قمة مصرية سودانية بالخرطوم.. العلاقات رءومات

 الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس السوداني عمر البشير
الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس السوداني عمر البشير

من منطلق إحساسها بالمسئولية ومبادرتها بمد يد العون؛ لجميع أشقائها في جميع أقطار القارة الإفريقية، تتحرك مصر في مختلف الاتجاهات للمساهمة في وضع حلول للأزمات التي تشهدها المنطقة، وظهر ذلك جليا خلال الفترة الماضية، فالإدارة السياسية الحالية رسمت لنفسها منهج لحماية الأمن القومي العربي بمساعيها الدءوبة في حل أزمات مشتعلة تتداخل فيها أطراف تسعى للهدم أكثر من البناء..


وبحكم أن مصر لديها من الثقل والمصداقية والتوازن في علاقاتها مع مختلف أطراف الأزمات المهمومة بها؛ مثل دول الصراع؛ ودول إفريقيا كجنوب وشمال السودان، فذلك يمكنها من طرح مبادرات ووضع حلول تلقى الاهتمام من فرقاء الأزمة..


قمة مصرية - سودانية


واليوم؛ يزور الرئيس عبد الفتاح السيسي، دولة السودان الشقيقة في زيارة تستغرق يومين، لعقد قمة مصرية - سودانية بين البلدين، وهى الزيارة الأولى له للخرطوم بعد إعادة انتخابه مؤخرا لولاية ثانية.
وبالتزامن مع زيارة الرئيس السيسي إلى الخرطوم، يستعد طرفا الصراع في جنوب السودان لتوقيع اتفاق لتقاسم السلطة في البلاد، اليوم الخميس، يعقبه توقيع إعلان نهائي مشترك لإنهاء الحرب الأهلية الدائرة منذ خمس سنوات في البلد المستقل حديثا عن السودان، ويأتي ذلك في إطار الوساطات العميقة والفاعلة لرعاية السلام وإنهاء النزاعات ومحاصرة بؤر التوتر والإرهاب، بعد أن نجحت الجهود المصرية في إحراز تقدم كبير في مسار الصراع الدائر على تقاسم السلطة في جنوب السودان، بين الرئيس سيلفا كير ميارديت ونائبه رياك مشار.


جهود مصر المتواصلة لاستعادة الاستقرار في جنوب السودان، نجحت خلال شهر نوفمبر من العام الماضي، في رعاية التسوية الخاصة بتوحيد الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، بشقها الحكومي الذي يتزعمه سيلفا كير، ومجموعة القادة السابقين ومنهم رياك مشار، وجرت مراسم توقيع إعلان توحيد الحركة في القاهرة، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس الأوغندي يوري موسيفيني..


وربما ما يدفع مصر لتحمل المزيد من المسئولية تجاه قضايا القارة، تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي لعام 2019، حيث يعد ذلك الحدث نقلة كيفية في علاقتها بالقارة الأفريقية من حيث الشكل والمضمون، حيث أن مصر هي الدولة الثانية في إقليم شمال أفريقيا التي تترأس الاتحاد بعد ليبيا التي تولت رئاسة الاتحاد لعام 2009، وتعكس هذه الخطوة إلى حد كبير تنامي التأثير المصري على مستوى المنظمة القارية الأهم، وهي الأكثر تأثيرا في أفريقيا، خاصة بعد تفعيل الاهتمام المصري بالمنظمة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.


ترحيب رسمي وشعبي


السفير أسامة شلتوت سفير مصر لدى السودان؛ قال في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية، أن الزيارة المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسي للخرطوم تحظى بترحيب رسمي وشعبي كبير في ضوء خصوصية العلاقات التاريخية والأزلية والإستراتيجية بين مصر والسودان، مشيرا إلى أن القمة ستناقش العديد من القضايا المتعلقة بدعم العلاقات الثنائية بين البلدين والتعاون المشترك بينهما في كافة المجالات، إلى جانب مناقشة العديد من القضايا الأفريقية والعربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.


وأوضح شلتوت، أن حرص الرئيس السيسي على أن تكون أولى زياراته الخارجية في أعقاب ولايته الثانية لرئاسة مصر للسودان، إنما تعكس عمق العلاقات بين البلدين، منوها إلى أن زيارة الرئيس السيسي الأولى عقب ولايته الأولى كانت للسودان أيضا.


