خبير بالأمن الدولي يكشف أفضل أسلوب لهزيمة حروب الجيل الرابع

اللواء أ.ح. سيد غنيم - زميل أكاديمية ناصر العسكرية واستشاري الأمن الدولي بأكاديمية دفاع الناتو
اللواء أ.ح. سيد غنيم - زميل أكاديمية ناصر العسكرية واستشاري الأمن الدولي بأكاديمية دفاع الناتو
حروب الجيل الرابع، والتي أطلق مصطلحها لأول مرة عام 1989 عُرفت بالنزاع في منطقة غير واضحة المعالم بين دائرتي الحرب والعمل السياسي ويشغل هذه المنطقة مقاتلون أو سياسيون أو كلاهما معاً. 


وتُعرف أيضاً بأنها عنصر العنف غير الحكومي والذي يحارب دولة أخرى بأسلحته الخاصة، وقد صيغت من خلال نفس المفهوم على أنها "الحرب اللا متماثلة" أي الصراع الذي يتميز بعدم تكافؤ التسلح ولامركزية الإجراءات، وقد طُور الجيل الرابع إلى 4.6GW، لتُستخدم فيه وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة السياسية.


ويتميز أسلوب حرب الجيل الرابع بـ(العنف الجسدي) كما في حالات الإرهاب، وقد يتميز أيضاً بقوة (العنف الذهني) كما فعل "غاندي" و"مارتن لوثر كينج"، فكانا يُصران على تخفيض كافة مستويات العنف التي يقابلونها دون أدنى مستويات العنف الجسدي، ومن ثم قد يُدار أيضاً بواسطة من مثلهم من المعارضين في دولهم سواء ضد استعمار عسكري أو فكري، كما يتميز بأنه يتضمن صراعات معقدة وطويلة الأجل، قد تعمل بتكتيكات الإرهاب، تستند على قاعدة غير وطنية أو عبر الأوطان، فهي تدار بشكل شديد اللامركزية. 


تُشن فيه هجوماً مباشراً على ثقافة وأيدلوجية العدو، كما قد تتم فيه أيضاً أعمال إبادة جماعية ضد المدنيين، ويتميز أيضاً بعدم وجود التسلسل الهرمي بها ربما لصغر حجمها، ولذا فهو يعتمد على أساليب التمرد وحروب العصابات، ويظهر فيها نوع من العمليات النفسية المتطورة للغاية، وخاصة من خلال التلاعب بوسائل الإعلام، فهي تستخدم جميع الضغوط المتاحة (سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية). 


ويتميز من يقومون بحروب الجيل الرابع بعدم وجود سلطة عليهم أو تركيب تنظيمي هرمي مُقنن لهم، والمثابرة والصبر والمرونة والعمل بعيداً عن الأضواء عند الحاجة، وصغر حجم عناصرهم وقد يلجئوا لتكتيكات مسلحة أو أعمال إرهابية ضد البنية التحتية للدولة المُستهدفة، مستهدفين جميع الجبهات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والمدنية، ووسائل الإعلام.


أما عن الأهداف الإستراتيجية لمن يشنون الجيل الرابع من الحروب فتتلخص في هزيمة الإرادة السياسية للدولة المستهدفة وفرض إرادة سياسية مخالفة عليها، وتحول هوية وأيدلوجية الدولة من القومية إلى العقائدية أو العكس، وإقناع صناع القرار السياسي بأن أهدافهم إما قابلة للتحقيق، أو أنها ستكون مكلفة للغاية مقابل ما تتوقعه الدولة المُستهدفة حالة محاولة القضاء عليهم بالعنف.


وقد تحدث مئات الخبراء بالوطن العربي دون مصادر حقيقية في حروب الجيل الرابع، دون محاولة واحدة من أحد التطرق لأنسب أسلوب علمي لمجابهته من مصادره الموثقة، وربما السبب هو حساسية طبيعة المواجهة العلمية .


وعن حروب الجيل الرابع تحدث اللواء أ.ح. سيد غنيم زميل أكاديمية ناصر العسكرية واستشاري الأمن الدولي بأكاديمية دفاع الناتو، قائلا: إن الباحث والمؤرخ الأمريكي "وليم ليند"، صاحب نظرية أجيال الحروب الوحيد، يرى أن أفضل أسلوب لمواجهة من ينتهج حرب الجيل الرابع يتلخص في: "العمل على تجزئة صفوف من ينتهجوه وتفتيتها وإفقادهم الثقة فيما التفوا حوله، والذي يحقق نجاحاً كبيراً حالة أن منفذيه (سواء مُسلحين أو سلميين) يعملون بالفعل من أجل مصالح خاصة وليس عقيدة راسخة، ولن يظهر أفكارهم ونواياهم وسبل تخريبهم والتغلب على أفكارهم وإجراءاتهم الهدامة بهذا الأسلوب سوى (الحكم الرشيد)".


