حوار| د. عمرو شوقي: ما حققته مصر في مجال الكهرباء.. إعجاز حقيقي

جانب من الحوار
جانب من الحوار

- استراتيجية الطاقة فى عهد الرئيس السيسى أخرجتنا من مرحلة الأزمات إلى الاكتفاء والتصدير
- لا يوجد حالياً تخفيف أحمال والمحطات العملاقة قصة نجاح مبهرة
- لدينا خبرات عالمية تحتاجها المنطقة.. و«التسويق» كلمة السر فى اقتناص الفرص
- لاعلاقة بين زيادة الإنتاج وقيمة الفواتير.. وتحولنا إلى مركز للطاقة يخدم الشعب كله

الطاقة سلاح الأقوياء فى عالم اليوم، من يمتلكها يمتلك مفاتيح المستقبل، لذلك تسعى كل دولة إلى تحقيق مفهوم مهم وحيوى فى عالم اليوم وهو «أمن الطاقة»، وتأتى مصر كلاعب مهم فى عالم الطاقة، ليس فقط بحكم ما تمتلكه من موقع استراتيجى فى العالم، ولكن الأهم بما حققته من انجازات يشهد بها العالم فى مجال الكهرباء والطاقة، جعلتها تنتقل من خانة الأزمات، إلى مركز إقليمى للطاقة..أسئلة كثيرة حول ما حققته مصر فى مجال الكهرباء والطاقة، والفرص الواعدة للمستقبل، طرحناها على الدكتور عمرو شوقى الاستشارى الدولى فى مجال الكهرباء والطاقة، وصاحب الخبرة الطويلة فى مجال توطين تكنولوجيا صناعة الكهرباء والطاقة فى مصر، والذى أكد أن ما حققته مصر فى مجال الكهرباء والطاقة يمثل إعجازا حقيقيا باعتراف العالم، وأشار إلى أن الخبرة المصرية الكبيرة فى هذا المجال تحتاج إلى تسويقها عالميا، وأن مصر تمتلك أيضا قدرات واعدة فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، يمكن أن تكون إضافة كبيرة مستقبلا إذا ما تم استغلال القدرات المصرية جيدا.. وإلى تفاصيل الحوار.

فى البداية كيف جاء اهتمامك بمجال الطاقة والكهرباء، وهل كان مجرد اهتمام بحكم الدراسة فقط، أم أنه اختيار ذاتى وواع؟

أنا أنتمى لأسرة علمية العديد من أفرادها متخصصون فى العلوم الهندسية وبخاصة فى مجال الميكانيكا، والكثير منهم أعضاء بهيئات التدريس بالجامعة، وربما كان الاتجاه الطبيعى أن أتخصص فى نفس المجال، لكننى كنت منذ طفولتى مهتما بمجال الكهرباء والطاقة، وشغوفا بالعديد من التجارب العلمية فى هذا المجال، وقد ساهمت خبرات الدراسة فى بداية حياتى فى حسم اختيارى العلمي، وعندما التحقت بكلية الهندسة اخترت دراسة الكهرباء، ثم أتيحت لى فرصة إكمال الدراسة فى جامعة ليستر البريطانية.

كيف ساهمت دراستك فى جامعة متقدمة خارج مصر فى صقل تجربتك العلمية، ومنحك مكانة علمية متميزة فى مجال تخصصك فى الكهرباء والطاقة.. ولماذا رفضت استكمال مسيرتك بالخارج وعدت إلى مصر بعد حصولك على الدكتوراة؟

الحقيقة أن الدافع الأول لأى تميز هو الشغف وراء العلم، فليست القيمة فيما نحصل عليه من شهادات يمكن أن نعلقها على جدران مكاتبنا أو منازلنا، ولكن القيمة الحقيقية هى ذلك الشغف والرغبة فى التعلم وإثراء العلم، وتقديم محتوى حقيقى يسهم فى تحسين الواقع، وتحقيق الأهداف المطلوبة، وينطبق ذلك على الأفراد وعلى المجتمعات أيضا.

والحمد لله كنت طالبا متفوقا، وبعد تخرجى جاءتنى عروض عمل فى بريطانيا وبلجيكا والسعودية، لكن اختيارى كان محسوما، فمصر أولى بالعلم الذى قمت بتحصيله فى الخارج، وكانت دائما لدى الرغبة فى نقل العلم الذى حصلت عليه لإفادة وطنى به، وهذا ما تعلمته أنا وشقيقى د. طارق شوقى من والدنا، فقد كان دائما يكرر على مسامعنا أنه ينبغى أن يكون لدى كل منا مدرسة أى أسلوب ومنهج نفيد به من حولنا.

