الأزمة مستمرة| «هجوم الثعابين».. تعددت الأسباب والحلول غائبة

الأزمة مستمرة| «هجوم الثعابين».. تعددت الأسباب والحلول غائبة
الأزمة مستمرة| «هجوم الثعابين».. تعددت الأسباب والحلول غائبة

مؤسس «القومي للسموم»: «ارتفاع درجة الحرارة وقتل الكلاب والبناء بالصحراء».. أبرز الأسباب

«البيئة»: لازلنا ندرس الظاهرة ونعد توصيات علمية لمكافحتها.. وننصح الأهالي بتجنب الثعابين

«الزراعة»: ليس لدينا إمكانات لمكافحتها والمصل يشكل خطورة على صحة الإنسان.. وهذه طرق المواجهة

«الصحة»: التوجه للوحدات الصحية حال الإصابة.. ولدينا اكتفاء ذاتي لمدة عامين من الأمصال   

 

انتشرت مؤخرا ظاهرة مهاجمة الثعابين لعدد من قرى محافظات البحيرة، والمنوفية، والشرقية، وأخرها القليوبية، ما أصاب الأهالي بحالة من الهلع والذعر، مخلفة أعداد من القتلى وعشرات المصابين، ولجأت المحافظات إلى مواجهتها بالبيض المسموم، وأمعاء الحيوانات المسمومة، ولاسيما الاستعانة بأبناء الطريقة الرفاعية لاصطيادها، لكن ذلك كله لم يقضي على المشكلة بشكل كامل، وتستمر الثعابين في مهاجمتها للأهالي مسجلة لدغات تتزايد أعدادها يوما بعد يوم.


في هذا السياق ناقشت «بوابة أخبار اليوم» عددا من الخبراء لمعرفة أسباب انتشار الظاهرة، وكيفية مكافحتها، ونعرض لاستعدادات وزارتي البيئة والصحة لمواجهة تلك الأزمة.


المشكلة والحل


في البداية يقول د.محمود محمد عمرو، مؤسس ومستشار المركز القومي للسموم بجامعة القاهرة، إن ظاهرة انتشار الثعابين تعد قديمة وليست هذا العام فقط، وإنما ما زاد هو وعي الناس وقدرتهم على توصيل صوتهم وشكواهم لوسائل الإعلام، موضحا أن هياج الثعابين في فصل الصيف شيء موجود ومعروف، والبيات الشتوي لها أيضا، ولدغ الثعابين في فصل الصيف يكون أكثر وأعلى عن باقي الفصول، وزادت مهاجمة الثعابين للقرى وخروجها من جحورها بالتزامن مع ارتفاع درجة الحرارة.


وأوضح في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن الثعابين من ذوات الدم الحار يعيشوا في درجة الحرارة العالية ويتكاثروا ويخرجوا من جحورهم بحثا عن الطعام والشراب، وبالتالي يتعاملون إما مع مجتمع حيواني مثل الفئران سيأكلها، أو مجتمع إنساني يعتدي على الثعبان ويقتله لأنه خائفا منه.


ولفت مؤسس ومستشار المركز القومي للسموم بجامعة القاهرة، إلى أن هذه المشكلة ترجع إلى وجود خلل في التوازن البيئي بين الإنسان والكائنات الأخرى، وبين الكائنات الحية وبعضها، فإذا زادت الفئران في مكان فلابد أن القطط عددها قليل للغاية، وبالتالي أحد أسباب زيادة الثعابين هو قتل الكلاب في تلك المناطق، إذ تتغذى الكلاب على الثعابين، كما القطط والذئاب والقرود والحيوانات المتوحشة المفترسة، لأن الثعبان العدو اللدود لها، وبالتالي حدث خلل في التوازن البيئي.


وذكر د.محمود، أن التوسع في البناء والعمران بالمدن الجديدة بالصحراء؛ أدى لظهور الثعابين بشكل كبير، فمثلا منطقة التجمع كان بها الثعابين من البداية وعند الحفر وإنشاء المدن تتحرك الثعابين بحثا عن المناطق التي لا يوجد بها إنشاءات وأثناء عملية التحرك ستقابل السكان، وأكثر ما يصادف ذلك العاملون في الإنشاءات والبناء في المدن الجديدة.


