يلقبها الجميع بـ«أم المرضى»| حكاية سميحة.. من فلسطين لـ«مستشفى العباسية»

مستشفى العباسية وفي الإطار الحاجة سميحة تكتب اسمها
مستشفى العباسية وفي الإطار الحاجة سميحة تكتب اسمها

•    أقدم نزيله في مستشفى العباسية: مبارك كان «كويس».. وأتابع «ماتشات» الكرة


•   عجوز طولكرم: المستشفي بيتى.. وما حدش بيزورني


•    صحابي كتير.. و«خالي» خرب بيتي


•    «سلوى» أكثر ممرضة بحبها.. وبعرف أقرا واكتب

 

حين ضاقت عليها الأرض بما رحُبت، وأُغلقت الأبواب في وجهها، لم تجد أمامها سوى «أم الدنيا» التي لا تعرف الحدود، حتى وإن كان المُستقر بين جدران مستشفى العباسية للصحة النفسية، ومن هنا بدأت حكاية الحاجة سميحة الفلسطينية.  

 

لا تعرف «سميحة» الفلسطينية سوى براءة ونقاء الأطفال، عند التعامل من حولها، وحين تلقت سؤالك عارفة أنت فين يا حاجة سميحة دلوقتي؟.. أجابت ببساطة: «أنا في طولكرم».

 

ابتسامة هادئة وملامح طفولية، ومظهر مهندم، ماركة مسجلة للحاجة سميحة الفلسطينية، أقدم نزيلة في مستشفى العباسية للصحة النفسية، وبعد حرص شديد على تقبيلنا فرحًا بالزيارة التي حُرمت منها عشرات السنين، بدأت قصة سميحة التي تناساها أهلها.


 
«مسنة من بلاد الزيتون»

 

«سميحة. أ. هـ» أو «سميحة الفلسطينية»، يفوق عمرها العقود الستة، وتتقن اللهجة المصرية ببراعة، فتحت قلبها لـ«بوابة أخبار اليوم»، واستعادت ذكرياتها في البيت الفلسطيني، وأيام الفرح والوجع في بلاد الزيتون.

 

حديث «سميحة» لم يخل من رحلة الزواج من «ابن العم» حتى الطلاق والانفصال، وصولًا إلى الهجرة لمصر، بصحبة خالها «مصطفى»، الذي قرر إيداعها بـ«السرايا الصفرا» للتخلص منها-بحسب قولها.

 

«حكاية 40 عامًَا»

 

حكاية «الحاجة سميحة» في مستشفى العباسية للأمراض النفسية ترجع لأكثر من 40 عاما، إذ تحكي: «أنا من طولكرم بفلسطين، كان عندنا بيت وشجر وزرع، وكنت عايشة مع عمي اللي ربانا، واتجوزت ابنه».

 

وواصلت المسنة الفلسطينية إنها دخلت المستشفى منذ حوالي عامين، بينما كشف ملفها الطبي أنها دخلت سنة 1976 بصحبة خالها.

 

«ذكريات الطفولة والشباب»

 

لم يتوقف شريط ذكريات سميحة عند هذا الحد، بل واصلت كلامها بقولها: «كنا بنلعب وإحنا صغار حولين بيتنا، مع صحابي سلوى وهدى، وعمي رباني أنا وأخواتي، ولما كبرت أتجوزت ابن عمي أسبوع واحد بس، وهو أتجوز عليا وعنده عيال دلوقتي، ومش فاكره اللي حصل بعدها، لحد ما جيت مصر».

 

وعن الرحيل من الوطن الأم فلسطين، ذكرت السيدة سميحة الملقبة بـ«أم مرضى العباسية»: «يعني كنا نروح فين ونيجي منين، جينا على مصر أحسن بلد».

 

 «لن أغادر المستشفى»

 

«الحاجة سميحة» صاحبة الـ66 عامًا، التي قضت 42 منهم في مستشفى العباسية، أضافت كذلك: «بقالي سنين كتير هنا، ما زهقتش ومبسوطة ومش عاوزة أخرج من هنا عشان ما ليش حد.. يلا الحمد لله».

 

وعن الطعام الذي يقدم لنزيلات المستشفى، قالت: «بناكل 3 مرات في اليوم، وفي كل يوم صنف جديد، مرة لحمة ومرة فراخ ومرة سمك، وانهارده أكلت سمك ورز وسلطة، ودايما هنا بيقولولي لازم تكلي كويس عشان أنا ماشية بالعلاج، وباخد أدوية 3 مرات في اليوم».


