«أشعياء المقاري سابقا»..يهوذا الذي لم يمت

أشعياء المقاري سابقا
أشعياء المقاري سابقا

حين اختار السيد المسيح تلاميذه الإثني عشر، كان يعلم أن من بينهم سيخرج خائن، وبالرغم من كونه كان معلمهم وكانوا لا يتركوه مع إيمانهم ويقينهم بما يدعو إلا أن هذا لم يمنع واحدا منهم في أن يخونه ويسلمه لليهود الذين رصدوا مكافأة آنذاك نظير ذلك.

جاء ذكر خائن المسيح «يهوذا الإسخريوطي» في الكتاب المقدس، كـ«مسلم» لسيده المسيح، حيث اتفق مع كهنة اليهود على أن يرشدهم لمكانه ليلا في بستان جثسيماني حيث كان على علم بأماكن تواجده دائما، وبالفعل جاءوا ليقبضوا عليه ويكافئون التلميذ الخائن بمبلغ 30 قطعة من الفضة. لكن يبدو أنه ندم على فعلته البغيضة فأراد أن يصلح ما أفسده من خلال استرجاع سيده مقابل رد الأموال، الأمر الذي كان مستحيلا مما دفعه إلى الانتحار شانقا نفسه على جذع شجرة.

تلك القصة تثبت بالقطع بأن ليس كل من ينشأ في بيئة صالحة يكون صالحا، وليس كل من يتواجد في وسط تتردد فيه على المسامع الآيات والصلوات، يكون متدينا نقي القلب والضمير. لقد مات يهوذا الإسخريوطي منذ سنوات بعيدة لكن جاء من بعده العديد والعديد من الخائنين، فمهما رسمت في الأذهان صورة رجل الدين التقي الخالي من الخطايا والعيوب، تثبت المواقف أن فكرة الكمال هي صفة آلهية فقط وأن أي إنسان نفسه معرضة للشيطان الذي يستغل الخلافات والانقسامات فيدفع بالإنسان إلى ارتكاب أبشع الجرائم.

تابع الجميع حادث مقتل أسقف ورئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون، الراهب الجليل الأنبا إبيفانيوس الذي دفع حياته ثمنا لخلافات غير معلوم أسبابها حتى الآن، وطوال يومين تحول المتابعين إلى محققين طارحين سؤالا واحدا، كيف لقاتل أن يجتاز أسوار الدير والدخول إليه في وقت الفجر بل وتنفيذ جريمته في منطقة داخل الدير لا تتواجد بها كاميرات مراقبة؟، أراد الجميع إبعاد فكرة أن يكون القاتل من الداخل، فكيف لراهب أن يقدم على قتل أبيه بهذه البشاعة؟، لكن الشبهات جميعها كانت تحوم حول تأكيد المعلومة.

تجريد من الرهبنة واتهامات بالقتل

في أعقاب تلك الجريمة، خرج إلى النور قرار تجريد الراهب أشعياء المقاري وعودته إلى حياته واسمه العلماني، مع وجود معلومات تفيد بوجود خلافات بين الراهب المشلوح ورئيس الدير، إضافة إلى إقدامه على محاولة انتحار باءت بالفشل مما جعل من مسألة الربط بين قرار التجريد والقتل أمرا مفروغ منه، رغم نفي الكنيسة لهذا القرار ومقتل الأنبا ابيفانيوس حيث أشارت في بيانها: «نود أن نوضح أن الراهب المجرد قد سبق أن تم التحقيق معه من قبل لجنة شئون الرهبنة والأديرة بداية العام الحالي، وصدر قرار بإبعاده عن الدير لمدة ٣ سنوات، لكن مجموعة من رهبان ديره وقعوا على التماس طلبوا خلاله العفو عنه، والإبقاء عليه بالدير، وتعهدوا بمساعدته على تغيير مسلكه الخاطئ، وقدموا الالتماس وقتها لرئيس الدير نيافة الأنبا إبيفانيوس الذي رفع الالتماس بدوره لقداسة البابا مشفوعًا بتوسل من نيافته لقداسة البابا بقبول الالتماس، وهو ما حدث، لكن- وبكل أسف- استمرت الأوضاع كما هي، ولم تتغير سلوكياته الخاطئة، ما دعا اللجنة المجمعية إلى إعادة التحقيق معه، وإصدار قرار بتجريده».

من هو الراهب «المشلوح»؟

هو وائل سعد تواضروس، يبلغ من العمر 34 عاما، تم رسامته راهبا على يد البابا شنودة في عام 2009 وذلك إبان زيارته التاريخية لدير الأنبا مقار عقب وفاة الراهب متى المسكين والذي كان يعد الأب الروحي للدير والذي كان خلافه مع البابا شنودة لا يخفى على أحد.

تعددت خلافات الراهب أشعياء مع أبيه أبيفانيوس رئيس الدير لدرجة دفع بالأخير إلى تقديم طلب للبابا تواضروس بنقل أشعياء من الدير بسبب سوء سلوكه وهو ما تم بالفعل بعد التحقيق معه من قبل لجنة مجمعية انتهى إلى نقله إلى دير الزيتونة بالعبور، إلا أن أشعياء تمكن من جمع توقيعات من زملائه تطالب بالإبقاء عليه بينهم، بلغت 45 توقيعًا، بجانب اعتذار لرئيس ديره ووعد بالعدول عن أخطائه، وهو ما قبله الأنبا إبيفانيوس وأبقى عليه على أمل التغيير وهو ما لم يحدث، الأمر الذي وصل إلى حد تجريده من الرهبنة، وبحسب قانون الرهبنة، «لا يتم تجريد راهب إلا بخروجه عن الإيمان الأرثوذكسي أو ارتكاب مخالفة لنذوره الرهبانية، وهي الطاعة والفقر الاختياري والبتولية».

الاعتراف وتمثيل الجريمة

في الـ11 من أغسطس، وقف وائل تواضروس «أشعياء سابقا»، وهو على موعد مع اعتراف جديد ولكن يختلف عن سر الاعتراف المتبع في الكنائس، فقد اعترف الراهب المشلوح بارتكاب جريمته وقام بتمثيل جريمته مستخدما عصا حديدية.

وفي هذا الإطار، قرر المستشار ناصر الدهشان، المحامى العام الأول لنيابات استئناف الإسكندرية، اليوم، حبس الراهب المجرد أشعياء المقارى، 4 أيام على ذمة التحقيقات، بتهمة قتل الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار بوادى النطرون، وأعاد المتهم تمثيل الجريمة، وسط تشديدات أمنية مكثفة، كما انتقل فريق من النيابة العامة إلى مستشفى الأنجلو أمريكان، لسماع أقوال الراهب فلتاؤس المقارى، الذي يعالج في مستشفى الأنجلو أمريكان بالزمالك، عقب محاولة انتحار فاشلة، بعدما اعترف «أشعياء» باشتراكهما في الجريمة.