 كيف ترى المنتج العلمى المصرى فى مجال الكهرباء والطاقة، بحكم اطلاعك واحتكاكك بالكثير من التجارب العلمية والتعليمية فى هذا المجال؟

هذا سؤال صعب، ولا بد أن أكون أمينا فى الإجابة عليه، فالتعليم الهندسى المصرى حاليا ليس كما يجب، أولا لغياب الجانب العملي، وثانيا لقلة عدد الجامعات رغم ما يثار عن وجود عدد كبير من الجامعات، لكن عندما ننظر إلى عدد الطلاب إلى عدد المحاضرين ندرك الفارق، فعلى سبيل المثال عدد طلاب دفعتى فى انجلترا كان ٣٢ طالبا فقط، بينما كان عدد طلاب دفعتى فى القاهرة ١٥٠٠ طالب، الآن هذه الأعداد تضاعفت، وباتت أكبر من قدرات المعامل والمحاضرين، وهو ما ينعكس سلبا على قدرة المحاضر على التفاعل بين المحاضر والطلاب وبين الطلاب بعضهم البعض، وهذا مهم جدا فى الكليات العملية، على عكس الكليات النظرية التى يمكن للمحاضر فيها التعامل مع الأعداد الكبيرة.

وهناك أيضا مشكلة جوهرية فى مجال التعليم الهندسى والصناعي، وهى ضعف العلاقة بين المؤسسات الأكاديمية وبين المصانع والشركات، وهذه العلاقة تعانى فقرا شديدا فى مصر، رغم أهميتها الكبيرة لتقدم العلم والصناعة على حد سواء.

مشروعات عملاقة
 ولكن ألا يتناقض ما تقوله عن تراجع التعليم الهندسى فى مصر، مع ما يتحقق من إنجازات فى مجال إنشاء محطات كهرباء ومشروعات عملاقة فى مجال الطاقة؟
الحقيقة أنه لا يوجد تناقض، فالمهندس المصرى لديه قدرة متميزة على التعلم فى الميدان، وتعويض ما يحتاجه من معارف وخبرات من أرض الواقع، والواقع أكثر تقدما من المؤسسات العلمية، فما يحصل عليه من علوم يعد قليلا، وما يحصل عليه من تطبيق لهذا العلم أقل، وبالتالى لا يجد أمامه سوى الواقع العملى ليتعلم منه بعد التخرج، ولا أخفيكم أننى عندما أجرى مقابلات مع مهندسين شبان حديثى التخرج أجدهم أضعف كثيرا مما كنت عليه عندما تخرجت قبل ٣٥ عاما، بينما المفترض أن يكون أفضل بحكم التطور العلمى والتحصيل والاطلاع الذى باتت مصادره أسهل وأعمق،.. وأتمنى أن يكون هناك تنسيق بين كليات الهندسة وبين وزارة الكهرباء ليتم إلزام كل طلاب السنوات النهائية بكليات الهندسة بزيارات ميدانية لمحطات الكهرباء فى محافظاتهم، فكثير من الطلاب للأسف يدرس محطات الكهرباء وتكوينها وربما لا يراها فى حياته إلا بعد التخرج، فمن المهم أن نربط العلم بالواقع، لأن ذلك هو ما يشجع الطالب على الابتكار والتطوير.

 وكيف تنظر إلى ما تحقق من انجاز كبير فى مشروعات الطاقة، وبخاصة فى مجال الكهرباء فى سنوات صعبة ونقلت مصر من حال إلى حال؟
ما تحقق خلال السنوات الأخيرة ومنذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم انجاز وإعجاز ولافت للنظر، فما تحقق يمكن لغير المتخصص أن يراه فقد انتهت حالة الانقطاعات التى كانت تحدث فى السنوات الماضية، فقدراتنا الانتاجية باتت تكفى وتفيض لسنوات، وما يحدث من انقطاعات محدودة فى بعض المناطق لا ترجع إلى نقص فى الانتاج والتوليد، وإنما بسبب مشكلات فى شبكات النقل والتوزيع، وبخاصة فى بعض القرى والنجوع، ولا يوجد فى مصر على الاطلاق ما يعرف بتخفيف الأحمال، وربما تصادف أنه يوم افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسى للمحطات العملاقة فى البرلس وبنى سويف أن تجاوزت درجة الحرارة ٤٠ درجة مئوية، ووصل الحمل الكهربى خلال ذلك اليوم أعلى مستوياته، ومع ذلك لم يحدث أى انقطاع للتيار، أو تخفيف للأحمال، وقد أعلن د. محمد شاكر وزير الكهرباء أنه مع بداية ٢٠١٩ ستنتهى الدولة من برنامج تحديث وتطوير الشبكات فى مختلف المحافظات، وبالتالى ستنتهى مشكلة انقطاعات التيارات، وأنا هنا أتحدث كخبير محايد.
إنجاز وإعجاز
 إذن كيف تنظر إلى محاولات التشكيك فى جدوى بعض المشروعات العملاقة، وعدم احتياجنا لها فى هذا الوقت لصالح أولويات أخرى، وهل ينطبق ذلك على مشروعات الطاقة؟

