ثورة 30 يونيو| إنقاذ من الفوضي الخلاقة وأسس جديدة لعلاقات مصر الخارجية

السفيرة الأمريكية آن باترسون كانت تراهن علي استمرار الاخوان
السفيرة الأمريكية آن باترسون كانت تراهن علي استمرار الاخوان


نجحت مصر بفضل  ثورة يونيو في  تجميد مخطط إدخالها في دائرة الفوضى وعدم الاستقرار علي غرار ما حدث لدول عربية شقيقة في مقدمتها سوريا وليبيا، فهذا المخطط الذي قامت عليه قوي كبري، اعتبرت مصر فيه الجائزة الكبرى، وبات دخولها بهذا المصير مؤكدا مع استمرار حكم الإخوان، وهو ما كان يعني نهاية للمنطقة ككل باعتبار مصر أكبر وأهم دولها وهو ما كان سيصب حتما في صالح السعي الأمريكي الدءوب لدعم إسرائيل على حساب مستقبل ومقدرات  شعوبنا العربية.

كما نجحت مصر  في إعادة بناء الثقة مع القوى  الدولية والإقليمية وتوسيع قاعدة علاقاتها الدولية، وفي إطار هذا التحرك حققت السياسة الخارجية المصرية انجازات داخلية وخارجية  وما تزال، وذلك  في إطار مواجهه  التحديات وتعدد أزمات المنطقة  والتي حرصت مصر فيها علي التأكيد على أهمية الحلول السياسية، وطرحت مبادرات فاعلة للتسويات المتعثرة  للعديد من هذه الأزمات.

وبالفعل أكدت التطورات المتلاحقة الرؤية المصرية الصائبة القائمة علي رفض الحلول العسكرية، خاصة بالنسبة للأوضاع في ليبيا والتي تقوم مصر إزائها بدور كبير سواء في توحيد الصف الليبي ، أو في تنسيق الجهود الدولية والإقليمية ودول الحوار ، و مؤسسات الدولة الوطنية، ووسط هذا كله ما تزال القضية الفلسطينية وتحقيق المصالحة الفلسطينية، تحتل مكانتها على رأس الأولويات المصرية..


                             العلاقات مع أمريكا 
قبل ثورة يونيو كان هناك انسجاما واضحا بين الإدارة الأمريكية بقيادة باراك أوباما وحكم الإخوان بمصر، والذي لعبت فيه السفيرة الأمريكية بالقاهرة آنذاك آن باترسون  دورا بارزا، فقد كانت العلاقة بين الإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان قبل وصولهم للسلطة، وبعدها، معبرة عن تحالف من نوع ما، بين إدارة أوباما، والبيت الأبيض من جهة، وبين التنظيم والجماعة وحكمها لمصر.

فقد كانت باترسون  مهندسة التعامل مع تيار الإسلام السياسي بحكم خبرتها كسفيرة سابقة  لواشنطن في باكستان، وحرصت علي وضع يدها في يد الإخوان لتحقيق أهداف أمريكا في الشرق الأوسط ونشر الفوضى.

وقبل أيام من ثورة 30 يونيو، التقت باترسون  مع خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان،  وهو ما دفع المتظاهرين إلى رفع صور مناهضة لها في ثورة  30 يونيو، ورفعوا علامات الخطأ (X) على صورها، وكتبوا عليها «سفيرة جهنم» وغيرها من الألقاب الرافضة لوجودها. ولم تتوقف باترسون عند هذا الحد، وبدأت تسعى للوساطة بين الإخوان والسلطات الجديدة فى مصر، من خلال  ترتيب زيارة لنائب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك وليام بيرنز،  والتي باءت بالفشل، ورفضت بعض القوى السياسية لقاءه بسبب الكراهية الشديدة للإدارة الأمريكية و«باترسون»، التي أظهرت دعمها الشديد للإخوان، حتى بعد سقوط نظامهم،. ونقلت تقارير مغلوطة لإدارتها عن الأوضاع بمصر!

