ترامب في مواجهة «موسكو ومولر وطواحين الهواء»

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

واقفٌ على أرض هشة، ومدافعٌ عن صورته أكثر منه متباهيًا بانجازاته؛ ينتظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية تحقيقات مولر، التي تضعه كل احتمالات نتائجها النهائية في موقف لايحسد عليه؛ فإن لم يُعزل، طاردته الضغوط والشائعات التي تشير إليه بأصابع الاتهام مؤكده على أن الليلة قد تكون –إلى حد كبير- شبيهة بالبارحة.  

«احتمال بقائه في الرئاسة لا يتعدى الـ30%» ..، هذا ما يعتقده مساعد ترامب السابق ستيف بانون وفقًا لتصريحات نقلتها صحيفة الإندبندنت البريطانية، والتي أكد فيها أنه نتيجة للانقسام الشديد الذي يشهده البيت الأبيض فإن ترامب قد لا يستمر طويلاً على كرسي الرئاسة الذي قاتل كثيرًا من أجله.

ووفقًا للصحيفة البريطانية فإن بانون حذر ترامب أكثر من مرة من المادة 25 من الدستور الأمريكي والتي تقضي بأحقية الحكومة للتصويت على عزله على خلفية ظروف محدده من بينها حالة الرئيس الصحية أو العقلية وحتى أدائه داخل البيت الابيض.

كان الحديث عن وجود نفوذ روسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة مسيطرًا بدرجة كبيرة على وسائل الإعلام الأمريكية الفترة الماضية، ولذلك تم تشكيل لجنه برئاسة المحامي الأمريكي روبرت مولر للتحقيق بشكل موسع في قضية تورط موسكو بالانتخابات، إلا إن التطورات التي توصلت إليها نتائج التحقيقات، بالتحديد يوم الاثنين 30 أكتوبر باعتراف أحد أعضاء حملة ترامب الانتخابية بإدلائه بتصريحات خاطئة للـFBI حول مرشحته المنافسة آنذاك هيلاري كلينتون، كانت بمثابة جرس انذار لحكومة الرئيس الجديد، أن عرشه ليس ثابتًا كما يظن.

ماذا يحدث في البيت الأبيض؟
الحقيقة أن اعتراف جورج بابادوبولوس الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام الأمريكية الاثنين 30 أكتوبر، كان مجرد «حجر صغير» حرك مياه التحقيقات «التي لم تكن راكدة» بقدر ما لم تكن حققت نتائج حقيقية قبل ذلك.

فوفقًا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، الثلاثاء 31 أكتوبر فإن هناك ثلاثة  أشخاص مسئولين ومقربين من ترامب متهمين في ملف التورط مع موسكو، هم: «بول مانافورت، جورج بابادوبولوس، و ريك جيتس».

بول مانافورت، هو المدير السابق لحملة دونالد ترامب الانتخابية، ومن خلاله ظهرت أولى مزاعم تورط الرئيس الحالي في شائعات وجود نفوذ روسي مسيطر على شئون و سياسات الولايات المتحدة، وليس على الانتخابات السابقة فقط.

أما مسئول السياسة الخارجية بحملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جورج بابادوبولوس، هو من تحدثت عنه وسائل الاعلام الاثنين 30 أكتوبر بعد اعترافه بتقديم شهادات خاطئة  إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي «إف بي أي»، حول المرشحة الخاسرة هيلاري كلينتون.

والثالث- هو نائب رئيس حملة ترامب السابق، وشريكه المعروف، ريك جيتس.

 كان جيتس متهمًا مع بول مانافورت في قضية تتعلق بالتآمر وغسيل الأموال والإدلاء ببيانات كاذبة  أمام القضاء الأمريكي، هذا بالإضافة لتورطه في قضية سياسية تزعم تقديمه المشورة لحزب سياسى صديق لروسيا فى اوكرانيا.

التحقيق الذي بدأته الولايات المتحدة في السنة الماضية تصاعدت وتيرة احداثة بطريقة لافته للأنظار منذ تعيين المحامي «روبرت ميلر» مسئولاً عن التحقيقات في مايو الماضي، ووفقًا لتقرير الصحيفة الأمريكية، فقد تبادل الثلاث مسئولين عدد من رسائل البريد الالكتروني مع أشخاص روس، كما أنهم عقدوا معهم عدد من الاجتماعات الرسمية بينما كانوا مازالوا يعملون في حملة ترامب الانتخابية بشكل رسمي.

