة مباشرة، يتم سحب القرنية،وتحليلها وفحصها تحت الميكروسكوب، هذا يستمر يومين للتأكد من عدم إصابتها بأمراض أو التهابات وإنها صالحة للنقل لمريض، ويكون ذلك عبر طبيب متخصص.


قرنية المتوفى


معنى ذلك أن أسرة المتوفى سيلاحظون سحب القرنية ؟


هذا الأمر صعب جدا، أولا من يقوم بسحبها كما ذكرت من قبل طبيب متخصص، بجانب أنه يتم استبدال القرنية بعدسة لاصقة، بنفس لون العين، لاتظهر أى تدخل جراحى يوحى بنزع أى عضو من العين، وأرى أن عدم إبلاغ أهل المتوفى، يعود إلى الحالة السيئة والحزينة والصدمة التى يكونون عليها بعد الوفاة، فأنت فى هذا الوقت لن تتقبل أمراً بشأن نزع قرنية المتوفى.


ولكن هناك غموض لائحياً تنظيمياً  وموقفاً  دينياً   بشأن التبرع بالقرنية؟


بالفعل أعتقد أنه لاتوجد لائحة ومنظومة تحكم موضوع التبرع بالقرنية، لكن دعنا ننظر إلى السعودية باعتبارها بلداً إسلامياً يشهد له الجميع، هل تعلم أنها رائدة عمليات ترقيع القرنية فى الشرق الاوسط «..وفى اعتقادى أرى أن التبرع بالقرنية يدخل ضمن الصدقة الجارية  التى ننقذ بها مريضاً من العمى، بدلا من أن تأكلها « الديدان».


تحدثت عن السعودية..ماذا عن اوروبا التى درست وتعلمت بها ؟


فى انجلترا مثلا، أى متوفى يعتبر أنه متبرع بأعضائه، إلا إذا غير رغبته فى التبرع، وهذا يتم من خلال ورقه تعرض عليه عند استخراج بطاقة أو جواز سفر أو رخصة قيادة، ويبدى رغبته بالتبرع بأعضائه وقرنيته أو لا، دون تدخل الأهل، وهذه الموافقة تكون عبر نظام إلكترونى، مرتبط بكل المستشفيات، بمجرد كتابة اسم المتوفى، تظهر أمامك ورقة الاستبيان بموافقته أو رفضه على التبرع بأعضائه.

 

وأتمنى أن يطبق ذلك فى مصر، بعد أن يكون هناك قول صريح للأزهر ولائحة منظمة من الحكومة، حتى لايكون الأمر عشوائياً ويتحول إلى تجارة أعضاء. وأعتقد أن بنك العيون بجامعة القاهرة، توقف عن أخذ القرنية بعد الجدل الدائر بشأن سحب القرنية من المتوفين دون علم ذويهم وهو مازاد من قوائم الانتظار..وأصبحنا فى أزمة ولم يعد أمامنا سوى زيادة عمليات استيراد القرنية من الخارج.


معنى كلامك أن هناك عمليات استيراد للقرنية  من الخارج ؟


بالفعل هناك شركات متخصصة تقوم باستيراد القرنية  من الخارج، وتكلفة الرقعة الواحدة تتعدى الـ «ألف دولار» وهذا الأمر مكلف على المريض، كما أن الشركات الاوربية تبيع القرنيات غير المصابة «فرز أول «لمواطنيها، أما القرنيات فرز ثانى وثالث فتقوم بتصديرها للدول النامية مثل مصر ودول الشرق الاوسط، وأعتقد أننا لو قمنا بتنظيم عمليات التبرع بالقرنية، وأصبحت مركزية بيد الدولة سنحقق الاكتفاء الذاتى ولن يكون لدينا  مصابون بالعمى بسبب القرنية، بل وسنصدر القرنيات للخارج.


فأر تجارب 


سافرت إلى دول أوروبية كثيرة، وحصلت على دكتوراة وشهادات ودبلومات طبية..أين البحث العلمى فى مصر ؟


بالفعل مصر لايوجد بها بحث علمى بالمعنى المعروف،  ليس لقلة الخبرات، بالعكس لدينا خبرات طبية وعلمية عظيمة، ولكن للتكلفة الباهظة التى يحتاجها البحث العلمى والتى تتعدى المليارات، وأعتقد أن خوف البعض من كون المصرى «فأر تجارب»  أجهض الكثير من الأبحاث الطبية.

