بعد 32 عامًا.. تفاصيل «رحلة الموت بمالطا» يرويها طاقم «مصر للطيران»

الطائرة المصرية بمالطا بعد اقتحامها
الطائرة المصرية بمالطا بعد اقتحامها
32 عامًا مرت على قصة اختطاف الطائرة المصرية من أثينا إلى مالطا، والدور البطولي للمضيفة الجوية شادية سلامة إلا أن سماء الطيران العالمي لا تزال ترسم بطولتها، بعد تضحيتها بنفسها لإنقاذ حياة ركاب رحلة رقم 648 التابعة لشركة مصر للطيران سنة 1985.

ولدت شادية سلامة في 16 ديسمبر 1952 بمدينة السويس، لأب كان يعمل في جمرك السويس، وأم تفرغت لتربية أبنائها الخمس، ثم ترعرعت في السويس ولم تنزح شادية وعائلتها من المدينة أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

التحقت «شادية» بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية، وكان حلمها كغالبية الفتيات الالتحاق بوظيفة «مضيفة جوية»، ومن أجل ذلك أجادت اللغتين الإنجليزية والفرنسية بجانب لغتها الأم العربية، ثم تقدمت لإعلان الضيافة الجوية ونجحت في الالتحاق بالدفعة 45 في الثلاثاء 31 يناير 1978، وكانت أولى رحلاتها إلى مدينة أسوان.

وتميزت شادية في عملها وتم اختيارها لتكون مدربة للدفعات الجديدة للضيافة الجوية عام 1982 بعد 4 أعوام فقط من التحاقها بـ«مصر للطيران».

رحلة رقم 648 
رئيس النقابة العامة للضيافة الجوية، أسامة عبد الباسط، في شهادة له عن هذه المضيفة، أكد أنه في 23 نوفمبر 1985، تم اختيار شادية لتكون على الرحلة المتجهة إلى أثينا في جمهورية اليونان رقم 648 على طراز بوينج 200-737، وتكون طاقم الطائرة من الطيار هاني جلال ومساعده عماد بهيي الدين، ورئيس طاقم الضيافة شادية سلامة، ومضيفة جوية متدربة حنان الحبروك، ومضيفة جوية أشجان عطية، ومضيفة جوية هناء الدربي، وضابط أمن مدحت مصطفى ونبيل فاروق وحسن الششتاوي وأشرف إبراهيم، وفي ذلك الوقت كان الأمن يتكون من اثنين من العاملين بأمن مصر للطيران وضابطي شرطة.

أقلعت الرحلة من القاهرة إلى أثينا في موعدها المحدد، ووصلت أثينا وتم إنزال الركاب وتنظيف الطائرة، وصعد الركاب الجدد على متن الطائرة وعددهم 97 راكبًا، من بينهم 30 مصريًا منهم 11 راكبًا يحملون جوازات سفر فلسطينية زوج وزوجة وخمسة أطفال وسيدة برفقتها 3 أطفال"، بالإضافة لطاقم الرحلة المكون من ستة أعضاء وأربعة ضباط أمن، و21 فلبينيًا و17 يونانيا و3 أمريكيين وراكبين من كل من إسرائيل وفرنسا وكندا والمكسيك والمغرب وراكب من كل من غانا وإسبانيا وبلجيكا وتونس.

وعند الساعة 9 وبعد 22 دقيقة من إقلاع الطائرة من مطار أثينا في طريقها إلى القاهرة تحدثت رئيسة الطاقم شادية سلامة في الإذاعة الداخلية للطائرة لتخبر الركاب بانطفاء الإشارة الدالة على ربط الأحزمة، وبدأ طاقم الضيافة في مباشرة أعماله.

شهادات الطاقم 
تقول هناء الدربي في شهادتها عن الرحلة - كما وثقتها النقابة العامة للضيافة الجوية - إنها كانت مع زميلتها أشجان عطية في الصفوف الأولى للمقاعد توزعان الصحف على الركاب، ونهض أحد الركاب من مقعده واتجه صوب كابينة القيادة وحاول فتح بابها، فظنت أنه أخطأ الطريق إلى دورة المياه، وعندما أشارت إلى مكانها، دخلها بالفعل، ثم خرج منها بعد لحظات وأندفع نحو كابينة القيادة، عندما لاحظت أنه يحمل في يده اليمنى قنبلة.