وأضاف في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» أنه يتفق تماما مع "وليم ليند"، بأن أفضل أسلوب مواجهة حروب الجيل الرابع هو «الحكم الرشيد»، مشيرا إلى أنه مصطلح سياسي يُستخدم في أدبيات التنمية الدولية لوصف قدرة الكيانات السياسية (الحكومات/ المؤسسات الوطنية) على إدارة شؤون البلاد بحكمة وكفاءة وجودة تضمن للدولة البقاء، وللشعب الرفاهية والقدرة على التنمية في كافة مجالاتها.


وأوضح «غنيم» أن الحكم الرشيد له خصائص تسع رئيسية، أولها المسؤولية (الرقابة)، بمعني أن الحكومة الرشيدة تخضع للمسائلة والرقابة الشعبية بمبادرة منها، والحكومة المحلية مُلزمة بالإبلاغ عن نتائج القرارات التي اتخذتها نيابة عن المجتمع الذي تمثله، وشرحها، والإجابة عن أي أسئلة تخصها وتحمل مسؤولية نتائجها.


وثانيها الشفافية، بتمكين الشعب من متابعة وتفهم نتائج القرارات الحكومية المُتخذة من خلال تقارير دورية متخصصة وشاملة، ومدى تطبيق البنود الدستورية.. إلخ، وثالثها التشاركية والتواصل، وذلك بأن يكون للشعب صوت في صنع القرارات الهامة، وذلك إما بصورة مباشرة، بل وإعطاء الفرص للشعب لتقديم توصيات طبقاً لرؤياهم، وذلك عن طريق مؤسسات وسيطة شرعية تمثل مصالحهم، كمجلس النواب وأيضاً من خلال التواصل الإعلامي بكافة وسائله، واستطلاعات الرأي بواسطة مراكز الأبحاث المتخصصة وغيرها.


وأضاف «غنيم» أن رابع خصائص الحكم الرشيد، هو سيادة القانون، ويعني توافق القرارات الحكومية مع الدستور والقانون العام والتشريعات المُستجدة ذات الصلة، كما يُعني تطبيق القانون في كافة الأمور على الجميع بحياد تام ودون استثناءات، وخامسها الاستجابة (التجاوب)، حيث ينبغي أن تحاول الحكومة المحلية دائما تلبية احتياجات المجتمع بأسره مع تحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة والعمل على إذابة أي تناقض بينها (مثلاً: كالتنافس بين الأمن وحقوق الإنسان، وبين الإصلاحات وزيادة الضغوط والأعباء على عامة الشعب، وبين تنشيط السياحة وزيادة الاستثمارات وزيادة القيود على الاستثمارات والقيود الأمنية، إلخ)، وذلك في ظروف وبطريقة ملائمة ومتجاوبة.


وتابع استشاري الأمن الدولي بأكاديمية دفاع الناتو، أن سادس هذه الخصائص هو العدالة الاجتماعية الشاملة، وتتحقق بتنامي رفاهية المجتمع بكافة فئاته، أي بشعور الشعب بكافة فئاته، خاصة أشد الفئات ضعفا، بالاستفادة المتكافئة من الخدمات المُستحقة على الحكومة من تعليم وعلاج وبنية تحتية وغيرها.


وسابع الخصائص هو الفعالية والكفاءة، حيث يجب على الحكومة المحلية تنفيذ القرارات ومتابعة العمليات التي تستفيد بشكل أفضل من الأشخاص والموارد والوقت والظروف المتاحة، لضمان أفضل النتائج الممكنة لتنمية مجتمعهم، وثامنها هو الوعي الجمعي، فالحكومة الرشيدة تتوسط المصالح المختلفة للتوصل إلى إجماع واسع حول ما هو في صالح المجتمع كلما أمكن بشأن السياسات والإجراءات الصائبة.


واختتم اللواء أ.ح. سيد غنيم، حديثه بالخاصية التاسعة للحكم الرشيد، وهي الرؤية الإستراتيجية، بأن يجب على الدولة قادة وشعباً أن يكون لديهم منظور واسع الأفق وطويل الأجل بشأن الحكم الرشيد والتنمية البشرية وبما يكون الرؤية الإستراتيجية، كما يجب أن يكون لديهم الوعي اللازم لتحقيق هذه الرؤية، والمقدرة على تفهم الأبعاد التاريخية والثقافية والاجتماعية التي تقوم عليها.