هكذا تختلف معصية المؤمن عن الفاجر

صورة موضوعية
صورة موضوعية

يغفل البعض عن التجاوزات الخاصة به في الدنيا، والتي أحيانا تكون معصية وذنبا كبيرا، إلا أن وقعها على المؤمن يختلف عن العاصي.


وورد عن الحارث بن سويد قال: حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حديثين: أحدهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والآخر عن نفسه، قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه» فقال به هكذا، قال أبو شهاب رضي الله عنه: بيده فوق أنفه.

وأوضحت دار الإفتاء المصرية، أن في هذه الموعظة الواردة عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يبين وقع المعصية على كل من المؤمن والفاجر؛ وأنها ثقيلة على المؤمن ثقل الجبل الذي يخشى من ثقله إذا وقع، وهي خفيفة على الفاجر خفة ذباب يقع على الأنف وسرعان ما يغادرها.

- لماذا تختلف مع المؤمن عن العاص؟
وتساءلت الإفتاء، لماذا كانت المعصية بهذا الثقل والاهتمام باجتنابها عند المؤمن في حين هي بهذه الخفة والاستهتار عند الفاجر؟

واستشهدت بإجابة الإمام ابن أبي جمرة -شارح صحيح البخاري- بقوله: «السبب في ذلك أن قلب المؤمن منور فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه عظم الأمر عليه».

و«الحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه، بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة».

و«المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان، فلا يأمن العقوبة بسببها، وهذا شأن المسلم أنه دائم الخوف والمراقبة، يستصغر عمله الصالح ويخشى من صغير عمله السيء».

أما بالنسبة للفاجر: «فالسبب في ذلك أن قلب الفاجر مظلم فوقوع الذنب خفيف عنده، ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول هذا سهل».

وورد في هذا رأي العلامة المحب الطبري بقوله: «إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته؛ لأنه على يقين من الذنب، وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة بالله؛ فلذلك قل خوفه، واستهان بالمعصية».

و«في المقابل فإن من مقتضيات تلك الصفات عند المؤمن والفاجر أن قلة خوف المؤمن ذنوبه وخفته عليه يدل على فجوره».

- كيف يحافظ المؤمن على نفسه من المعاصي؟

وطرحت «الإفتاء» سؤالا آخر في هذه المسألة، وهو إذا كان الأمر كذلك فما الموقف السليم للمؤمن تجاه ما يمكن أن يقع فيه من المعاصي؟، مستشهدة بإجابة الإمام ابن بطال -شارح البخاري- بقوله: «يؤخذ منه أنه ينبغي أن يكون المؤمن عظيم الخوف من الله تعالى من كل ذنب صغيرا كان أو كبيرا؛ لأن الله تعالى قد يعذب على القليل؛ فإنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وتعالى».

و«جاءت روايات تحذر من الاستهتار بالمعصية؛ حتى ولو كانت صغيرة»؛ فقد روى أحمد وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «يا عائشة، إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله عز وجل طالبا» وعن ابن مسعود مرفوعا: «إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه».

وقال أنس رضي الله عنه: 

«والله، إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الموبقات».

وكان الإمام أحمد بن حنبل يمشي في الوحل ويتوقى، فغاصت رجله فخاض، وقال لأصحابه: «هكذا العبد لا يزال يتوقى الذنوب فإذا واقعها خاضها».