فى الواقع هذا التشكيك عمره قصير، وسيفضحه الواقع وحجم الانجازات التى تتحقق فى العديد من المجالات، فليس من الطبيعى أن نشكك فى كل شيء ويخرج غير المتخصصين ليقللوا مما يتحقق من إنجازات فى الكثير من القطاعات، فيتحدث البعض عن عدم جدوى شبكة الطرق العملاقة، أو عن تطوير قناة السويس وتوسيعها، أو استحداث محطات عملاقة لإنتاج الكهرباء، وكأن المطلوب أن نظل ساكنين فى مواقعنا لا نتطور ولا ننمو ولا ننتقل إلى المستقبل.. والمشروعات العملاقة ستتحدث عن نفسها.

وإذا تحدثنا عن مجال الكهرباء والطاقة، فنحن نتحدث كما قلت عن إنجاز وإعجاز، ففى اليوم الذى تم فيه إقرار خطة عاجلة لإنقاذ قطاع إنتاج الكهرباء للتعامل مع واقع صعب والتخفيف عن المواطنين، تم فى نفس اليوم وضع استراتيجية متكاملة للقطاع وتطويره من أجل المستقبل.

 ولكن هناك من يشكك فى التوجه نحو إقامة محطات عملاقة رغم تحقيقنا للاكتفاء من انتاج الكهرباء فى الفترة الحالية.. ما رأيك؟
لا يوجد شيء فى مجال الكهرباء والطاقة اسمه اكتفاء، فنحن تعدادنا حاليا ١٠٠ مليون، ولدينا طموحات للتنمية والتطور فى الزراعة والصناعة وجذب الاستثمارات الخارجية، وهذا يتطلب توفير الاحتياجات المتزايدة من الكهرباء والطاقة، ولا ينبغى أن نكتفى بما ينتج، بل أؤكد أننا لا نزال بحاجة إلى المزيد من المحطات العملاقة، بل أتمنى أن تكون خططنا المستقبلية لمدة ٢٥ سنة قادمة.

وهناك نقطة فنية ينبغى شرحها، فعندما نتحدث عن قدرات انتاج للمحطات، لا نتحدث عن انتاج فعلي، بل عن قدرات يمكن استغلالها عن الحاجة، فلا توجد محطة تعمل بطاقتها ١٠٠٪ طوال الوقت، فضلا عن وجود صيانات مستمرة للمحطات، وهذا يتطلب أن تكون قدراتنا أعلى من احتياجاتنا.. والحقيقة أننى ألاحظ حديث كثير من غير المتخصصين فى أمور فنية دقيقة، وهذه مسألة غريبة بعض الشىء.. وحتى إن كان هناك فائض، فمن الممكن بسهولة استثماره وتصديره للدول المجاورة.

مشروعات الربط الكهربائي
 وهل بالفعل هذا الفائض مستثمر حاليا، خاصة فى ظل مشروعات الربط الكهربائى بين مصر والدول المجاورة؟
أولا من وجهة النظر العلمية لا أفضل تعبير فائض فى إنتاج الكهرباء، فالمنتج هو من يتحكم فى الفائض وفى توقيت إنتاجه، وفى توقيت بيعه أيضا، وما يزيد على حاجة الدولة من إنتاج الكهرباء، يمكن بيعه للمشترى فى التوقيت المناسب لنا، وبما يتناسب مع احتياجات المشتري، إذن هذا الفائض فى إنتاج الكهرباء مثل البضاعة يمكن استغلالها بسهولة، وبما يحقق عائدا جيدا لمصر، ومصر لها موقع جغرافى متميز للغاية من الاتجاهات الأربعة، وقد نجحت مصر بالفعل فى استغلال هذا الموقع مع الدول المجاورة مثل السعودية والأردن وليبيا، رغم تأثر الربط الكهربائى مع ليبيا نتيجة الأحداث السياسية التى تمر بها حاليا، ويجب أن يفهم الجميع أن المسألة ليست علاقة من طرف واحد، فنحن نصدر فى أحيان، ونستورد فى أحيان أخرى، والأمر يخضع لمعادلة تكلفة الإنتاج وتوقيت الاحتياج للطاقة سواء المنتجة أو المستوردة، وهنا أهمية التنسيق بين قطاعى الكهرباء والبترول، فالمتخصصون فى الجانبين هم من يحددون القرار الأنسب فى ضوء حسابات التكلفة الأقل، وتوافر موارد البترول والغاز.

