«سبيل محمد على» .. صدقة لم تعد «جارية»!

سبيل محمد علي
سبيل محمد علي

- محطة للعطشى عمرها 198 عاماً بطاقة 1.5 مليون كوب مياه يومياً

 

في منطقة الغورية بقلب القاهرة الإسلامية، يقطن أناس عاشوا تاريخنا ورسخوا حياتهم على جدران منازلهم، وآخرون اكتفوا بأخذ صورة له من بعيد.

 

القادم إلى مصر لا يمكن أن يفوته رؤية ذلك المسرح الكبير، الذي تتعايش فيه روح البيئة الشعبية وعبقها الأصيل، ممتزجا بجمال وفنون العمارة الإسلامية.. حيث  كان للسلطان محمد على بصمته الفريدة، وذلك من خلال تشييده «سبيل المياه» في عام 1820، ليتحدى الزمن عبر 198 عاماً ليكون محطة هامة للعابرين من عطشى المياه وعطشى العلم،  صدقة جارية على روح ابنه طوسون المتوفى في سنة 1816 بمرض الطاعون، عن عمر ناهز 22 عاماً، عظمة التاريخ تمثلت في هذا الصرح الأثري الذي بناه أجدادنا قديما، ولم نقدر قيمته في الوقت الحاضر، حيث يعانى السبيل كثيراً من ندرة المترددين عليه من السائحين الأجانب والمصريين، وكذلك المهتمين بالأماكن الأثرية القديمة، حيث إن البعض منهم انطوى السبيل في صفحات ذاكرته المعتمة، وذلك لعدم تطرقه إليه في دراسته أو عن طريق الزيارة.

 

وكان هناك صورة أخرى أشد قسوة من الصورة الأولى، وهى صورة الباعة الجائلين المنتشرين على باب السبيل، والذين أزاحوه من المشهد نهائياً حتى بات غير ظاهر للعابر إلا إذا دقق النظر.

 
أشرف محمد، المشرف على إدارة السبيل التابع لوزارة الآثار فيقول «من أكبر المشاكل التي يعاني منها السبيل هو الإهمال الذي يحاصره حيث إنه غير معروف لأحد، ففي اليوم الواحد قد يأتي لزيارته عن طريق الصدفة اثنين أو ثلاثة أشخاص فقط، لا أحد يقدر قيمة هذا السبيل، فالمار يظن أنه مبنى طبيعي لا قيمة له، كما أن ظاهرة باعة الملابس والمأكولات التي تسربت إلى أبواب السبيل تدريجياً أغلقت كل منافذ الرؤية والوصول للسبيل».


وأضاف أشرف، أن السبيل يتكون من طابقين،  الطابق الأول من حجرتين، إحداهما للمياه والأخرى للساقي المشرف على أعمال السبيل ، فالمياه قديماً كانت تأتى محمولة على الجمال من نهر النيل ليتم تخزينها في صهريج ضخم تحت الأرض عمقه تسعة أمتار، ومسقوف بتسع قباب حجرية، وجدرانه مبطنة بمونة غير منفذة للماء، على غرار المباني الرومانية القديمة، وكانت تغذيه بالمياه أنابيب تملؤها سواق منصوبة على الخليج المصري الذي كان يخترق المدينة وقتها، وتبلغ سعة الصهريج 455 ألف لتر، تكفى لملء مليون ونصف مليون كوب من الماء، يقوم الساقى أولاً بتعقيم الصهريج حتى يستطيع الاحتفاظ بالمياه، إلى أن يتم الانتهاء من موسم الجفاف، بينما كان الطابق الثاني كُتّاب لتعليم الأطفال، يجلس الطالب وفى يده لوح خشبي، ويتم تعلم القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن». 

 

وأشار إلى أنه تم ترميم السبيل أكثر من مرة آخرها 2002 وذلك بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار، للحفاظ على المبنى من خطر الانهيار الذي كان يهدده، وتكون فريق الترميم من 35 عاملاً مصرياً منهم متخصصون في الحرف التقليدية وأربعة عشر خبيراً أجنبياً من ست دول مختلفة وبعد ذلك تحول إلى تحفه معمارية يأتي إليها الزوار من كل أنحاء العالم .