بعد حادث «الروضة».. تعرف على الجهاد وشروطه وعلاقته بـ«الإرجاف»

صورة موضوعية
صورة موضوعية
حالة من الحزن تعيشها مصر، بعد حادث مسجد الروضة، الذي أسفر عن استشهاد 305 من المصلين، من بينهم 27 طفلا كانوا برفقة ذويهم وإصابة 128 آخرين، حسب بيان النائب العام.

وبعد الحادث تم تداول بعض المصطلحات والتي أبرزها «الجهاد والإرجاف»، وربما يعد المصطلح الأول مفهومًا نوعًا ما، إلا أن الثاني يعد غامضًا للكثيرين، الأمر الذي أوضحته دار الإفتاء المصرية، من خلال شرح مفصل في فتوى تحمل الرقم المسلسل 2427 على موقعها.

وجاءت الفتوى ردًا على سؤال نصه: "ما حكم ما يحدث في مصر من حملات التخريب لمنشآت الدولة المصرية والقتل الموجه لرجال الجيش والشرطة والمدنيين ودور العبادة من كنائس ومساجد، وهي التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية تحت دعوى الجهاد في سبيل الله، ويَعُدُّون مَن لم يوافقهم على رأيهم وخروجهم ومقاومتهم للجيش والدولة مِن أعداء الإسلام المناصرين للمرتدين".

وجاءت إجابة مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، أن ما تفعله هذه التنظيمات من أفعال التخريب والقتل التي أفرزتها مناهج الإرجاف الضالة حرام شرعًا، وهو من أشد أنواع البغي والفساد الذي جاء الشرع بصده ودفعه بل وقتال أصحابه إن لم يرتدعوا عن إيذائهم للمسلمين ولغير المسلمين مواطنين ومستأمنين.

وأضاف في فتواها أن ما يسميه هؤلاء «جهادا» ما هو إلا تدليس وتلبيس حتى ينطلي هذا الفساد والإرجاف على ضعاف العقول، بل هذا بغي في الأرض بغير الحق يعد أصحابه بغاة وخوارج يقاتلون إن كانت لهم منعة وشوكة حتى يرجعوا عن بغيهم وإرجافهم.

وشدد «علام» على أن هذه الأفعال منافية لمقاصد الشرع الكلية، وأن الشرع أكد على وجوب المحافظة على خمسة أشياء أجمعت كل الملل على وجوب المحافظة عليها، وهي: «الأديان، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال»، وهي ما تسمى بالمقاصد الشرعية الخمسة.

وركزنا على أهم المفاهيم، التي وردت في الشرح التفصيلي لفتوى مفتي الجمهورية، وهي كالتالي:

الجهاد في سبيل الله:

مفهوم إسلامي له دلالته الواسعة في الإسلام، يوطلق على مجاهدة النفس والهوى والشيطان، ويطلق على قتال العدو الذي يراد به دفع العدوان وردع الطغيان.

شروط الجهاد في سبيل الله: 

 يعود أمر تنظيمه إلى ولاة الأمور والساسة الذين تولوا أمر البلاد والعباد ويميزون القرارات المصيرية، وينظرون في مدى الضرورة التي تدعو إليه من صد عدوان أو دفع طغيان.

 ويكون قرار الجهاد مدروسًا من جميع جوانبه دراسة علمية وواقعية، فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، بلا جبن أو ضعف، وبلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة لا تعرف حكمة أو تعقل.

جزاء المجاهدين:
مثابون فيما يجتهدون فيه فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، وإن قصروا فعليهم الإثم، وليس لأحد أن يعتمد عليهم في ذلك إلا بالنصيحة والمشورة إن كان من أهلها، فإن لم يكن من أهلها فليس له أن يتكلم فيما لا يحسن، ولا أن يبادر بالجهاد بنفسه وإلا عد ذلك افتراء على الإمام، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد.

حقيقة ما يصفه الإرهابيين بـ«الجهاد»:
ما يروج له هؤلاء إرجاف وليس جهادا، والإرجاف مصطلح قرآني ذكره الله تعالى في قوله سبحانه: ?لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا *ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا* سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا? [الأحزاب: 60-62].

