- كلية ومدارس لجميع المراحل.. شبكة محمول أمريكية تغطى كامل «القاعدة»
- سلسلة مطاعم عالمية.. بنوك وماكينات صرافة آلية لتسهيل التعاملات والتحويلات
- حمامات سباحة ومراكز غطس.. ملاعب جولف.. مسارح وسينما ومجمع دينى يخدم 13 ديانة
- مستشفى عام يقدم معظم الخدمات الطبية والعمليات الجراحية
لم أكن أتصور أن تتاح لي الفرصة لزيارة أحد أكبر وأقدم القواعد العسكرية لأكبر وأقوى دولة في العالم.. عندما علمت بموافقة وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» على الطلب الذي تقدمت به «الأخبار» لزيارة قاعدة جوانتانامو البحرية الموجودة بخليج جوانتانامو في دولة كوبا، شطح عقلي وسرعان ما تبادر إلى ذهني كم هائل من التصورات والتخيلات التي توقعت أن أراها فوق ظهر القاعدة التي تعتبر أكبر قاعدة أمريكية في منطقة الكاريبي.. تصورت في بداية الأمر أنني سوف أشاهد مساحة شاسعة من الصحراء الجرداء بها معدات ومهمات عسكرية وأسلحة ومخازن ذخيرة.. أسطول من الدبابات والطائرات والصواريخ الحربية. ولأنها قاعدة بحرية بالأساس ظننت أنني سأرى سفنا حربية وعمليات شحن وتفريغ للمهمات العسكرية كما نشاهده في معظم الأفلام التي تلقى الضوء على الحياة العسكرية.. ظلت الأفكار والتخيلات تدور بذهني منذ أن تلقيت المكالمة الهاتفية من أحد القادة العسكريين بـ «البنتاجون» الذي أخبرني بانتهاء استخراج الموافقات والتصاريح الأمنية اللازمة لزيارة القاعدة العسكرية.
«حياة مدنية»
داخل القاعدة العسكرية تجد كل ما يمكن أن تتطلبه الحياة اليومية داخل مجتمع عمراني حديث ويشمل ذلك: مدارس، ملاعب كرة قدم، ملاعب جولف، حمامات سباحة، بنوكا وماكينات صرافة، سلسلة من المطاعم العالمية الشهيرة، المتاجر عالمية تحتوى على كل ما يمكن أن تجده في أحد أكبر المتاجر العالمية في مدينة نيويورك، أماكن للعبادة للمسلمين والمسيحيين واليهود، مكاتب بريد، مساكن حديثة للإقامة «كومبوندز»، مراكز لإيجار السيارات، أتوبيسات لنقل طلاب المدارس تشبه التي تشاهدها في المدن الأمريكية وتحمل نفس اللون الأصفر، محطات بنزين لتمويل السيارات بالوقود، مسارح مكشوفة، سينما، محطات لغسيل وفحص السيارات، مراكز غطس للراغبين للقيام برحلات غطس في أعماق بحر الكاريبي.
تعجبت عندما وجدت شبكة هاتفي الجوال تعمل بالرغم من انتقالنا إلى دولة أجنبية تبعد حوالي ألفى كيلومتر عن مكان إقامتي بواشنطن. علمت فيما بعد أن شركة «تى موبل» الأمريكية لخدمات الاتصالات نشرت شبكتها في جميع مناطق القاعدة حتى يتمكن المقيمون من التواصل بسهولة مع أصدقائهم وأقاربهم في أي مكان داخل الولايات المتحدة. كما لاحظت وجود شبكة إنترنت عالية السرعة من خلال خدمة «الوايرليس» في معظم الأماكن التي ترددت عليها.