وبسبب يونيو أصيبت الإدارة الأمريكية بخيبة آمل ظهرت في التخبط الكبير في التعامل مع النظام الجديد بمصر والتلويح  بوقف المساعدات  الأمريكية للقاهرة !.

                                 الصديق اليوناني
علي الصعيد الأوربي  لعبت اليونان دورا مهما في دعم مصر وشرح الأوضاع الحقيقية في مصر ، وكان وزير خارجية اليونان في ذلك الوقت  من أوائل المسئولين الأجانب الذين زاروا القاهرة وتحدث خلال مؤتمره مع نظيرة المصري عن انه سيشارك عقب زيارته للقاهرة في اجتماع وزراء الخارجية الأوربيين في لوكسبورج وسيعمل علي توضيح حقيقة التطورات في مصر.

                                         تعليق النشاط الإفريقي
وكان من أسرع ردود الأفعال السلبية تجاه ثورة يونيو القرار الإفريقي بتعليق أنشطة مصر في الاتحاد الإفريقي بالرغم من أنها من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية، وجاء ذلك بالرغم من حديث وزير الخارجية آنذاك محمد كامل عمرو مع  رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي دلاميني زوما والاتفاق معها علي إرسال بعثة للوقوف علي حقيقة الأوضاع  قبل أي قرار، وأن ما حدث ثوره وليس انقلابا، وهو ما لم يحدث ربما نتيجة التعرض لضغوطات خارجية.

                                      تحركات ثابتة 
وبثبات ومثابرة ووضوح رؤية تحركت الدبلوماسية المصرية في إعقاب  ثورة يونيو على المحاور كافة إقليميا ودوليا  لتعيد مصر لمكانتها الطبيعية.

وفي هذا الصدد خطت مصر خطوات واضحة وشفافة لتنفيذ  بنود خارطة الطريق التي وضعتها يونيو وكان كل انجاز شاهدا علي صدق الإرادة المصرية ومساندتها من جانب الشعب المصري،وجري شرح التطورات الديمقراطية في مصر من خلال جولات متواصلة لوزير الخارجية ودور كبير لسفارات مصر بالخارج ، وإفريقيا ..استقبلت مصر عدد من  الزيارات لبعثات الاتحاد الإفريقي لرؤية الأوضاع عن كثب ، وحتى بعد إلغاء قرار تعليق أنشطة مصر بالاتحاد،  كان هناك حرص علي المشاركة من جانب الاتحاد الإفريقي في  متابعة كافة العمليات الانتخابية التي جرت بمصر والتي كان أخرها الانتخابات الرئاسية الماضية.


                                     روسيا والتعاون الثلاثي 
وكان من أهم انجازات يونيو دعم علاقات مصر ليس فقط مع الدول التي تقاربنا معها  تقليديا كأوربا وأمريكا وإنما تم تقوية علاقاتنا مع روسيا ودعم التعاون الثلاثي  بين مصر و قبرص  واليونان في إطار دعم امن واستقرار وتنمية منطقة المتوسط ، كما تم الاتجاه لتجمعات اقتصادية بازغة  كالبريكس والاوراسيا و الفشجراد، إلي جانب تنويع مصادر السلاح ودعم القوة العسكرية المصرية.

كما تميزت السنوات القليلة الماضية  بتعدد وتنوع الزيارات الخارجية للرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي حرص أيضا على المشاركة في القمم وخاصة الإفريقية والمحافل الإقليمية والدولية كالاجتماعات  السنوية الجمعية العامة للأمم المتحدة  المهمة وذلك لدعم مصلحة مصر سياسيا واقتصاديا وتواصلها مع دول العالم والتعبير عن عن توجهاتها وأولوياتها.