تجاوز الخلافات


فتحي حسن عثمان الصحفي والناشط في منظمات المجتمع المدني، قال في تصريحات خاصة لـ «بوابة أخبار اليوم» عبر الهاتف من العاصمة الخرطوم - إن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للسودان في هذا التوقيت تكتسب أهمية خاصة في أعقاب حالات الشد والجذب حول ملف مياه النيل وبناء سد الألفية الإثيوبي وانهيار التفاوض بشأنه أكثر من مرة، ثم من بعد تجاوز هذه الخلافات عبر جلوس رئيسي البلدين مصر والسودان إلي جانب جلوس مديري الأمن والمخابرات في كلا الدولتين وطي كثير من الملفات الخلافية وإيجاد صيغة للتفاهم.


وأوضح عثمان، أن الزيارة تأتي أهميتها أيضا لما تشهد منطقة القرن الإفريقي من تطورات في ظل ذوبان جمود الخلافات بين إثيوبيا وإرتريا وعودة العلاقات بين الدولتين، كما تشهد المنطقة تطور لافت وهو نجاح الوساطة السودانية في وساطتها بين فرقاء جنوب السودان بعد أن عهدت دول الإيجاد للسودان بالإمساك بهذا الملف لكون السودان الدولة الأم التي انفصل عنها جنوب السودان وهي الأعرف بتعقيدات واقعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي بخلاف وجود مصر في هذا الملف.


وأشار عثمان، إلى أن الإجماع الذي تشهده منطقة القرن الإفريقي في الفترة الراهنة، وعودة السلام وعلاقات التعاون بين كافة مكوناته، لهو أمر ذو فائدة عظيمة لمصر، لأنه يمثل عمق أمني واستراتيجي كبير لها، مضيفا أن حضور الرئيس عبدالفتاح السيسي لهذا المحفل يعكس أهمية الحدث وهو التوقيع على وثيقة الاتفاق بين فرقاء جنوب السودان، ومن الواضح أن العلاقات السودانية المصرية تشهد تطور في ظل رغبة الطرفين مصر والسودان في المضي بها قدما إلي آفاق أرحب على الرغم من وجود بعض العقبات والملفات العالقة بين البلدين.

 


الأمن والمياه
السفير/ إبراهيم الشويمي، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الإفريقية
، قال في تصريحات خاصة لـ «بوابة أخبار اليوم»، إن أهمية زيارة الرئيس السيسي تأتي تأكيدا على العراقة الخاصة التي تحملها العلاقات المصرية - السودانية، وللتأكيد أيضا على وضوح الرؤية في المسائل السياسية والأمنية وملف المياه؛ ومختلف العلاقات الثنائية بين البلدين، مشيرا إلى أن الرئيس السيسي حرص منذ توليه مقاليد البلاد في فترته الأولى على التأكيد للرئيس البشير أهمية العلاقات مع السودان وأهمية أن تكون قريبة متجاوزة لكل المشاكل؛ متطلعة لطموحات البلدين، ليأتي اليوم ليؤكد على هذا المفهوم مجددا مع ولايته الثانية لحكم مصر.
ولفت الشويمي، إلى أن ملفي الأمن والمياه سيكونان من أبرز الملفات الحاضرة على طاولة مباحثات الرئيسين، خاصة تلك المتعلقة بالترتيبات الأمنية المتعلقة بالملف الليبي، في ظل الاضطرابات التي تعاني منها وتأثيرها على التشاد والسودان بحكم أنهما دول جوار، أما ملف المياه، فإن أزمة سد النهضة ستكون حاضرة للتعرف على توجهات رئيس الوزراء الأثيوبي الجديد، في ظل أنها تبشر بأن تكون إيجابية ومتفاهمة، وبحث كيفية الاستفادة من التفكير الجديد لإثيوبيا مع حكم جديد، ليكون في صالح مصر والسودان.

 


أواصر دم
والعلاقات بين مصر والسودان تتسم بإرث تاريخي وأواصر دم ومصاهرة تتجاوز العلاقات السياسية بين البلدين مهما اختلفت وتغيرت الأنظمة الحاكمة فهي علاقة أزلية تربط بين شعبي وادي النيل في مصر والسودان، وتحرص مصر دومًا على إقامة علاقات تدعم أواصر التعاون في شتي المجالات بالنظر إلي ما يربط البلدان من وحدة الأهداف والمصير.


وتوصف العلاقات بين مصر والسودان بأنها أزلية ومتشعبة في كل الاتجاهات والمجالات ويزكي هذه العلاقات ويدعمها أن البلدين يجري فيهما شريان واحد، يمد كل منهما بالحياة متمثلاً في نهر النيل؛ الذي يمثل لهما مرتكزا وأساسا قويا للعديد من مشروعات التعامل، كما أن هناك صلة نسب ومصاهرة ودم بين البلدين والسواد الأعظم من أهالي أسوان ترجع جذورهم إلى السودان.