وأضافت الدربي: «في تلك اللحظة تقدم بسرعة راكب أخر من مؤخرة الطائرة، وصرخ فينا يأمرنا بالجلوس في أقرب مقعد، وكان يبدو عصبيا ومندفعا ويركل بقدمه كل من يلقاه ويثير الرعب بين الركاب، وعندما التفت خلفي لمحت شخصا ثالثا يحمل مسدسا وقنبلة وطلب مني ومن زميلاتي المضيفات جمع الركاب في مؤخرة الطائرة حيث قام بتفتيشهم، ثم بعد ذلك أعلنوا إنهم منظمة تدعى (ثوار مصر) لكن اتضح لاحقا كذبهم، وطالبوا من الجميع التزام الهدوء وعدم الحركة ووضع أيديهم فوق رؤؤسهم.

وقالت كذلك في شهادتها: «سألني أحد الإرهابيين عن رجال الأمن على الطائرة، فأجبته بأنه لا يوجد أي منهم على هذه الرحلة، فنظر إلى بحدة ثم تركني إلى زميلتي أشجان التي تكمل الحديث أن الإرهابيين بمجرد معرفتهم لوظيفة كل راكب كانوا يعتدون عليه بالشتائم ويدفعونه بعيدا وأنهم كانوا يبدون اهتماما ملحوظا بجنسيات الركاب وطالبوا منا جلوس الأجانب من الركاب على يسار الطائرة، واليونانيين والمصريين على يمنها وعندما انتهينا من تنفيذ ما طلبوه، طلب مني أحدهم تسليم جواز سفري».

في هذا الوقت لمحت زميلي مدحت مصطفى يخرج مسدسه ببطء من كعبه ليسلمه إليهم، وفجأة قام بقلب المسدس بحيث أصبحت فوهته في عنق الإرهابي الأول وأطلق منه ثلاث طلقات وأودته قتيلا على الفور، فما كان باقي الإرهابيين إلا أن تكاتفوا عليه وأطلقوا عليه وابلا من الرصاص (18 رصاصة)، وأصيبت هناء، فدفعني أحد الإرهابيين بيده لكي أجلس بين ثلاثة ركاب وأنا اتجه للجلوس أطلق علي أربع رصاصات.

شادية سلامة
وواصلت هناء الدربي شهادتها، قائلة: «في تلك الأثناء ظهرت رئيسة الطاقم شادية سلامة التي كانت تساعد الزميلة حنان في مؤجرة الطائرة، وأخبرتهم بأنها المسئولة عن سلامة جميع الركاب داخل الطائرة، وأن مهمة الطاقم هي سلامة الجميع، وأن الطاقم سينفذ طلباتهم ويتعاون معهم فلا يوجد داع للقضاء على الطاقم، ولم تشعر بالخوف وكانت متمالكة أعصابها وتحاول أن تنقل الهدوء إلى باقي الركاب، وكان الجميع يتعجب من تعاملها مع الإرهابيين بثبات».

كابتن الطائرة 
في هذه الأثناء كانت الطائرة فوق جزيرة ميلوس ضمن المجال الجوي اليوناني، فاقتحم شخص كابينة القيادة بعد أن دفع باب الكابينة بشدة، قائلا: «لا تحاولوا المقاومة الطائرة مخطوفة نفذوا تعليماتي.. عليكم التوجه إلى طرابلس أو بنغازي، فنظر كابتن هاني إلى المساعد كابتن عماد وفهم النظرة فأدار الرادار على علامة الطوارئ لتلتقط المطارات القريبة الإشارة، ليحولا المسار إلى مالطا».

قبل أن تمر 10 دقائق، اخترق صوت الرصاص الصمت والترقب آتيا من الخلف وخرج المختطف الذي كان موجودا في كابينة القيادة ليستدير ويطلق ثلاث رصاصات ناحية ضابط الأمن مدحت مصطفى.

