سوق «الخادمات».. أجور فلكية وظلم اجتماعي في غياب القانون

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

- أسعار الخادمات تبدأ من 3000 جنيه وحتى 5000 جنيه.. والضمانات من مكتب التشغيل

- طبيب نفسي: سوء معاملة الخادمات يصنع حقد طبقي وجرائم بالمجتمع.. والإسلام ساوى بين الطبقات

- «مهران»: المهنة تفتقد لقانون ينظمها وتأمينات اجتماعية وعقود عمل.. ولا يمكن تأسيس نقابة لها

«القوى العاملة»: لا يخضعن لقانون العمل ودخول البيوت يحتاج تصريح من النيابة.. ونعد قانون لهن
 

لكل منا دُنياه ونمط حياته التي اعتاد عليها، وما تراه من منظورك محض رفاهية وترف، يراه آخرون ضرورة ملحة لا استغناء عنها - خاصة إذا كانت الزوجة عاملة ولديها أبناء - إذ تتزاحم الأعمال المنزلية، ومتطلبات الأبناء عليها، مع انشغالها بالتزامات العمل، هذا هو الحال عند الاستعانة بـ«خادمة» في المنزل وحتمية وجودها مع أسرتك.

في هذا السياق تعرض «بوابة أخبار اليوم» أسعار الخادمات المصريات والأجنبيات، والقانون الذي ينظم عملهن في مصر، وهل يخضعن لقانون العمل أم لا؟ وضمانات الاستعانة بخادمة بمنزلك، ومدى إمكانية إنشاء نقابة تدافع عن حقوقهن وتحاسب من تجاوز، ونظرة المجتمع لهن، ودوافعهن لارتكاب بعض الجرائم التي انتشرت مؤخرا في البيوت المصرية، ولاسيما حقوقهن المهدرة في مصر.

 

أسعار الخادمات

 

في اتصال هاتفي لـ«بوابة أخبار اليوم» بأحد مكاتب تشغيل العمالة المنزلية والخادمات ومربيات الأطفال، كان الرد: «يوجد لدينا خادمات مصريات وأجانب، وإذا كنت ترغب في إقامة كاملة للخادمة معك يكون الراتب للمصرية 4000 جنيه، والأجنبية 5000 جنيه، وجنسياتهم إثيوبيا، وتجيد اللغة العربية، والأجنبيات لا تعملن بنظام الـ8 ساعات فقط وهو الـPart Time وإنما إقامة كاملة، وإذا كانت مصرية وتعمل بنظام الـ8 ساعات فقط يكون الراتب 3000 جنيه».

 

أما الضمانات التي تحصل عليها هو عقد من المكتب باستلام خادمة وبنود متفق عليها، وبطاقتها الشخصية، ويحصل المكتب على عمولة بمقدار شهر لأجر الخادمة فإذا كان أجر الخادمة 5000 جنيه يحصل المكتب على هذا المبلغ، وإذا تركت العمل من حقك استبدالها من المكتب بأخرى دون دفع رسوم جديدة، وتحصل على إجازة 4 أيام في الشهر، وتوفر لها «مرتبة» أو سرير أو مكان للنوم الآدمي، وتحدد للمكتب إذا كنت تريدها لخدمة الأطفال فقط أو النظافة فقط أو كلاهما، فإذا كانت مصرية السعر لن يختلف، وإذا كانت أجنبية يكون الراتب 5.500 جنيه خاصة إذا كانت ستخرج مع الأطفال للنادي، والأجنبية لديها تصاريح عمل من الـ UN».

 

وخلال اتصال هاتفي آخر بأحد مكاتب تشغيل الخادمات، كان رد المكتب: «الخادمة تدفع لها بالجنيه المصري، ولدينا جنسيات من إثيوبيا وإريتريا، وإذا كنت ترغب في إقامة كاملة معك في المنزل يكون الراتب 4500 جنيه، والخادمة تجيد اللغة العربية، وتوفر لها مكان جيد للنوم، أما المصريات لا نقم بتشغيلهن، وتحصل على ضمانات كأوراق المكتب وصورة أوراق الـ UN الخاصة بالخادمة، إذ تحمل أوراق لجوء من الأمم المتحدة».

