تستثمر آلام الناس لتحقيق أرباح خيالية.. 

ملف خاص| تجارة الأعضاء البشرية.. «إمبراطورية» عالمية عاصمتها الإنترنت

الإنترنت سوق رائجة لتجارة الأعضاء البشرية
الإنترنت سوق رائجة لتجارة الأعضاء البشرية

•    مصر قِبلة الباحثين عن أعضاء بديلة.. وأكثر البائعين شباب


•    صفحات للسماسرة على «فيسبوك» للترويج.. وأغلب الزبائن من الخليج 

 

«أنا مواطن من مصر لدي ديون كثيرة ولدي بنتين ومرتبي لا يكفى أريد أن أبيع كليتي، وفصيلتي O-VE ورقم تليفوني...»، «أنا شاب في الـ25 من عمري لم أوفق في حياتي، أحاول جاهدا أن أنجح، أرغب في بيع كليتي لكي أستطيع أن أمتلك مشروعًا صغيرًا يعيلني وأسرتي الصغيرة، ورقم تليفوني ...».. عينة من الجُمل الصادمة والمفزعة التي انتشرت مؤخرا في الفضاء الإلكتروني، والتي دائما ما تجدها على مواقع التواصل الاجتماعي وأشهرها «فيسبوك» أو مواقع التسوق الإلكتروني.

 

الإعلانات السابقة لمواطنين يريدون بيع أعضائهم البشرية بمقابل مادي للحصول على لقمة عيشهم وما يعينهم على نفقات الحياة، وأغلب الضحايا شباب لم يتخطوا منتصف العقد الثالث من أعمارهم، لكن القاسم المشترك بينهم أنهم «فقراء»، كما يتوجه الخليجيون إلى الصفحات المصرية لطلب شراء أعضاء بشرية بمبالغ مالية باهظة.

 

مصر الأولى بالمنطقة

وتشير الأرقام والإحصائيات الرسمية الصادمة عن ظاهرة تجارة الأعضاء البشرية في مصر، إلى أنها تحتل المركز الأول على دول الشرق الأوسط في تجارة الأعضاء، ووصفتها مجلة «نيويورك تايمز» الأمريكية في إحصاء أجرته ديسمبر 2016 بأنها مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية.

 

وفي إحصائية ودراسة مفزعة أجراها «التحالف الدولي لمكافحة تجارة البشر» منتصف العام الماضي، أكدت أن مصر تحتل المركز الثالث عالميًا في تجارة وزراعة الأعضاء البشرية، بعد الهند والصين، مشيرة إلى أنها تشهد سنويًا 1500 عملية زراعة أعضاء غير قانونية.

 

وقدر المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تجارة الأعضاء البشرية بأنها تتجاوز آلاف العمليات سنويا.

 

وتشير تقديرات الأمم المتحدة ومنظمات صحية عدة، إلى أن مصر تندرج ضمن الدول العشر الأولى بين الدول الأكثر رواجًا  لتجارة الأعضاء، وأرجعت المنظمة الدولية اضطرار مئات المصريين لبيع أعضائهم لاسيما الكلى والكبد إلى الفقر والديون.

 

«التبرع».. باب خلفي للإتجار يحميه القانون

 

أما الموقف القانوني لـ«تجارة الأعضاء البشرية في مصر» فينظمه القانون رقم 5 لعام 2010 وتعديلاته، ونص على إباحة التبرع بالأعضاء من الأموات إلى الأحياء، مع منع الإتجار بالأعضاء البشرية منعا باتا، ومن تثبت عليه هذه التهمة يتعرض لعقوبة تصل إلى السجن المؤبد وغرامة تصل لمليوني جنيه، فضلاً عن العقوبات الإدارية التي توقع على المستشفيات والأطباء، لكن القانون يبيح التبرع بالأعضاء، على أن يكون المتبرع قريبا من الدرجة الرابعة للمريض، أو غير ذلك إذا اقتضت الضرورة، وهو ما يعد الباب الخلفي لتجارة الأعضاء.

 

«الصحة»: العمليات مقننة

 

ودائما ما تؤكد وزارة الصحة في بياناتها، أن عمليات زراعة الأعضاء في مصر تتم في إطار قانوني وفي المستشفيات المرخص لها بذلك، وبعد تسجيل المتبرع لعقد تنازل رسمي في الشهر العقاري للتأكد من عدم وجود شبهة للإتجار.

 

إعلانات تجارة الأعضاء

 

ورصدت «بوابة أخبار اليوم»، أبرز عروض تجارة الأعضاء في الفضاء الإلكتروني من قبل الشباب الراغبين في بيع أعضائهم بسبب الحاجة المادية، أو الراغبين في شراء أعضاء بشرية لهم أو لذويهم بمقابل مادي، كما يمتد الأمر لبيع الدم وانتشار السماسرة على صفحات «فيسبوك»، كما يعرض سوريون وسودانيون متواجدون بمصر أعضائهم البشرية للبيع، فضلا عن عروض خليجية لشراء أعضاء بشرية.

 

«هموم نت»

البداية كانت في موقع «هموم نت»، والذي تطلقه الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بمبادرة منها، وجاءت رسائل الأعضاء للموقع كالآتي:

 

كتب «حمادة.ع» من محافظة كفر الشيخ، 23 عاما: «أنا محتاج فلوس ضروري لأني بجد عليا ديون كثيرة ولا أستطيع ردها ومحتاج مال ضروري ومستعد لأي فحوصات، وهذا رقمي...».