وهي كلمة لها مفهومها السيئ الذي يعني إثارة الفتن والاضطرابات والقلاقل باستحلال الدماء والأموال بين أبناء المجتمع الواحد تحت دعاوى مختلفة منها التكفير للحاكم أو للدولة أو لطوائف معينة من الناس، ومنها استحلال دماء المسلمين تحت دعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو استحلال دماء غير المسلمين في بلادهم أو أولئك الذين دخلوا البلاد الإسلامية بدعوى أن دولهم تحارب الإسلام.

موقف الدين من «الإرجاف»:

هذه الأفعال من كبائر الذنوب، لأنها سفك للدم الحرام وقتل لنفوس الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين التي حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق، وعظم الشرع دم المسلم ورهب ترهيبًا شديدًا من إراقته أو المساس به بلا حق؛ قال تعالى: ?ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما? [النساء: 93]، وروى النسائي في "سننه" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم».

حرم الله قتل النفس مطلقًا بغير حق فقال عز وجل: ?ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق? [الأنعام: 151]، بل جعل الله تعالى قتل النفس -مسلمة أو غير مسلمة- بغير حق قتلا للناس جميعا؛ فقال سبحانه: ?من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا? [المائدة: 32].

حكم «الإرجاف»:

يختلف تبعا لاختلاف المفهوم، فما يحدث من أعمال قتل وترويع وتدمير الممتلكات داخل المجتمع المسلم يسمى عند الفقهاء بالحرابة، وهي قطع الطريق أو الإفساد في الأرض، والمتلبس بها مستحق لأقصى عقوبات الحدود من القتل والسرقة والزنا، لأنه إفساد منظم يتحرك صاحبه ضد المجتمع، قال تعالى: ?إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم? [المائدة: 33].


«التكفير» وعلاقته بـ«الخوراج»:

إذا ارتبط الإرجاف بتكفير الناس فإن أصحابه يكونون حينئذ خوارج وبغاة حتى تنكسر شوكتهم ويفيئوا إلى الحق ويرجعوا إلى جماعة المسلمين، كما قال تعالى: ?وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين? [الحجرات: 9]، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه فيما حكاه الحافظ البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 326، ط. دار الكتب العلمية): [أمر الله بقتال الفئة الباغية، وأمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس القتال من القتل بسبيل؛ قد يجوز أن يحل قتال المسلم ولا يحل قتله، كما يحل جرحه وضربه ولا يحل قتله] اهـ.

حكم أفعال التخريب والقتل وإيذاء الناس:

ما تفعله هذه التنظيمات من أفعال التخريب والقتل التي أفرزتها مناهج الإرجاف الضالة حرام شرعًا، وهو من أشد أنواع البغي والفساد الذي جاء الشرع بصده ودفعه بل وقتال أصحابه إن لم يرتدعوا عن إيذائهم للمسلمين ولغير المسلمين مواطنين ومستأمنين، وما يسميه هؤلاء «جهادا» ما هو إلا تدليس وتلبيس حتى ينطلي هذا الفساد والإرجاف على ضعاف العقول، بل هذا بغي في الأرض بغير الحق يعد أصحابه بغاة وخوارج يقاتلون إن كانت لهم منعة وشوكة حتى يرجعوا عن بغيهم وإرجافهم.

وتعد هذه الأفعال منافية لمقاصد الشرع الكلية؛ وأكد الشرع على وجوب المحافظة على خمسة أشياء أجمعت كل الملل على وجوب المحافظة عليها، وهي: «الأديان، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال»، وهي ما تسمى بالمقاصد الشرعية الخمسة.

الخلاصة:
وأنهى مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، فتواه بأن ما يقوم به الإرهابيون في مصر وغيرها من حملات تخريب لمنشآت الدولة وقتل موجه لرجال الجيش والشرطة والمدنيين ودور العبادة تحت دعوى الجهاد في سبيل الله، هو في الحقيقة إرجاف وليس جهادا، وهؤلاء بغاة وخوارج يجب على ولاة أمور المسلمين التصدي لهم بما يكسر شوكتهم ويستأصل شرهم.