واعتبرت واشنطن بوست في تقريرها هذه الاتهامات مؤثرة بشكل مباشر على الرئيس الأمريكي، خاصة وانه من المتوقع أن تكشف التحقيقات خلال الفترة القادمة تواطؤ اكبر مما يحدث حاليًا، وأن يتجاوز الأمر مجرد ترتيب وعقد اجتماعات مع مسئولين روس خلال الفترات الماضية.

البيت الأبيض: لا توجد أدله ضدنا
كعادة ترامب، لم يتمكن من الصمت طويلاً امام الضغوط وأصابع الاتهام التي انتهزت الفرصة لتؤكد أنه لن يستمر طويلاً في البيت الأبيض.

في بيان رسمي عن البيت الأبيض، اكدت المتحدثة الرسمية سارة ساندرز، أن «بابادوبولوس» كان دوره محدودا جدًا داخل الحملة الانتخابية للرئيس ترامب، بل وأكثر من ذلك، فقد أكدت ساندرز، أن الرجل المتهم حاليًا بتقديم شهادات خاطئة لمكتب التحقيقات الفيدرالي كان «متطوعًا في الحملة» ولم يكن له أي نشاط رسمي معلن باسم الرئيس الحالي.

ولم يتوقف ترامب عند ذلك الحد، بل كتب بنفسه على حسابه الخاص على «تويتر»- قائلاً: «آسف، ولكن كل الاتهامات التي تنتشر حاليًا هي وقائع حدثت قبل انضمام مانافورت للحملة منذ فترة طويلة».
وفي تصريحات لمحامي مانافورت، كيفين دونينج، اكد أن الرئيس ترامب محقًا بشأن ما حدث، وأنه لا يوجد دليل حقيقي على تورط أي منهما في أي علاقات مع الجانب الروسي.

والحقيقة ان الخطوات التي تم اتخاذها في القضية تعتبر لافته للنظر وقوية وفقًا لواشنطن بوست، لكنها ايضًا على الارض الواقع لا تعتبر نهاية القضية، وقد تتغير الامور رأسًا على عقب بعد ذلك، فإن كانت الوثاق التي تم نشرها تثبت انه كان على تواصل مع الروس، فإنها لا تثبت تورط ترامب، ولا تثبت أن ذلك حدث في الوقت الذي كان فيه «مانافورت» أحد أعضاء الحملة الانتخابية.

وفي تقرير آخر نشرته صحيفة نيويورك تايمز، قال جاي سيكولو، - محامي ترامي الخاص- إنه لا يشعر بأية قلق نحو موقف ترامب القانوني في ظل كل ما يتم الاعلان عنه.

وتابع سيكولو مؤكدًا إنه: «لم يحدث اي تعاون بين ترامب أو اي من المقربين منه رسميًا وبين المسئولين الروس. لا يوجد أية أدلة حقيقية حول هذه المزاعم. ترامب ليس له صلة تماما بمايحدث.»

هجوم ترامب..وسيلته للدفاع
تعليقًا على صراعات البيت الأبيض كتبت «الجارديان» البريطانية تقول، إن ترامب كان شاغله الأول دائًما هو إزاحة الاتهامات عن طريقة وتبرئة صورته.

فمنذ بداية توجيه الاتهامات لـ«مانافورت» بقضية غسيل الأموال لم يتمكن ترامب من الصمت، لكن الحقيقة أن ما حدث مؤخرًا، والتطور الجديد الذي شهدته التحقيقات باعترافات «بابادوبولوس» لهو خطوه لم تفاجئ الأمريكيين فحسب، بل ترامب نفسه. 

ويبدو أن لجنه مولر أزعجت ترامب إلى حد أنه وصفها بأنها «مصيدة الساحرات» في واحدة من تغريداته على موقع «تويتر».

ربما تكون اللجنة [مولر] تسير في طريق ينتهي بنهاية تواجد ترامب نفسه داخل البيت الأبيض، إلا إن التوقعات حتى الآن لا تنبئ بأن هذه ستكون النهاية الحتمية، خاصة وان ما يحدث حاليًا في الحقيقة لا يتعدى مجرد تحقيقات، وما ظهر من نتائجها الأولية اتهم عدد من الاشخاص الذين كانوا مسئولين -من قبل- في حملته الانتخابية.

 وبالإضافة لعدم وجود تأكيدات أو أدلة حول تورط ترامب في الملف الروسي، يظل الرئيس الأمريكي يصارع، ليس فقط الإعلام أو لجنة مولر، أو الماده 25 من الدستور، أو مشكلاته مع وزير خارجيته – ريكس تيلرسون-  التي ينتهز كل فرصة لنفيها، أو زعماء كوريا الشمالية، وإيران، وفنزويلا، أو حربه الباردة مع موسكو، ولكن يُصارع حتى «طواحين الهواء» إن اعتقد انها تتآمر ضده.