وهناك حاليا مشروعات واعدة للربط الكهربائى مع السودان فى الجنوب، وهذا يوفر مصالح حيوية للجانبين، فالسودان يستورد من أثيوبيا وأريتيريا، عبر شبكات طويلة للغاية، بينما الاستيراد من مصر أوفر له لأنه يقلل الفقد فى الشبكات، كما يعزز التعاون بين الجانبين.

 هنا سؤال مهم يفرض نفسه.. كيف يمكن لمصر الاستفادة من تطور قدراتها فى إنتاج الطاقة فى تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، خاصة فى ظل الاحتياج المتزايد للطاقة فى المنطقة؟
تعزيز مكانة الدولة يعتمد على مخرجاتها فى مختلف المجالات المادية والمعنوية، وقوتها الناعمة أيضا، والحقيقة أن الحديث عن استراتيجية مصر للتحول إلى مركز إقليمى للطاقة ليس شعارا براقا، بل هو مشروع طموح مبنى على حساب القدرات المصرية فى هذا المجال ووفق حسابات اقتصادية دقيقة، تراعى مشاريع الارتباط مع دول الإقليم، وحسابات إنتاج مصر من الطاقة التقليدية والجديدة، ولدينا بالفعل مزيج جيد من النوعين، ويمكننا تصدير الفائض لدول الجوار ومن خلالها، وهذا يعزز طبيعة العلاقات مع الدول المجاورة، فمثلا مشروعات الربط الكهربائى مع قبرص يعزز العلاقات السياسية، فالعالم يعيش على المصالح ولا يعرف العواطف، وبالتالى عندما يتم تقديم المصالح وتبادلها، هذا يصب بالتبعية فى تعزيز ميزان العلاقات الشاملة، ولنتخيل أن ذلك يحدث مع الجيران، وجيران الجيران، فتصبح مصر مؤثرة فى اقتصاد وحياة تلك الدول والشعوب، وتحرص تلك الدول من جانبها على استقرار وانتعاش الاقتصاد المصري، حتى لا تتأثر مصالحها.

مركز إقليمى للطاقة
وما  المكاسب التى يمكن أن تعود على مصر من خلال تحولها كمركز إقليمى للطاقة.. وكيف نبسط الأمر للمواطن العادى بالحديث عن المكاسب التى يمكن أن تعود عليه؟

المسألة لا يمكن النظر إليها من خلال حسابات المصلحة المباشرة التى يمكن أن تعود على المواطن الفرد، بل يجب أن ننظر إلى ما يعود على أكثر من ١٠٠ مليون مصري، فعلى سبيل المثال أنا أستغرب ممن يرددون أن مصر حققت فائضا فى إنتاج الكهرباء، وبالتالى لا بد أن تنخفض فواتير الكهرباء، وهذه مسألة غير مترابطة فى حقيقة الأمر، بل وخاطئة أحيانا، فلا توجد علاقة بين الطاقة الانتاجية وبين سعر بيع الطاقة، وتحول مصر إلى مركز إقليمى للطاقة لا يمكن رؤيته من خلال منظور فردي، لأن النفع سيعود على الأمة كلها، فعندما نتحول إلى مجتمع منتج ونشيط سيعود النفع على المجتمع كله فى مختلف القطاعات وفى قيمة العملة والقدرة الشرائية وتوفير الوظائف وغيرها، وهنا يعود النفع على المواطن، وعلينا أن نتخلى عن تلك النظرة الضيقة للأمور.