 

وفي اتصال ثالث بمكاتب تشغيل الخادمات، جاء رد المكتب: «المصريات لا نقم بتشغيلهن، ولدينا جنسيات من إثيوبيا وغانا، وتجيد اللغة العربية، والراتب 5000 جنيه، وإجازة 4 أيام في الشهر، والضمانات عقد من المكتب وأوراق الـ UN الخاصة بها، وأول 6 شهور من حقك استبدالها».

 

الموقف القانوني وتأسيس نقابة الخادمات

 

يقول د. أحمد مهران، أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، إن القانون المصري يعتبر الخدمة في المنازل من التابعين، نظرا لما يقوم به العامل بخدمة المتبوع من جهة وكذلك لما يعول عليه العامل من تبعية اقتصادية دون التبعية القانونية في العلاقة بين الطرفين.

 

وأضاف: «وفقا لقانون التأمينات الاجتماعية فيما يتعلق بالعلاقة بين العامل ورب العمل فإن الأساس القانوني يقوم على توافر العلاقة المشتركة التي تقوم على التبعية القانونية والاقتصادية، ويقصد بالتبعية القانونية أن يعمل تحت إشراف رب العمل وبأوامر رب العمل وفقا للوائح وقوانين محددة سلفا وأن يقدم هذا العمل مقابل أجر محدد ومعلوم».

 

وأشار أستاذ القانون العام، إلى أن الواقع فيما يتعلق بتبعية الخدم في المنازل وكذلك البوابين والطباخين أنه تربطهم برب العمل وهو المتبوع علاقة اقتصادية فقط، ولا تربطه به علاقة قانونية نظرا لعدة أسباب أهمها عدم وجود عقد عمل يحدد طبيعة العمل ومواعيده وبيانات كاملة عن الخادم، وهنا الخادم يعول على الأجر فقط دون وجود قوانين ولوائح تضبط علاقة العمل ومواعيده وحقوق كل طرف من أطراف العلاقة العقدية للعمل، وكل دور الخادم أن يقوم بأدوار الخدمة وفقا لرغبات صاحب المنزل مقابل أجر.

 

وتابع: «ويعتبر الخدم من الأمناء على الأموال التي تكون تحت أيديهم أثناء القيام بالعمل، وإذا اختلس الخادم شيئا من أموال سيده أو المخدوم يعتبر اختلاسه لهذا المال خيانة أمانة، وإذا اعتدى على صاحب العمل تكون الجريمة مشددة تستوجب تغليظ العقوبة لأنه من الأشخاص الذين يمنحهم رب العمل الثقة والأمان فتكون خيانته للثقة والأمان واعتداء على رب العمل مشتركة، فمثلا لو خادم اعتدى جنسيا على بنت أو ابن رب العمل تكون عقوبته أكبر من الشخص الغريب لو قام بذلك».

 

وأوضح أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أن خطورة عدم وجود ضمانات كاملة وقوانين تنظم العلاقة بين الخادم وصاحب العمل أنه إذا ارتكب الخادم جريمة كالاعتداء على صاحب العمل وأمواله أو الغير قد يصعب إثبات الجريمة أو تحديد هوية المتهم أو قد يصعب ضبطه والقبض عليه؛ خاصة إذا ارتكب الخادم عملا ضارا أصاب الغير يسأل عنه المخدوم أي صاحب العمل وفقا للقاعدة القانونية التي تقول مسئولية التابع عن أفعال المتبوع أي التبعية القانونية الخاصة بجبر الضرر.