قبل استعراض ما تتميز به الحياة داخل قاعدة جوانتانامو البحرية يجب الإشارة أولا إلى أن أحد أهم ما يتمتع به المقيمون في هذا المكان هو الأمان. شعرت خلال فترة إقامتي بالقاعدة وترددي على معظم الأماكن هناك بدرجة أمان لم أشعر بها من قبل. عادت الأحلام والهواجس مرة أخرى إلى رأسي عندما شاهدت المقيمين هناك لا يلقون بالا بالقلق على ممتلكاتهم أو التأكد من إغلاق أبواب منازلهم وشققهم. عندما تتجول داخل القاعدة تشعر وكأنك في جولة داخل إحدى القرى السياحية فى مدينة شرم الشيخ. حلمت في ذلك الوقت بأن يسود الأمن في عالمنا الذي عانى كثيرا من ويلات الحروب وسفك الدماء على كثير من بقاعه. تساءلت ماذا لو عم الأمن والسلام في جميع دول ومدن العالم وتخلى الناس عن جانب العداء والشر الموجود داخل أنفسهم. لا شيء في عالمنا يفوق في أهميته أن يشعر المرء بالأمان ولا يخشى على أهله وماله من السرقة أو الانتهاك. لا يرجع الأمان بقاعدة جوانتانامو إلى كونها قاعدة عسكرية، بل لأنها مجتمع عمراني قائم على أسس وقواعد توفر للمقيمين به وسائل الحياة التي تمكنهم من العيش بصورة كريمة وتزيد من قدرتهم على التقدم فى العمل وتحقيق نتائج أفضل.
«المسرح المكشوف»
إحدى الحقائق المعروفة عن الحياة العسكرية التي لا يمكن تجاهلها أنها صعبة وليس لأي شخص القدرة على تحملها خاصة إذا كانت الخدمة داخل أحد المعسكرات البعيدة عن وسط المدينة أو المناطق المأهولة بالسكان. لا ينطبق هذا الفكر داخل قاعة جوانتانامو البحرية. فقد يجد المرء هنا ما لم يتمكن أن يجده فى داخل أحلى المنتجعات السياحية. أحد هذه المظاهر هى المسرح المكشوف الذي تم تخصيصه كوسيلة للتسلية والترفيه عن المقيمين والعاملين بالقاعدة العسكرية. يعرض المسرح مجموعة مختلفة من الأفلام الحديثة بعضها مازال يعرض بالسينما في مانهاتن بنيويورك. يكفى المسرح لاستيعاب حوالى ثلاثمائة من المشاهدين. وتم تصميمه على شكل نصف دائري وثلاثي الجوانب يشمل كل جانب حوالي خمسة عشر صفا يكفى لحوالى مائة شخص. يقدم المسرح جدولا أسبوعيا بالأفلام والعروض التى يقدمها على مدار الأسبوع. بجانب المسرح يوجد كشك لبيع «الفشار» والمشروبات للتسلية أثناء المشاهدة وعدم الشعور بالملل.
في اليوم الثاني من الجولة اصطحبتنا إحدى القادة العسكريين بوزارة الدفاع في جولة للتعرف على القاعدة. اندهشت عندما رأيت بعض ملاعب الجولف فوق أحد التلال الخضراء بالقاعدة البحرية. وأدركت حينها أن العسكرية الأمريكية لها مفهوم مختلف عن باقي الأنظمة العسكرية فى مختلف دول العالم. واندهشت أكثر عندما علمت أنها متاحة لجميع العاملين بالقاعدة بصرف النظر عن الرتبة العسكرية. لم يكن اندهاشي من رؤية ملاعب الجولف لكن من وجود تلك الملاعب في قاعدة عسكرية. نعم لقد ساعدت الطبيعة الخضراء في أن تبدو القاعدة العسكرية بهذا الشكل لكن ما قامت به الحكومة الأمريكية داخل القاعدة جعلتها تشبه قرية خضراء صغيرة تجذب إليها كل من يزورها.
وحتى يكتمل المنظر العام للحياة المدنية قامت الحكومة الأمريكية بإنشاء مجموعة من المدارس تشمل جميع الفئات العمرية. وكلية خاصة للراغبين في استكمال تعليمهم الجامعي بعد الحصول على الثانوية العامة. لم يكن هدف إنشاء المدارس هو فقط توفير خدمات تعليمية لأبناء الضباط المنتدبين إلى القاعدة أو المقيمين فيها بشكل دائم، ولكن أيضا لتعطى الفرصة للضباط المنتدبين لاصطحاب عائلاتهم معهم حتى لا يشعروا بأنهم في مهمة غير مرغوب فيها ويتمنون انتهاءها في أقرب وقت. بدا ذلك جليا عندما تحدثت مع بعض القادة المنتدبين لفترات تتراوح ما بين عام إلى ثلاث سنوات. لم يشعر أي منهم أنهم في مهمة مؤقتة ينتظرون انتهاءها. العكس تماما هو ما لمسته خلال حديثي معهم. لم يكن لدى أحدهم شعور بالغربة أو الافتقار إلى حياة المدينة. يصل عدد التلاميذ الملتحقين بالمدارس فى مراحل تعليمية مختلفة إلى حوالي 250 طالباً.