ونفس الأمر ينطبق على شبكة الطرق العملاقة التى يجرى تنفيذها، فلابد أن ننظر إلى ما يمكن تحقيقه على المدى البعيد من وراء هذه المشروعات، وكذلك الحال مع مشروعات التعليم والصحة، فالإصلاح مسألة شاقة وممتدة وشاملة، ومصر حققت الكثير من النجاحات فى وقت قصير وهذا بحد ذاته شيء مبشر للغاية، فمثلا فى مجال بناء المحطات، التقدير العلمى لإنشاء محطات عملاقة مثل تلك التى افتتحت مؤخرا هو ٧ سنوات على الأقل، بينما مصر نجحت فى انجازها خلال عامين ونصف فقط، وهذا إعجاز حقيقى يقف أمامه كثير من المتخصصين باندهاش.

وكيف يمكن الاستفادة من تلك الخبرة المتراكمة على المستوى الإقليمي، خاصة أن عددا من دول المنطقة تبدو اليوم بحاجة إلى إعادة إعمار وتنمية؟
للأسف الشديد ليس لدينا فى مصر فهم حقيقى للتسويق، ومن يهتم بتسويق الدولة وإمكانياتها بالمعنى الشامل، لدينا الكثير من الكفاءات والكوادر المتميزة القادرة على السفر والعمل بالخارج فى إطار آليات منظمة، لكنها مسألة فردية، لكن ليس لدينا على مستوى المؤسسات المصرية اهتمام حقيقى بتسويق إمكانيات الدولة وخبراتها، هناك اهتمام بالبيع، لكن لا يقابله اهتمام بالتسويق، أو ما يعرف بـ”البراندنج”، أو عمل علامات تجارية مميزة لمصر بخبراتها وقدراتها، فلنا أن نتخيل حجم الخبرة والمعرفة التى اكتسبها العمال والمهندسون المصريون وهم يمثلون ٩٥٪ من العاملين فى إنشاء المحطات الكهربائية العملاقة التى تم تنفيذها مؤخرا، وبالتالى لابد من خلق آليات للإستفادة من تلك الخبرات التى تراكمت، فلا يكفى أن نتحدث مثلا عن التعاون مع أفريقيا فى مجال الطاقة أو الإنشاءات أو التنمية، دون أن يتحول هذا الكلام إلى آليات عمل تنفيذية، وفى تقديرى أننا بحاجة إلى إنشاء كيان ما لا أستطيع تحديد شكلها أو مسماها، فقد تكون مؤسسة أو هيئة أو وزارة أو غيره، المهم أن تكون على أعلى مستوى من الكفاءة والقدرة العلمية والعملية على تسويق الخبرات والقدرات المصرية فى مختلف المجالات السياحية والبترولية والكهربية والتعليمية والإنشائية وغيرها الكثير، واقتناص الفرص التى تلوح فى المنطقة والعالم من حين إلى آخر.

ومن النقاط المهمة فى هذا الشأن أيضا أن يتعاون المتنافسون فى السوق المحلية، لاقتناص الفرص معا فى الخارج، فيمكن للشركات المتنافسة داخليا أن تقوم فيما بينها بتكوين تحالف للعمل بالخارج، ولكن للأسف هذا غير موجود، كما لا نجد دورا ملموسا للغرف والشعب الصناعية والتجارية وغيرها من الكيانات المؤسسية، التى ينبغى أن نفعّل دورها فى هذا المجال.. وأتمنى أن نخرج بصناعة مهمات الكهرباء إلى الخارج، فللأسف الإعلام يركز على انجازات انتاج الكهرباء، لكن لا يتم الحديث عن قطاع صناعة الكهرباء، بكل ما يتضمنه من إنجازات كبيرة فى مجال تصنيع المعدات والمهندسين الاستشاريين، والفنيين وغيرهم، وهناك احتياج إقليمى كبير فى دول مثل ليبيا وسوريا والسودان وأفريقيا كلها بحاجة إلى هذه الخبرات المصرية.