 

وكيف ترى وضع الطبيب المصرى حاليا ؟


الأطباء المصريون أكفأ بكثير من غيرهم، لكن الظروف المحيطة بهم هى التى تدفعهم إلى الهجرة إلى دول عربية وأوربية، وهذا مايدفع البعض إلى الشكوى من قلة عدد الاطباء، خاصة فى الارياف حيث إن معظم الخدمات الطبية متمركزة فى القاهرة ومدن المحافظات، والمطلوب تحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية للطبيب فى بداية حياته، توفير حصانة للطبيب من عمليات الاعتداء والتشهير التى يقوم بها البعض، فالطبيب لايقل عن القاضى فى أى شىء، وأخيرا توزيع الأطباء حسب المناطق الجغرافية، بحيث يتوافر طبيب لكل عدد من السكان.


وهل نحن فى حاجة إلى مبادرة لعودة الأطباء إلى مصر ؟


نعم بالفعل نحن فى حاجة إلى  مبادرة قومية لإعادة الأطباء المهاجرين، حتى نستطيع تعويض النقص فى الأطباء، بشرط وجود عوامل تحفيزية لهم.


تقييمك للمبادرات القومية للقضاء على الالتهاب الكبد الوبائى المعروف ب«فيروس سى» ؟


من أنجح المبادرات والحملات التى شاهدتها فى حياتى خاصة فى مجال الطب، بعد حملات التوعية بمرض البلهارسيا، فهذه الحملات استطاعت أن تصل إلى المريض غير القادر فى الأرياف والقرى  ، ونجحت فى حصر المرض الذى استشرى بدرجة كبيرة بين أوساط المصريين،وتقديم العلاج المجانى لهم.


وهل نحن فى حاجة إلى مبادرات وحملات طبية أخرى ؟


بالفعل نحن فى حاجة إلى مشروع قومى لحماية القرنية  وكذلك الوقاية من مرض السكر، والاثنان مرتبطان ببعض، فالمريض المصاب بالسكر، عند إصابته بالعمى، يكون هناك صعوبة فى علاجه، وبالتالى يجب أن يكون هناك حملة للتنسيق بين أطباء العيون والسكر للوقاية من مرضى العمى ، كما أتنمى أن تكون الحملة القومية القادمة للوقاية من مرض السكر، وتوضيح  طرق العلاج والوقاية منه.


ملك التغيير 


تم تكريمك  فى أحد المؤتمرات بمنحك جائزة «ملك التغيير» ماذا يعنى لك ذلك ؟


حقيقة، اكتشفت أننى من ضمن المكرمين فى مؤتمر» منصة التغيير»  والذى اطلقه العميد محمد سمير المتحدث العسكرى السابق باعتبارى أحد النماذج الشبابية التى أحدثت تغييراً للأفضل فى حياتها، وهذا حسب قصة نجاحى فى مجال طب العيون، التى بدأت منذ 20 عاما، فأنا خريج المدرسة الأمريكية، وكان طموحى السفر للخارج واستكمال دراسة الطب فى أوروبا، لكن منعتنى ظروف عن السفر، فتقدمت للالتحاق بكلية طب القصر العينى، وبسبب المجموع التحقت بطب المنصورة.. قضيت فيها سنوات الطب.


درست فى جامعات اوروبا لسنوات..لماذا العودة إلى مصر ؟


قرار العودة إلى مصر لم يكن قراراً صعباً، رغم أننى كنت أدرس وأعمل فى طب العيون بإسبانيا وسويسرا ويعتبران من أفضل الدول فى مجال طب العيون، لكن اخترت العودة إلى مصر لنقل أفكارى وتجاربى إلى  المجال الطبى فى مصر.


وهل نجحت فى ذلك ؟


للأسف رغم التحاقى بأحد مستشفيات العيون الكبرى فى مصر، إلا أننى عجزت عن نقل تجاربى وخبراتى التى اكتسبتها فى الخارج  ، وذلك بسبب ضعف الإمكانيات المادية، وهو مادفعنى إلى إنشاء مركز متخصص لطب العيون لنقل تجاربى واستكمال مشروعى الطبى.


ماذا ينقص المستشفيات المصرية لتكون نموذجاً لما يحدث فى مستشفيات الخارج ؟


أعتقد أن سياسة أو فن التعامل مع المريض، هو ماتفتقده المستشفيات فى مصر، المريض حتى يصل للطبيب يمر بعدة إجراءات وصعوبات تجعله محبطاً.