وتابع مؤسس ومستشار المركز القومي للسموم بجامعة القاهرة: «مكافحة الثعابين ليست البيض المسموم فقط، وليس حراما قتلها خشية الإخلال بالتوازن البيئي، ولابد أن نستخدم الأكل المفضل للثعابين ونضع بها السموم وتوضع في الجحور بطريقة فنية تغري الثعابين».


وأضاف أن الاصطياد أحد الحلول الفعالة أيضا، مستشهدا بتجربة دولة الصين في اصطياد العصافير التي كانت تلتهم حوالي 15% من إنتاج القمح، وبعد عام أصبحت تلتهم 30% من القمح فلجئوا إلى تشجيع المواطنين على اصطياد العصافير نظير «1 يوان» لكل 5 عصافير يتم اصطيادها، وأقدم الصينيون على اصطيادها كأنها بيزنس، فإذا شجعنا الشباب ممن لديهم خبرة على اصطياد الثعابين نظير مبلغ مالي سيقومون باصطيادها، وإذا ما أصيب أحد منهم لدينا المصل متوفر.


وأشار د.محمود، إلى أن لدغات الثعابين يتم مواجهتها بمصل ترياق الثعبان «سناك فينم فاكسين» من إنتاج محلي، ويقضي على لدغات الثعبان إذا أخذ الجرعة في الوقت المناسب ولا يزيد الفارق الزمني للدغ والعلاج عن ساعتين ويكون الجزء الذي أصيب باللدغ «مربوط».


في سياق متصل قال د.وفيق نصير، عضو البرلمان العالمي للبيئة، لـ«بوابة أخبار اليوم»، إن تغير المناخ يعد أحد أسباب هجوم الثعابين على أهالي القرى في الوقت الحالي، خاصة إذا تم هدم أوكارها وتهديدها، فتلجأ إلى أقرب مأوى، وتلدغ الضحية لإيمانها أنه السبب في هدم أوكارها.


وأوضح أن الثعابين قد تتحول لأكثر عدوانية علي الإنسان أو على بعضها إذا حضرت بكثرة، لافتًا إلى ضرورة الابتعاد عن مأوى الثعابين، وتجنب المناطق والبؤر المتواجدة بها لحماية الإنسان من أضرارها.


«الزراعة»: لسنا مختصون.. وهذه خطورة المصل


وقال د.ممدوح السباعي، رئيس الإدارة المركزية لمكافحة الآفات والحشرات بوزارة الزراعة، إن الثعابين والأفاعي ترتفع درجة حرارتها في النهار، وبالتالي تحتاج بشكل متواصل للمياه وتبحث دائما عن الرطوبة وتجد في الأماكن الزراعية الرطبة ومواقع الصرف الصحي ملاذا لها من أجل ترطيب جسدها من الحر الشديد.


وأضاف أن بعض الأفاعي من الزواحف شديدة الخطورة على حياة الإنسان لكنها جبانة وحركتها «السامة» بطيئة لذلك يجب الهدوء وعدم الاقتراب منها أو محاولة قتلها، والابتعاد عنها عند رؤيتها، مشيرا إلى أن الحرارة المرتفعة تحفز خروج الثعابين والأفاعي والعقارب من جحورها وأماكن معيشتها واختبائها حيث تخرج لالتقاط الفريسة.


وأوضح السباعي، أن هناك صعوبة في التخلص منها، مثلما حدث في بعض القرى والمراكز بوسط وغرب الدلتا وإصابة العديد من المواطنين خلال الأيام الأخيرة.