وحرصت مصر على إقامة علاقات متوازنة وعلي مباديء الاحترام والمصالح المتبادلة مع جميع دول العالم شرقا وغربا، شمالا وجنوبا وعززت روابط عميقة مع مختلف البلدان سواء مع الدول العربية والأفريقية الشقيقة، أو مع القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة على أساس من الاحترام المتبادل وكذلك مع بلدان الاتحاد الأوروبي، وبخاصة ألمانيا وفرنسا أو مع القوى الآسيوية وبخاصة الصين واليابان وكوريا الجنوبية.

كما تم توظيف الدبلوماسية المصرية لتعزيز وضع مصر الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية والدفاع عن مصالح مصر التجارية مع دول العالم ودعم خطوات الإصلاح الاقتصادي في مصر.
 

                                       العلاقات مع الخليج وتركيا
لاشك أن الدعم العربي الخليجي لمصر كان في أروع صورة بعد يونيو وذلك بقيادة السعودية والإمارات، وتجيء دعوة الملك السعودي الراحل  عبد الله لعقد  المؤتمر الاقتصادي لدعم مصر خير دليل علي  قوة العلاقات مع منطقة الخليج.

أما علي صعيد تأثير ثورة يونيو سلبيا علي  انحسار علاقات مصر مع بعض الأطراف، فيتجلي ذلك فقط مع قطر والتي تلعب دورا كبيرا  في إيواء عناصر الإخوان المطلوبين من جانب السلطات المصرية، ودعم الإرهاب بالمنطقة ككل، إلي جانب  تركيا، والتي أصيبت بخيبة أمل نتيجة ضياع حلمها في استعادة السيطرة علي مصر كولاية عثمانية، وهو ما كان سيتحقق في ظل استمرار حكم الإخوان..  ومايزال  الرئيس التركي اردوغان مستمرا في محاولات التدخل في الشأن المصري وهو ما أثر بالسلب علي العلاقات الثنائية وسحب السفير المصري من أنقرة واعتبار سفير تركيا  بمصر شخص غير مرغوب فيه وذلك في نوفمبر عام  ٢٠١٣. 

                                      تحد وخطر الإرهاب 
عملت مصر علي تكثيف جهودها محليا وإقليميا ودوليا  بعد ثورة يونيو،  في مواجهه  الإرهاب وذلك نتيجة ما عانته ولا تزال من  هذا التحدي  البغيض الذي راح ضحيته المئات من أبناء الشعب المصري، وخاصة من أفراد الجيش والشرطة، فمصر تقف في الصفوف الأمامية لمحاربة الإرهاب إقليميا ودوليا، وتتعاون القاهرة مع الشركاء في المنطقة وخارجها لمواجهة الفكر المتطرف والأنشطة الإرهابية .

وتشارك بفعالية في الائتلاف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي..وتولت رئاسة لجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن الدولي، وقامت في هذا الإطار بعدد من المبادرات الرامية لتعزيز التعاون والتنسيق الدوليين في إطار مكافحة الإرهاب، ومحاولة إيجاد حلول مستدامة تستهدف التعامل مع جذور ظاهرة التطرف.

                                         عضوية مجلس الأمن 
كما جاءت عضوية مصر غير الدائمة في مجلس الأمن لعامي ٢٠١٦-٢٠١٧ ترسيخاً لدورها الرائد والمحوري  كمنارة للاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتأكيداً لوضعيتها المتصاعدة على المستوى الدولي، بعد يونيو ، وذلك في ظل ما تبذله من جهود مهمة   لتعزيز السلم والأمن في المنطقة والعالم، ومن أجل الدفاع عن المصالح العربية والأفريقية وغيرها من الدول النامية.

وقد ارتكزت الجهود والتحركات المصرية داخل مجلس الأمن على مواقف ثابتة ورؤى ثاقبة والتزام أصيل تجاه استعادة أمن واستقرار المنطقة في ظل الواقع الإقليمي المضطرب الذي تعيشه واحتدام الصراعات واتساع دائرة التطرف وانتشار الكيانات والجماعات الإرهابية التي تتاجر باسم الدين، بما يؤثر على مفهوم الدولة الوطنية.