 أنت مهتم بموضوع التكنولوجيا فى مصر، وقد نجحت فى تحقيق الكثير من الانجازات فى هذا الشأن.. ماذا تحقق فى هذا المجال؟
أنا أعمل فى هذا الملف منذ ٣٠ عاما تقريبا، وكانت رؤيتى منذ البداية هى كيف نساعد المستورد المصرى على تقليل اعتماده على الاستيراد، والاتجاه إلى المنتج المصرى من خلال التجميع أولا ثم التصنيع، وقد حققنا بحمد الله من خلال العديد من المؤتمرات والمعارض والتعاون مع الاتحادات والغرف الصناعية أن نحقق انجازات كبيرة فى هذا المجال، ومصر باتت تنتج العديد من المعدات المتطورة فى مجال الكهرباء، ومنها أبراج النقل والكابلات وغيرها الكثير من المنتجات التى باتت تحقق سمعة جيدة حتى على المستوى الدولي، ولا يزال أمامنا الكثير من التعاون مع جهات مختلفة لمزيد من توطين تلك التكنولوجيا فى مصر، وزيادة رصيد الصناعة الوطنية فى هذا القطاع الحيوي، وقد تم تأسيس جمعية للكهرباء والطاقة، وتقدمنا بطلب إلى الدولة لإنشاء هيئة لتنمية صناعات الكهرباء والطاقة، ونحن فى حاجة ماسة لهذه الهيئة، لتقوم بتنسيق الجهود بين المصنعين وجهات الدولة المختلفة، وتساعد فى تسويق المنتجات والخبرات المصرية فى العالم، 

الطاقة المتجددة
 وإذا انتقلنا إلى ملف الطاقة المتجددة، كيف تنظر إلى ما تحقق فى هذا الملف، خاصة أنه كانت لدينا رؤية لزيادة نصيب هذا النوع من الطاقة إلى ٢٠٪ من إجمالى الإنتاج، ولم يتحقق هذا الهدف حتى الآن، رغم الإمكانيات الكبيرة التى تتمتع بها مصر فى هذا المجال؟


أنا لا أنظر إلى الطاقة الجديدة والمتجددة هذه النظرة السطحية التى يرددها البعض باعتبارها نوعا من الترف، وأنها مكلفة، صحيح أن التكلفة الاستثمارية الأولى لتلك الطاقة مرتفعة، لكن رغم ذلك اتجه إليها العالم، بسبب ندرة موارد الطاقة التقليدية التى تتحكم فينا، وأسعارها متقلبة، لكن يجب أن نعرف أن الطاقة الجديدة والمتجددة تدر دخلا جيدا عند تشغيلها رغم ارتفاع تكلفتها الاستثمارية كما قلت، لكن تكلفة تشغيلها وصيانتها أقل كثيرا من تكلفة محطات إنتاج الطاقة التقليدية، ولابد أن ننظر إلى المعادلة كلها، وليس فقط إلى التكلفة الاستثمارية، وفى ضوء دراسات جدوى حقيقية وعلمية تأخذ فى الحسبان المكاسب بعيدة المدى، فهذا التوجه العالمى من الضرورى أن نكون متواجدين فيه، فضلا عن أن الإنتاج من الموارد التقليدية تكلفته تزداد مع الوقت، ولا بد ان ندخل بقوة فى هذا المجال، ليس فقط على مستوى استخدام الطاقات الجديدة، ولكن على مستوى تصنيع التوربينات والألواح الشمسية، وأنا متفائل للغاية بأننا يمكن أن نحقق إنجازا فى هذا المجال، خاصة مع دخول وزارة الإنتاج الحربى فى مضمار تصنيع الخلايا الشمسية بالتعاون مع الصين.

 وماذا عن إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية.. كيف ترى هذا المشروع؟
هو مشروع عظيم إذا تم وفق القواعد العلمية الحقيقية، فدخول عصر الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لا يقتصر فقط على امتلاك محطة تنتج الكهرباء باستخدام الوقود النووي، ولكن من الضرورى أن نمتلك الخبرة والمعرفة العلمية بهذا القطاع المهم جدا، ولا بد أن نتقدم فى علم الطاقة النووية نفسه، ونعمل على خلق كوادر مؤهلة علميا قادرة على أن تقود توجه مصر نحو الاستخدام السلمى للطاقة النووية.

 أخيرا.. هل نجحت مصر فى تحقيق مفهوم أمن الطاقة؟
مصر كما قلت حققت أعجازا حقيقيا، وخرجت من أزمات طاحنة فى قطاعى الكهرباء والطاقة، وأحد أسباب هذا النجاح هو التناغم بين قطاع الكهرباء والبترول، وأعتقد أننا نؤدى بشكل جيد حتى الآن، والاستراتيجية الموضوعة للسنوات المقبلة جيدة، من خلال استمرار الاستكشافات البترولية وفى مجال الغاز، ونجاح مصر فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعي، وهذا بحد ذاته خطوة مهمة للغاية، وأعتقد أن استدامة التعاون بين القطاعين، والحمد لله لدينا الآن استقرار، ولدينا استراتيجية مستقبلية مطمئنة بشأن تحقيق استدامة أمن الطاقة مستقبلا.