وحول إجراءات مواجهة خطر الثعابين يوضح رئيس الإدارة المركزية لمكافحة الحشرات، إنه يتم من خلال حقن البيض بمادة سامة لمواجهة الثعابين السامة، ووضع البيض في الأماكن المحتمل أن تكون أوكارا تختبئ بها تلك الثعابين بالإضافة إلى توعية الأهالي وتحذيرهم لتوخي الحيطة والحذر وعدم تعرضهم للبيض السام حرصاً على سلامتهم، ورفع حالة الطوارئ بالوحدات الطبية والمستشفيات في المراكز المعرضة لهجوم الثعابين لمواجهة أي حالات تسمم.


وأشار إلى أنه يجب التنسيق مع مراكز السموم بكليات الطب بالمحافظات لاستقبال أية حالات تتعرض للتسمم، كما يجب الاستعانة بصائدي ثعابين متخصصين، مفجراً مفاجأة بأن المصل في أحيان كثيرة يكون أكثر خطورة من اللدغة ذاتها، وتنتج عنه حساسية قاتلة لذلك لا يعطى مباشرة وإنما يجب أن يخضع الشخص الملدوغ للملاحظة فإن ظهرت عليه أعراض عصبية مثل تشنجات، وفقدان وعي، وصعوبة تنفس، وضعف عضلات؛ يعطى المصل، ولخطورة المصل الكثير من الأطباء وأعضاء هيئة التمريض يخشون إعطائه بأنفسهم ويفضلون تحويل الحالات إلى مركز السموم.


وأوضح د.ممدوح السباعي، رئيس الإدارة المركزية لمكافحة الآفات والحشرات بوزارة الزراعة،، أن المصل يتم تحضيره من دم الخيول بعد حقنها بسم الثعبان، أو من دم الأغنام الذي يسبب حساسية أقل من تلك التي يحدثها المصل المحضر من دم الخيول، ولذلك لابد من إجراء اختبار الحساسية قبل إعطاء المصل، ولكن أيضًا هذا الاختبار لا يضمن السلامة تماما لأن الجسم يمكن أن يتأثر بالكمية الكبيرة من المصل بعد الحقن، وبصفة عامة 15% فقط من الثعابين تكون سامة وثعابين الأرض الزراعية سمها ضعيف ويجب التأني قبل المخاطرة بتلقي المصل.


وعلى جانب آخر، أكد د.حامد عبد الدايم، المتحدث باسم وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، أن مسؤولية مكافحة الثعابين ليست مسؤولية الزراعة بل هي مسؤولية البيئة.


وقال د.إبراهيم محروس، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، إن قيام الموطنين في القرى بحرق الحشائش على حواف الترع والمصارف التي تختبئ بها الثعابين سبب في هروبها من جحورها وهياجها.


وأضاف أن وزارة الزراعة ليس لديها الطرق العلمية والأدوات التي تمكنها من مكافحة الثعابين وان هذه الأدوات تمتلكها إدارة الزواحف والحياة البرية بوزارة البيئة.


«الصحة»: لدينا اكتفاء من الأمصال


وناشدت وزارة الصحة المواطنين، بسرعة بالتوجه لأقرب وحدة صحية أو سيارة إسعاف، في حالة ظهور أي أعراض لدغ الثعابين على الأهالي دون إجراء أي إسعافات في المنزل.


وشددت على ضرورة نشر نبات الشيح في أماكن تواجدها وتواجد الحيوانات، مع النظافة المستمرة للبيئة والتخلص من الأحراش والخوص ونظافة أماكن بنيات الحمام وأماكن الصرف الصحي وقنوات المياه.


وكشف د.علاء عيد، رئيس قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة والسكان، عن اكتفاء مصر ذاتياً من الأمصال المتعلقة بالتعامل مع حالات لدغ الثعابين، مهما اختلف عمرها السني، مشيراً إلى أن الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات «فاكسيرا»، المملوكة للدولة، تعمل على إنتاج تلك الأمصال، وتوفر كل احتياجاتنا دون الحاجة لاستيراد أي جرعات من الخارج.


