تقرير|نقابة الصحفيين..نضال ٧٧ عاما من عمارة الإيموبيليا لشارع ثروت

نقابة الصحفيين
نقابة الصحفيين

  
مرت أمس السبت الذكرى ال 77 لتأسيس نقابة الصحفيين المصريين في 31 مارس عام 1941 بموجب قانون رقم 10 لسنة 1941 الذى تقدم به رئيس الوزراء الأسبق على ماهر إلى مجلس النواب، متضمنا مشروع إنشاء نقابة للصحفيين في مصر، وذلك بعد تأسيس أول رابطة للصحفيين؛ حيث أعلن المؤسسون في هذا الوقت أن هدف الرابطة هو السعي باتجاه إنشاء نقابة تضم الصحفيين المشتغلين بالمهنة في مصر.

 


جاء القانون تتويجا لنضال أساتذة أجلاء من المؤسسين لمهنة الصحافة، حيث شهدت صحيفة الأهرام انطلاق أول دعوة لإنشاء نقابة الصحفيين فى عام 1891، وتكررت هذه الدعوة على صفحات جريدة "المؤيد" فى عام 1909 وتبعتها صحف أخرى، إلى أن تم تشكيل أول نقابة تحت التأسيس في عام 1912، لكن الأمر لم يستمر طويلا، حيث تسببت الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى في تأجيل الفكرة لفترة قبل أن تعود مجددا في عشرينيات القرن الماضي .

 


وفي عام 1924، صعد الصحفيون المصريون مطالبهم متقدمين بطلب لرئيس الوزراء لإصدار قانون لإنشاء نقابة للصحفيين، ودعوا الصحفيين المشتغلين بالمهنة لعقد وحضور سلسلة من الاجتماعات لإعداد مشروع النقابة التى أعلنوا قيامها في نفس العام، وقبل أن يصدر في عام 1936 مرسوم باعتماد نظام "جمعية الصحافة"، أعلن البرلمان عدم اعتماد المشروع، الأمر الذى أدى إلى دون اكتمال الفكرة أو دخولها حيز التنفيذ، وبعد ٣ سنوات تقدم رئيس الوزراء الأسبق علي ماهر مرة أخرى في 27 نوفمبر عام 1939 بمشروع قانون لإنشاء نقابة للصحفيين إلى مجلس النواب المصري، الذى أقر فى هذه المرة مشروع القانون في عام 1941 بعد عامين من الجدل .

 


وانعقدت أول جمعية عمومية للصحفيين في الساعة الثالثة بعد ظهر يوم 5 ديسمبر عام 1941 بمحكمة مصر بباب الخلق، وهى الجمعية التي انتخبت المجلس الأول للنقابة، والذي تكون من 12 عضوا (6 يمثلون أصحاب الصحف و6 من رؤساء التحرير والمحررين)، وحضر أول اجتماع للجمعية العمومية 110 أعضاء من بين 120 عضوا، هم كل أعضاء النقابة في السنة الأولى من عمرها .

 


وفى بداية الأمر، لم يكن للنقابة مقر رغم أن موافقة الحكومة على إنشائها اقترنت بشرط توفير مقر لها، الأمر الذي دعا أحد الأعضاء للتنازل عن شقته بعمارة الإيموبيليا لتصبح أول مقر للنقابة، ثم انتقل مقرها لشارع عبد الخالق ثروت بجوار نقابة المحامين ونادى القضاة، وفي‏ ‏دورة‏ ‏انعقاد مجلس‏ النقابة فى عام (1995) ‏برئاسة‏ ‏النقيب‏ الأسبق ‏إبراهيم‏ ‏نافع‏، تم وضع‏ ‏ضمن‏ ‏أولويات عمل المجلس ‏تنفيذ‏ ‏مشروع‏ إقامة‏ ‏مبنى ‏جديد‏ ‏يلبي‏ ‏الاحتياجات‏ ‏المتزايدة‏ ‏للأنشطة‏ ‏الصحفية‏ ‏وحصل‏ ‏بالفعل‏ ‏على دعم‏ ‏مبدئي وهو الصرح الكبير الحالى للنقابة . ‏
بدأ نضال النقابة ضد الحكم الاستبدادي فى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، حيث بدأت معارك النقابة مع حكومة "الوفد" تحت حكم الملك فاروق، وطرح النائب الوفدي إستيفان باسيلى، مشروع قانون بحظر نشر أخبار السرايا، أو أحد أفراد الأسرة الملكية، إلا بعد تصديق من الديوان الملكي بهدف وضع قيود على الصحافة والصحفيين، الأمر الذي دفع عددا كبيرا من أعضاء البرلمان لرفضه، حتى اضطر باسيلى إلى سحبه والاعتذار للصحفيين.