 

وقال «حاتم.أ» من الكويت: «أنا محتاج متبرع بكلية O والفلوس جاهزة، والفحوصات على نفقتي، والعملية ممكن تتم في مصر وبموافقة وزارة الصحة وتحت إشراف أكفأ الأطباء والرقم..».

 

وأرسل «هيثم.ع» 26 عاما، من حلوان، قائلا: «أنا شاب متزوج وعندي ولد وبنت وشغال كمان ومش عارف أعيش ولا حتى عارف أقدم لأبنى في المدرسة وربنا يعلم بظروفي هي دي الحاجة الوحيدة اللي نقدر عليها يا أهل الخير بجد أنا عاوز أبيع كليتي عشان أعمل مشروع نأكل منه أنا وأولادي ونقدر نعيش في هذا الزمن ومستعد لعمل أي فحوصات لازمة الحمد لله أنا صحتي كويسة  ياريت رد أو اتصال على رقم...»

 

«بيع الكلى على الإنترنت»

 

وكتب «محمد. ع» 30 عاما، من الشرقية، عبر صفحة «بيع الكلى على الإنترنت» على «فيسبوك»: «أريد التبرع بفص كبد، الطول 178 والوزن 76، لا أعاني من أي أمراض، فصيلة الدم +B، ورقمي ... أمر بضائقة مالية».

 

وقال «هيثم.أ» 22 عاما، من الجيزة: «مستعد للتبرع بكلى بمقابل مادي فصيلة A+ ورقمي.. أعاني من ضائقة بسبب شيكات ووصولات أمانة».

 

وأرسل «شعبان.ع» 27 عاما، من الفيوم: «أريد التبرع بكليتي مقابل مبلغ مادي أنا جاد جدا فصيلة دمى +AB أنا مستعد للسفر لعمل أى فحوصات داخل أو خارج مصر ده رقمي..».

 

وأرسل سعيد عبد الله، 29 عام: «مطلوب متبرع بفص كبد على وجه السرعة فصيلةA+ للتواصل رقم ..، أنا عراقي ومقيم في مصر ومستعد للدفع بأعلى سعر».

 

مواقع خليجية

 

ويتجه كثير من الشباب إلى المواقع الخليجية من أجل نشر إعلاناتهم، ومنهم عبد الله مصطفى الذي كتب في إعلانه «أعيش في مصر وعمري 28 سنة وصحتي ممتازة جدا، وأنا والله العظيم جاد جدًا في هذا الموضوع أني أريد بيع كليتي أو فص الكبد الخاص بي في أقصي سرعة، وفصيلة دمي توافق جميع الفصائل لأنها AB وهذا كلام الدكتور، أنا جاد فيما أقول أقسم بالله وأريد بيعهم بأقصى سرعة لكي أسدد ديوني»، وترك رقم هاتفه وبريده الإلكتروني.

 

وأرسل نزار ضاحي، سوري، 29 عاما: «أنا سوري ومتواجد في مصر وأرغب في بيع كلية أو فص كبد أو قرنية العين، بسبب الحاجة الماسة للمال وأنا جاد جدا ومستعد لأي فحوصات وفصيلة دمى توافق جميع الفصائل والرقم ... والبريد الإلكتروني ..».

 

بيع قرنية العين

 

الأمر لم يعد يتوقف على الكلى والكبد فقط.. بل أن هناك من يعرض بيع قرنية عينه، وهناك الكثير من الإعلانات على مواقع الأسواق المنتشرة على الإنترنت، ومن هذه الإعلانات شخص يدعى «يوسف» كتب:«أنا شاب 34 سنة أريد بيع قرنية العين لظروف خاصة».

 


سماسرة الأعضاء البشرية

 

وينتشر العديد من السماسرة الذين يساهمون في توفير البائع والشاري، ومنهم من يطلق على نفسه اسم «منسق للمتبرعين» ويعرف نفسه على صفحات «فيسبوك»، بأنه «منسق لفاعلين الخير أو للمتبرعين وللمحتاجين من كلى وكبد»، كما رصدنا مجموعة من الشباب يقومون بكتابة نفس الإعلان بصياغات مختلفة، حيث تكون صيغة الإعلان «عاجل.. مطلوب متبرعين كلي، جميع الفصائل، وللمتبرع مكافأة مادية من المريض، والعملية تتم بموافقة وزارة الصحة، وفي أفضل المستشفيات، العملية آمنة تماما، ونضمن للمتبرع سلامته بعد العملية بإذن الله تعالي، ولكم جزاء وثواب عند الله لشفاء أي مريض»، ويدّعون أنهم فريق طبي كامل، وهناك من يطلب جميع الجنسيات العربية بشرط الإقامة في مصر، ولكن عند الدخول إلى صفحاتهم الشخصية وجدنا أنهم ليس لهم أي علاقة بالطب، ومعظم الصفحات أنشئت حديثا، كما أنهم من مناطق مختلفة بالجمهورية، ما بين البحيرة، والقاهرة، والسويس والإسكندرية.


بيع الدم

 

الأمر لا يتوقف على الأعضاء البشرية، ولكن هناك من يبيع دمه أيضا، وتنتشر إعلانات بيع الدم على الإنترنت، فتجد تعليقات مثل «فصيلتي o رقم تليفوني... ومش هنختلف إن شاء الله.. بمر بظروف مادية صعبة».
 

 

تابع أيضا: ملف خاص| من التعارف حتى الاتفاق.. تفاصيل مثيرة في تجارة الأعضاء البشرية