وأضاف رئيس قطاع الطب الوقائي، أن الوزارة تتعاون مع «فاكسيرا» في توفير أي احتياجات لها من أمصال لدغات الثعابين، والعقارب، وعدد من الأمصال المختلفة، مشيراً إلى أن كل مديريات الشئون الصحية بمختلف محافظات الجمهورية تتوافر بها كميات كافية من تلك الأمصال.


وعن الاحتياطي الاستراتيجي الموجود لدى الوزارة من «أمصال الثعابين»، قال «عيد» إنه احتياطي يكفى لمدة عامين كاملين، مشيراً إلى أن محافظات مصر بصفة عامة لا ينتشر بها بشكل كبير حالات لدغ الثعابين، وحال حدوث أي إصابات فإن مستشفيات الوزارة جاهزة للتعامل معها على الفور.


وأوضح رئيس «الطب الوقائي» أن الوزارة سجلت وفاة حالتين فقط من لدغات الثعابين خلال الشهر الماضي بمحافظة المنوفية، رغم انتشار حالة هلع بين أهالي إحدى المحافظات بشأن ظهور تلك الثعابين، مشدداً على أن الوفاة لم تكن لعدم توافر الأمصال، ولكن لأن الحالة الأولى ذهبت لصيدلية لأخذ مسكن بعد لدغها، ولم تتوجه للمستشفى إلا في حالة متأخرة للغاية، والحالة الأخرى وصلت المستشفى وهى متوفاة بالفعل، وتم شفاء 10 حالات.


«البيئة»: لازلنا ندرس الظاهرة


وقال د.محمد سالم، رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجي بقطاع حماية الطبيعة التابع لوزارة البيئة، إن أسباب تفشي ظاهرة الثعابين في مناطق الدلتا اختفاء القوارض الصغيرة التي كانت تتغذّى عليها الأفاعي، وانقراض الطيور الجارحة كالنمس المصري الذي يعد أحد أهم الكائنات التي كانت تنمو عليها.


وأكد أن عملية المقاومة يجب ألاّ تهتم بالثعابين التي استفحلت وأصبحت تمثل خطورة على البشر، بقدر ما يجب أن تهتم في المقام الأول باستكشاف أماكن تكاثرها ووضع بيضها، فمن هنا تبدأ المقاومة الصحيحة.


وشدد رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجي بقطاع حماية الطبيعة، على أن المشكلة ليست حديثة، لأن أحجام الثعابين التي نراها تتعدى أعمارها العشر سنوات، وعندما يكبر سنه يصعب افتراسه ويستطيع أن يدافع عن نفسه.


ولفت إلى أن المشكلة قديمة، لكنها ظهرت مع استفحال أحجامها إلى جانب بدء احتكاكها بالبشر بشكل أو بآخر، لافتًا إلى أن أمريكا وأستراليا كانتا في مقدمة الدول التي عانت من الظاهرة.


وأكد سالم ، أن عمليات بحث الظاهرة لا تستهدف القضاء عليها؛ لأنها أحد أهم مكونات النظام البيئي والقضاء عليها يترتب عليه مشاكل أخرى أكثر خطورة من وجودها، موضّحًا أنها نفس الفكرة التي يجب أن نعلمها جيدًا، فمثلما هناك كائنات تتغذى على الثعابين وعدم وجودها يتسبب في أزمة غير طبيعية، هناك كائنات تتغذى عليها الثعابين وعدم وجود الأفاعي سيتسبب في أزمة لا تقل خطورة عن الراهنة.


واختتم رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجي بقطاع حماية الطبيعة، بأنهم في انتظار تقييم الظاهرة من قبل اللجنة المشكّلة، لإعداد توصيات علمية للجهات المعنية بكيفية التعامل مع الظاهرة، والإجراءات المثلى التي يجب اتخاذها على الفور، ناصحًا المواطنين بعدم الاحتكاك بها، حتى لا تؤذيهم، مؤكدًا أن الثعابين لا تتعرض للبشر ما لم يتعرضوا لها؛ لأنه لا يتغذي على لدغة الأهالي، وإنما يدافع عن نفسه فقط.