 

ولفت إلى أنه من الصعوبة أن يكون للخادمات نقابة لأن ذلك يستلزم أن تكون المهنة محددة بشكل دقيق ولها قانون واضح يحدد شكل وطبيعة العمل وإجراءات تتعلق باصدار تشريع يحدد طبيعة المهنة وصفتها وأهميتها في المجتمع والضوابط القانونية المتعلقة بممارسة المهنة، كأي مهنة آخرى لها نقابة، وأن تكون هناك جمعية عمومية محددة لأفراد المهنة وهو ما نفتقده في مهنة الخدم، إذ أن البعض منهم يعمل لفترة ويترك العمل أو بشكل متقطع وعشوائي وأجر معلوم وغير معلوم، وتغيب عن المهنة الآليات القانونية، وتفتقد كل الشروط والضوابط التي تجعل منها مهنة محددة معلومة تستوجب أن يكون لأعضاء الجمعية العمومية العاملين بها نقابة.

 

وذكر أن عمل بعض الخادمات الأجانب داخل مصر بشكل غير قانوني بعد انتهاء مدة اقامتهم القانونية يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون إذ أنهم أشخاص غير مصرح لهم بالبقاء، ومن تسطيع الحكومة ضبطه يتم ترحيله وتغريمه وتغريم الشركة التي سمحت لهم بالدخول باسمها.

 

وأشار د. أحمد مهران، إلى أن الخدم يعاملوا معاملة التاجر فيما يتعلق بالأرباح، أي أن الشركة التي تشغلهم هي التي تدفع الضرائب، ويخضع لرقابة الدولة بشكل غير مباشر وعن طريق مراقبة الشركة.

 

ولفت إلى أن الأجانب الذين يأتون لمصر يجب مرروهم على الحجر الصحي بالمطار والكشف عليهن، ومن ضمن مفردات تعيين الخادمات داخل الشركات أن يقدموا شهادة طبية بأنهن غير حاملات لأي مرض.

 

الخادمات وقانون العمل

 

وقال كمال عباس، منسق دار الخدمات النقابية والعمالية، إن العمالة غير الرسمية جزء أصيل منها عاملات المنازل، وسوق العمل غیر منظم ولا يوجد به أي شكل من الضمانات القانونیة في العلاقات التعاقدیة، فالعاملة ضمن ھذا النوع من الاقتصاد قد تجد نفسها عاجلا أو آجلا في الشارع دون أدنى حمایة قانونیة.

 

وأوضح «عباس»، أن مصر بدأت مؤخرا للالتفات إلى ھذا النوع من العمل غیر المنظم إلا أن ما جاءت به من حلول حول فكرة «بولیصة تأمین» للفرد لا تجدي شيئا، نظرا لضعف قیمتھا بالإضافة إلى عدم توفیر حمایة حقیقیة من خلال تطبیق لمعاییر العمل.

 

وأكد أن السمة العامة للعاملات بالمنازل ھي عدم الخضوع لقانون العمل، وبالتالي غیاب عقد العمل أو مظلة التأمینات الاجتماعیة، ورغم أن حجمھن في القطاع غیر الرسمي في تزاید مستمر، وتعتبر عاملات المنازل إحدى فئات القطاع غير المنتظم، والمستثنى من قانون العمل الحالي رقم 12 لسنة 2003، وكذلك مشروع قانون العمل الجديد الجاري مناقشته في البرلمان.

 

وأضاف منسق دار الخدمات النقابية والعمالية، أن القانون الجديد استثنى فئة خادمات المنازل أي «مهنة العمل المنزلي» رغم اعتراف اتفاقیات العمل الدولیة بھا كمھنة وبمن یزاولھا مثل العاملات بالقطاع الرسمي.


لا رقابة على مكاتب الخادمات
 

وقال هيثم سعد الدين، المتحدث الإعلامي باسم وزارة القوى العاملة، إن الوزارة غير معنية بمكاتب التخديم التي توفر خادمات للعمل داخل المنازل، مؤكداً أنهن غير مدرجات في قانون العمل حتى الآن.

