خلال محاضرة في سلطنة بروناي..

شيخ الأزهر: المسلمون هم ضحايا الإرهاب

الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر

ألقى شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين د. أحمد الطيب، اليوم الاثنين ٧ مايو، محاضرة في مركز المؤتمرات الدولي في سلطنة بروناي، بعنوان "تحديات الأمة الإسلامية في مواجهة الإرهاب"، وذلك في إطار زيارته الحالية لسلطنة بروناي.

 

 

وكان لافتًا تواجد جميع وزراء الحكومة ونوابهم على المنصة الرئيسية للحفل، يتوسطهم فضيلة الإمام الأكبر، إضافة لحضور حاشد لكبار المسئولين، وممثلين عن كافة الوزارات والهيئات وطلاب الجامعات.

 

 

وقال "الطيب": "يُسعدني في بداية كلمتي هذه أنْ أتوجَّهَ بالشُّكرِ الجزيل لسلطنة بروناي سُلطانًا وحكومةً وشعبًا على حُسْنِ الاستقبال وكرم الضِّيافة، مُقَدِّرًا لهذا البلد الطَّيِّب الكريم تمسُّكه بأصولِه وجذوره، وصموده في وَجْه التيَّارات العاتية والرياح المُدَمِّرَة التي هَبَّت علينا في الآوِنَة الأخيرة، وجَعَلت بأسَنا بينَنا، وأطمَعَت فينا الطَّامِعين والمتربِّصين بهذه الأُمَّة في أن تأخذَ مكانَها اللَّائق بها وبحضارتها العريقة وتاريخها المجيد".

 

 

وأضاف: "أمَّا عن كلمتي التي يُسعدني أن أطرَحها على مسامع حضراتكم، مِمَّا يتعلَّق بموضوع تحديَّات العالَم الإسلامي والإرهاب، فما أظنُّ أني سأتلُو عليكم فيه جديدًا لم تعرفوه من قبل.. فقد قتل بحثا ومحاضرات وندوات ومؤتمرات، حتى اعتقد البعض أنه لم يعد يقبل المزيد من البحث والنظر من كَثْرَةِ مَا كُتِبَ عنه، وما أُنفِقَ فيه من جهدٍ وطاقاتٍ وأموالٍ، ومع ذلك فإنه لا ينبغي بل لا يجوز أنْ نتوقَّف عن الحديث عنه، أو نصمت لحظةً عن التَّنبيه إلى خَطَرِه وتأثيرِه البالِغِ السُّوءِ على الإسلام والمسلمين".

 

 

وأشار شيخ الأزهر إلى أن الإرهاب ظاهرةٌ شديدة التَّعقيدِ والغموض إذا ما رُحت تحاوِلُ التَّعرُّف على أسبابها الحقيقيَّةِ، أو تحاول البحثَ عن حلٍّ لهذا التناقض الشَّديد بين أسباب هذه الظاهرة ونتائجها.

 

 

وتابع: "فحسب نظريَّة الإسلاموفوبيا؛ يجب أن يُفسَّر الإرهاب بأنَّه ظاهرةٌ إسلاميَّةٌ نشَأت في أحضان نصوص القرآن الكريم والسُّنَّة المطهَّرة، ويجبُ حسب هذا المنطق، وأن يكون غيرُ المسلمينَ هم المستَهدَفين بهذا الإرهاب، ولكن انظروا إلى الواقع على الأرض، فسوف تَجِدُون أنَّ المسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، وأنهم المستهدَفُون بأسلحته وبطريقته البَشِعة في القتل وإزهاق الأرواح، وأنَّ ضحاياه من غير المسلمين عدَدٌ لا يكاد يُذْكَر إلى جوار آلاف المؤلَّفة ممَّن سُفِكَت دماؤُهم المعصومة على مرأًى ومَسمَعٍ من ضمير العالَم المتحضِّرِ، وتحت سَمعِ وبصَر مؤسَّساته الدَّوليَّة التي نصَّبَت من نفسِها ضامنًا لسلام الشُّعوب وأمنها، وحاميًا لحريَّات الإنسان وحقوقه في حياةٍ آمنةٍ وعَيشٍ كريمٍ في ظِلال السَّلام".

 

 

 

واستطرد: "انظروا أيضًا إلى خريطة العالَم وتعرَّفـوا على الشُّــعوب التي دفعــت -وَحدَها- فاتورة هذا الوَباء، وسوف تجدون مرَّة ثانيةً أنَّ دولًا من دول العالم العربي والإسلامي هي التي قُدِّمت قربانًا على مذابح الفوضى التي تقود العالم الآن".