«سلوى القصيرة»

 

وبخصوص البرنامج اليومي للمريض وكورس العلاج، ذكرت: «بيصحوني الساعة 7 الصبح، والممرضات بتأكلنا وتلبسنا، وأنا بحبهم كلهم خصوصا -سلوى القصيرة- ونقعد نتفرج على مسلسل سلسال الدم، عشان أنا بحب عبلة كامل، وكمان ساعات بنشوف ماتشات الكورة» ، مضيفة: بس أنا هنا «الكوماندا» بين صحباتي.


 
«مبارك والملك عبدالله»

 

حديثها البسيط عن السياسة كشف أنها ليست بمعزل عما يدور خارج أسوار قصرها المتواضع، فقالت: «كنت بحب مبارك، لأنه كان كويس، والملك عبدالله بردو كويس».

 

وبالنسبة للترفيه، فذكرت أنها تخرج للتجول في حديقة المستشفى، ولا يسمحوا لها بالخروج إلا بمرافقة إحدى الممرضات، لأن هناك حالات من زميلاتها حاولن الهرب، إلا أنهن فشلن في ذلك، وداعبتنا قائلة: «تعالوا العبوا معانا». 

 

«تعالوا زورني تاني»

 

وباختبار قدرتها على الكتابة والقراءة، استطاعت «سميحة» كتابة اسمها ببراعة، إلا أنها رفضت التصوير، قائلة :«بلاش الله يخليك تصورني لأهلي يزعلوا».

 

وودعتنا في نهاية حديثها، قائلة: «مع ألف سلامة، تعالوا زوروني تاني».


 «حقوق المرضى»

 

خلال جولتنا في المستشفى رافقنا عضو لجنة حقوق المرضى بمستشفى العباسية الدكتور أحمد النحاس، وبمجرد رؤيته حالة سميحة، أكد أنها مستقرة، وتعيش في المستشفى بمنطق «صاحبة البيت»، موضحًا أنها تتكيف مع الظروف جيدًا، ولها قائمة طويلة من الأصدقاء.

 

وأوضح: «الحاجة سميحة صحتها كويسة، وهي أقدم نزيلة هنا، بقالها أكثر من 41 سنة، بس زيها زي نزلاء كثير، ما لهاش حد بيسأل عليها».

 

وأضاف: «نهتم بالنظافة الشخصية للمرضى، وبصحتهم البدنية والنفسية، ولا نسمح لأحد بالتحدث معهم دون موافقتهم، فكل شيء يحدث هنا بإرادتهم».

 

وذكر أن جميع أقسام المستشفى تقدم تقارير ربع سنوية عن أحوال المرضى، والمستشفى يشكل لجانا لتفقد أحوال المرضى، والتأكد من رعايتهم بالعنابر، بجانب لجان التفتيش التي تأتي من وزارة الصحة لتفقد أحوالهم على مدار اليوم.

 

«رعاية بدون مقابل»


الدكتور هاني أضاف: «نستقبل مرضى جدد كل يوم رغم أن نسبة الإشغال تجاوزت الـ90%»، مضيفًا: «نطور الأقسام باستمرار، وكل مبنى يضم عيادة لعلاج أي أمراض قد تصيب النزلاء والنزيلات، مع توفير الأدوية، ورغم أن نسبة الإشغال تتعدى الـ90% إلى أننا مازلنا نستقبل مرضى جدد».

 

وقال:  «نهتم بالجانب الترفيهي، فيتم تنظيم عروض فنية ومسرحية تقدم للمرضى، بجانب جولات في الحديقة، وزيارات خارجية لمنتزهات يراعى فيها ظروف المريض النفسي».

 

واختتم حديثه قائلًا: «حوالي 60% من نزلائنا يعالجون على نفقة الدولة دون أن يتحملوا جنيه واحد، بالإضافة إلى العلاج في القسم الاقتصادي للمرضى (المرتاحين)، ونوفر لهم أدوية السكر والضغط الدم وغيرها من الأمراض المزمنة، أما الحالات الخطيرة إلى تحتاج لتدخلات جراحية، يتم تحويلهم إلى مستشفى الدمرداش».