 


وخاض الصحفيون معارك مع نظام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، حيث واجهوا تأميم الصحف بمقتضى القانون رقم 156 لسنة 1960 المسمى بقانون "تنظيم الصحافة"، وكان هناك رقيب من الدولة يتحكم في كل شيء تنشره الصحف، وفي عام 1977 أبدى الرئيس الراحل محمد أنور السادات عزمه تحويل نقابة الصحفيين إلى ناد بعد الهجوم عليه من عدد من الصحفيين المقيمين بالخارج، وتدخل إليه حافظ محمود شيخ الصحفيين وأول عضو بمجلس إدارة النقابة وخاطب السادات، مشيرا إلى أن هناك وثيقة موقعة منه يقر فيها بدور الصحافة في ثورة 23 يوليو، وحسم شيخ الصحفيين باقتراح تشكيل مجلس لحل مشاكل الصحفيين، ومن هنا تأسس المجلس الأعلى للصحافة ٠

 


وإبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك حدثت انتفاضة الصحفيين الكبرى فى عام 1995، بعد طرح القانون رقم 93 لسنة 1995، والذي تضمن تغليظ العقوبات في جرائم النشر وألغى ضمانة عدم الحبس الاحتياطي للصحفيين لتنتفض النقابة في مواجهة القانون، وانعقدت الجمعية العمومية على إثر ذلك في 10 يونيو من العام نفسه معلنة رفض القانون في وقائع أطلق عليها "الانتفاضة الكبرى"، واختارت بعدها الجمعية العمومية هذا اليوم عيدا سنويا لحرية الصحافة، حيث نشر الصحفيون آنذاك قائمة سوداء بأسماء النواب الذين تزعموا تمرير القانون، وتمت إقامة جنازة رمزية شيعوا فيها حرية الصحافة.

 


وتوالت مبادرات الغضب باحتجاب الصحف الحزبية، واعتصام كامل محرريها بحديقة النقابة، وعقدت القوى السياسية والأحزاب مؤتمرا حاشدا بمقر حزب الوفد، حتى انتصرت الجماعة الصحفية وتراجع البرلمان في القانون، ونجح الصحفيون في معركتهم أمام سعى "مبارك" لمنع حصول الصحفي على أي معلومات وتغليظ العقوبات ليعيد النظر، وعادت الأمور إلى طبيعتها بعد إسقاط قانون سنة 1995، وبالتالى سقطت العقوبات المغلظة والسالبة للحرية.

 


وفي عام 2006 عاود البرلمان المحاولة مرة أخرى لإقرار الحبس فى قضايا النشر بقيادة أحمد عز أمين السياسات بالحزب الوطني المنحل، واجتمعت عمومية الصحفيين، وقاد المظاهرات نقيب النقباء كامل زهيري على مقعد متحرك، واحتجبت 26 جريدة عن الصدور، تضامنا مع موقف النقابة، وبعث نقيب الصحفيين جلال عارف حينها رسالة إلى الرئيس الأسبق حسني مبارك مطالبا بالتدخل، وقرر أعضاء مجلس النقابة الدخول في اعتصام مفتوح انضم إليه بعض أعضاء الجمعية العمومية.

 


وخلال حكم الإخوان برئاسة محمد مرسي انتفض الصحفيون بإعلان حجب الصحف يوم 12 أبريل عام 2012 اعتراضا على الإعلان الدستوري الذي أصدره في 22 نوفمبر عام ٢٠١١، ودعت النقابة إلى وقفة احتجاجية ومسيرة إلى ميدان التحرير للانضمام إلى المحتجين المعتصمين الذين يرفضون الإعلان الدستوري، وتشكيل الجمعية التأسيسية التي وضعت مسودة الدستور، وشهدت سلالم نقابة الصحفيين خلال رئاسة المستشار عدلى منصور المؤقتة للجمهورية، سلسلة تظاهرات مؤيدة للنظام وأخرى عمالية.

 


وأعلنت نقابة الصحفيين رفضها التام لعدد من المواد التي تم إقرارها في مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" واصفة القانون بأنه يعيد من جديد القيود التي ناضلت الجماعة الصحفية لإلغائها عبر عقود من تاريخها، وتم تتويج هذا النضال في نصوص دستور 2014، وشددت النقابة على أن مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" به العديد من المواد التي تخالف بشكل صريح المادة 71 من الدستور.

 


وطالبت النقابة المسئولين في الدولة، أن يعيدوا قراءة نص المادة 33 من مشروع قانون "مكافحة الإرهاب"، وهى المادة التي تنص على أنه "يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن".

 


ونجح الصحفيون في تعديل نص المادة ومنع الحبس للصحفيين والاكتفاء بالغرامة المغلظة في حال نشر أخبار كاذبة وإثبات ذلك، ولا زالت نقابة الصحفيين على مدى ٧٧ عاما منذ تأسيسها وحتى الآن منبرا للحرية وقلعتها للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ويظل شعاع النور هو القلم الذي يكتب فيغير الواقع وينمي البلاد ويكشف الفاسدين والفساد.