 

وأضاف: «لا يمكن الرقابة على مكاتب الخادمات ولا نستطيع توجيه أي عقوبة، كما أن الوزارة غير مسموح لها بدخول المنازل وتفتيشها للبحث عن خادمة تعمل بها، لأن ذلك يتطلب عدة شروط أهمها الحصول على أمر من النيابة».

 

وأكد أن الوزارة تمنح تصاريح فقط للأجانب بهدف العمل داخل مصانع أو شركات في مهن ووظائف لا تتوافق مع العامل المصري، أما تصاريح العمل داخل المنازل فتمنحها وزارة الاستثمار والتعاون الدولي.

 

وكانت وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، قد أعلنت أنها تمنح الشركات الاستثمارية فقط تصاريح لاستقدام خادمة أو تابعة، وذلك في حالة المستثمرين الذين تتبعهم خادمة وفقاً للقانون والقواعد، وذلك بالتعاون مع وزارة الداخلية لإصدار تأشيرات وجواز سفر لهن بجانب منحهن تصاريح للإقامة داخل البلاد وتجديدها في حالة انتهاء مدتها.

 

وأوضحت الوزارة أنه ليس من اختصاصها منح مكاتب التخديم تصاريح لاستقدام خادمات أجنبيات، كما أنه ليس لها دور في الرقابة على مثل تلك المكاتب.

 

«القوى العاملة»: نعد قانون للخادمات

 

وكشف إيهاب عبد العاطي، مستشار وزير القوي العاملة، أن الوزارة قاربت على الانتهاء من مشروع قانون مستقل لتنظيم عمل الخادمات، مؤكدا أن خادمات المنازل لهن ظروف وأوضاع خاصة وسيصدر لهن قانون خاص لتنظيم عملهن خاصة أنه طبقا للقانون فإن المنازل لها حرمة ولا يتم تفتيشها إلا بإجراءات، موضحا أن القانون المدني هو الحاكم في علاقة صاحب المنزل بعاملات المنازل.

 

طبيب نفسي: هذه أسباب جرائم الخادمات

 

وقال الدكتور أحمد هلال، طبيب نفسي، إن الخادمة تكلف صاحب العمل أكبر من راتبه الذي يتقاضاه، وفي الدول المتقدمة كاليابان كل فرد يخدم نفسه بنفسه، ويجب على من يأتي بخادمة أن يعاملها معاملة حسنة كأنها ابنته، ولا ينظر لها نظرة دونية، أو يستغلها جنسيا، أو يجعلها تنام على الأرض في المطبخ، وإذا فعل رب المنزل ذلك يحدث حقد طبقي على تلك الأسرة التي تراهم يأكلون وهي جالسة بعيدا تنتظر الفتات وينادونها بـ«يا بت».

 

وتابع: «إذا تم معاملة الخادمة معاملة حسنة فلن نجد لديها حقد أو محاولة لتخريب البيت، وكان هناك خادمة بمنزل تركوا لها طفل رضيع وكل حين وآخر يبكي على أمه فكانت الخادمة تجعله يشم غاز الأنبوبة حتى ينام ولا يبكي، وجرائم كثيرة بالمجتمع من الخادمات سببها الحقد الطبقي، لأن سيدة المنزل لا تساعد في الأعمال المنزلية وتجلس "هانم"، والخادمة تحقد عليها لأنها من تقوم بكل الأعمال المنزلية، ويجب على الأبناء تعلم المهارات الاجتماعية من الوالدين، ونحتاج للتخلص من تلك الثقافة».

 

واختتم: «قال الإمام جعفر الصادق بن سيدنا الحسين لا يزال المرء في رضا الله حتى يُخدم، فإذا خُدم وجب عليه الحساب، وأتفق مع مطالب الخادمات بتغيير اسمهم لمديرة منزل لأن الإسلام كان يُسمي الخادم فلان مَولى بني فلان، وسيد القوم خادمهم، وإخوانكم في الدين ومواليكم، وكلمة مولى تطلق على الخادم والسيد في اللغة حتى يصنع الإسلام عدالة بين الطبقات الاجتماعية».