وحققت مصر خلال فترة رئاستها للمجلس في شهري مايو ٢٠١٦  وأغسطس ٢٠١٧، وكذلك رئاستها للجنة مكافحة الإرهاب انطلاقة ناجحة لمساعيها في دفع جهود مكافحة خطاب وأيديولوجية الإرهاب داخل المجلس، حيث نجحت مصر في استصدار القرار رقم ٢٣٥٤ من المجلس بإجماع الآراء حول الإطار الدولي الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابي، والذي سبق أن نجحت في اعتماده بالإجماع كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن، كما نجحت مصر خلال رئاستها للمجلس في أغسطس ٢٠١٧. في اعتماد قرار أخر رقم ٢٣٧٠ بإجماع الآراء حول منع حصول الإرهابيين على السلاح، وهو القرار الذي جاء كمبادرة مصرية في إطار جهودها الحثيثة من أجل الارتقاء بأجندة مكافحة الإرهاب داخل الأمم المتحدة بشكل عام، الأمر الذي يعكس الاهتمام الخاص الذي توليه مصر لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب من منظور شامل يتناول مختلف أبعاد الظاهرة وكل من يقدم لها يد المساعدة سياسيا وماليا وعسكريا، ووفقا للرؤية التي طرحها عليها الرئيس  السيسي خلال القمة الإسلامية العربية الأمريكية بالرياض.  

                                   دول حوض النيل وإفريقيا
قامت الدبلوماسية المصرية خاصة  بعد ثورة يونيو بجهد كبير لإعادة مصر إلى مكانتها في القارة الأفريقية بشكل عام، ودول حوض النيل بشكل خاص، وقد نجحت تلك الجهود في حشد التأييد الأفريقي لاستئناف مصر لأنشطتها بالاتحاد الأفريقي بعد انتخابات الرئاسة المصرية، وذلك من خلال تبادل زيارات عالية المستوى مع الأشقاء الأفارقة شملت العديد من دول حوض النيل وغيرها من دول القارة.

وقد حرصت مصر على الاستجابة للاحتياجات التنموية لدول حوض النيل وفقا لأولوياتها في المجالات المختلفة، سواء من خلال المبادرة المصرية لتنمية حوض النيل أو الدور الرائد للوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية خاصة فى مجالات الطاقة والري والصحة والزراعة. وقد حرصت مصر من خلال تعاونها مع الأشقاء الأفارقة على نقل أحدث الخبرات إليهم في مختلف المجالات، وبناء قدرات الكوادر الأفريقية بما يسهم في رفع معدلات التنمية بتلك الدول.

كما عقدت مصر العديد من اللجان المشتركة مع دول حوض النيل من أجل متابعة تنفيذ ما تم توقيعه من اتفاقيات للتعاون الثنائي، فضلا عن بحث مجالات جديدة للتعاون المشترك. وتحرص مصر أيضا على تكثيف وتيرة الزيارات الثنائية مع دول حوض النيل سواء على المستوى الرئاسي أو الوزاري، بالإضافة إلى عقد اللقاءات الثنائية على هامش القمم الأفريقية، بما يعكس اهتمام مصر بمتابعة التعاون مع تلك الدول والتنسيق المشترك تجاه قضايا القارة الأفريقية سواء في المحافل الإقليمية أو الدولية.

ويظل الانتماء المصري للقارة الأفريقية في صدارة دوائر السياسية الخارجية بل ويشكل أحد المعالم الرئيسية في تاريخ مصر فضلا عن دوره في تطوير حاضر مصر وصياغة مستقبلها، ويحرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على التواصل بصفة مستمرة مع قادة الدول الأفريقية وذلك من خلال الزيارات المتبادلة أو الاتصالات الهاتفية. وذلك سعيا لإرساء شراكات ثنائية تحقق مصالح متبادلة للشعب المصري، والشعوب الأفريقية الشقيقة.