 

 

 

وأوضح شيخ الأزهر: "نَفهمُ إمكانَ أن يَنشأَ إرهابٌ في أحضان المسلمين يتعقَّبُ غيرَ المسلمين ذبحًا وفتكًا وتشريدًا، أو إرهابًا ينشأ في أحضان المسيحيِّين ليتعقَّب المسلمين إبادةً واجتثاثًا من الجذورِ كما حَدَث في القُدس والشَّام في «حروب الفرنجة» أو ما يُعرف عند الغرب بالحروب الصليبية، ولكن لا نفهم إرهابًا مسيحيًّا ضحاياه من المسيحيِّين دون غيرهم، ولا إرهابًا إسلاميًّا يستهدف المسلمين دون غيرهم – فهذا هو التّناقض في الحدود الذي يُفسد القضايا ويُفرِّغها من أي معنًى منطقي".

 

 

 

وأضاف: "لقد هبَّ العالَم الإسلامي بحُكَّامه وبعلمائه ومُثقَّفِيه وكُتَّابه وكلِّ شُعوبه لِيَستنكر حادثة الإرهاب المشهورة بحادثة 11 سبتمبر من عام 2001م، والذي استهدف مئات الضحايا من الأرواح البريئة التي زُهِقَت ظُلمًا وعدوانًا، ومنذ وقوع هذا الحادث الذي هزَّ ضمائر المسلمين قبل غيرِهم – وحتى اليوم لا تكف الألسنة والأقلام عن إدانة الإرهاب والإرهابيين ولا عن التَّأكيد على أنهم لا يمثِّلون الإسلام، وأنهم بنصِّ القرآن الكريم محاربون لله ورسوله، ومُفسدون في الأرض، ولهم جزاء معلوم في كتاب الله وسُنَّة رسوله ﷺ.. ورُغم هذا الموقف الصريح المُعلَن لازالت الاتهامات الجائرة تشوِّه سُمعة هذا الدِّين الحنيف، وتخوِّف الناس من المسلمين ومن دِينهم، مما يدلُّنا –بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة- على أن هناك قُوَّةً خفيَّةً غيرَ إسلاميَّةٍ تُصِرُّ على إساءة فهم الإسلام وسُوءِ الظَّنِّ بالمسلمين، وتَشويهِ سُمعة دينِهم. واستخدامِ منهج انتقائيٍّ في قراءة نصوصِ القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة بعد اجتزائهما وإخراجهما من سياقاتهما التي لا يتَّضح معناها الحقيقي إلَّا على ضوئها ودَلالاتِها المحدَّدَة، ورُغم أنهم يعلمون علم اليقين أن منهجهم هذا لو طبَّقُوه على الكتب المقدَّسة الأخرى التي يؤمنون بها؛ فلن يَسلَم لهم دِينٌ من الأديان السَّماويَّة من تُهمة الإرهاب وقَطعِ الرُّؤوس وإحلالِ السَّيفِ محلَّ السَّلام، وإبادةِ الأبرياء من النِّساء والأطفال، بل والحيوان والنَّبات والجماد".

 

 

 

وقال شيخ الأزهر، إنَّ البحث النَّزيهَ المنصِفَ لابدَّ له من أن ينتهيَ إلى أنَّ الإسلام برئٌ من هذه البربريَّة الهمجيَّةِ، ولا علاقةَ له به، لا نشأةً ولا غايةً ولا دعمًا، بأي لونٍ من ألوان الدَّعم، متسائلاً: "كيف وفلسفةُ الإسلام في التَّعامُل مع الآخَرينَ لا تَعرِفُ مبدأ الصِّراع، ولا التَّصنيف بين أسود وأبيض، ولا بين شرقيٍّ وغربيٍّ، وإنَّما تَعرِف مبدأً واحدًا فقط في معاملة النَّاس هو (مبدأ التعارف) الذي يعني التَّفاهم والتَّعاون وتبادل المنافع والمصالح".

 

 

 

وتابع: "من هنا كان من المستحيل أن يَأمُر القرآنُ بالحروب التي تُفضي إلى القتل وسَفك الدِّماء وتشريد الآمِنينَ، وجَني الأرباح من مصانع الموت والتَّدميرِ والتَّفجيرِ، ومن هنا – أيضا – كانت الحرب في الإسلام استثناءً لا يُلجَأُ إليه إلَّا بحُكم الضَّرورات القُصوَى التي لا مَحيد عنها بحالٍ من الأحوال.. وهذه هي نصيحةُ القرآن الكريم".