واخترقت بعض الرصاصات المتبادلة داخل الطائرة الكابينة، واستقرت إحداها في عدادات الزيت والأكسجين والأخرى على مقبض ذراع القيادة ونظرت للعدادات فوجدت هبوطا ملحوظا في ضغط ماكينة الزيت وهبوطا في الأكسجين فتم الإسراع في الهبوط إلى 14 ألف قدم من ارتفاع 34 ألف قدم.

ونتيجة الاشتباك بالرصاص اختل الضغط داخل الطائرة بسبب الثقوب التي أحدثتها الأعيرة النارية، ما يمثل خطورة على سلامة الطائرة ومن عليها، فتم طلب الهبوط الاضطراري بمطار لوقا بمالطا ورغم رفض سلطات المطار منح الطائرة الإذن بالهبوط وقيامها بإطفاء أنوار المطار، ولكن لم يكن هناك خيار آخر لقائد الطائرة فهبط كابتن هاني بالطائرة في الساعة 11 و16 دقيقة مساء.

المرزوقي 
وبمجرد هبوط الطائرة واستقرارها على الأرض تحدث الإرهابي نبيل واسمه الحقيقي "عمر المرزوقي" عبر أجهزة الطائرة وطلب أن تقف الطائرة في مكان بعيد عن مبنى المطار، وطلب تزويد الطائرة بالوقود، وأنهم سيعلنون باقي طلباتهم في وقت لاحق، وهددوا بقتل راكب كل ربع ساعة إذا لم تنفذ سلطات المطار طلبهم بتزويد الطائرة بالوقود وأن هناك أربعة قتلى على الطائرة.

أحاطت قوات الأمن وسيارات الشرطة الطائرة التي فتحها وقاموا بقذف الجثة الأولى وكانت لضابط الأمن مدحت مصطفى.

دور بطولي 
هنا طالبت «شادية» المختطفين بأن يظهروا حسن نواياهم ويفرجوا عن بعض الركاب والمصابين فجمع المختطفون بعض السيدات (7 فلسطينيات و4 مصريات)، وأمروهم بالخروج من الطائرة ومن بينهم المضيفة الجوية هناء الديربي التي أصيبت بشظية في الظهر نتيجة الاشتباك والمضيفة الجوية أشجان عطية التي أصيبت بأربع رصاصات وتم إبقاء المضيفتين حنان الحربوك وشادية سلامة.

تقول أشجان: «بعد أن وافق الخاطفون على اقتراح شادية وسمحوا لنا بالنزول من الطائرة أقلتنا سيارة الإسعاف أنا وهناء ومدحت الذي أراد الله أن يكتب له عمر آخر إلى مستشفى القديس لوقا بمالطا».

 وعند الساعة الثالثة فجرًا، قتل المختطفون راكبا خامسًا ثم عادوا في الساعة الرابعة و15 دقيقة لقتل الراكب السادس وهنا قرر الإرهابيون نقل رسالة للسلطات المطار واختاروا شادية لتكون وسيطا للتفاوض، ووافقت بكل شجاعة وقبلت أن تحمل رسالتهم إلى سلطات المطار، وهددوا بقتل الركاب إذا لم تعد بعد 10 دقائق، وأكدت لهم أنها ستعود.

حاول مسئولون المطار إقناعها بالبقاء وعدم العودة؛ لكنها رفضت بإصرار، وقالت لهم: « مكاني هناك وسط زملائي يصير لي ما يصير لهم وأمام هذا وافقوا على عودتها، ولم تتردد لحظة في اتخاذ القرار وقبل أن تنتهي الدقائق الـ10 كانت على الطائرة، رجعت إلى الطائرة مرة ثانية وهي تعلم أن رحلتها الآخرة أوشكت على الانتهاء فعادت وهي تقول هذا وجبي وعملي».

24 ساعة 
بعد مرور 24 ساعة، وتحديدًا عند التاسعة والربع مساء الأحد بتوقيت القاهرة، قامت قوة من الصاعقة المصرية من الوحدة 777 باقتحام الطائرة، بعد أن تم إطفاء أنوارها، تمهيدا للهجوم وتم تقسيم مجموعة الاقتحام لخمس مجموعات لكل منهما مهام محددة، بعد تنفيذ المجموعتين الأولى والثانية لمهمتهما، ثم قتل القوات اثنين من الإرهابيين، الذين قاما بقذف القنابل بطريقة عشوائية داخل الطائرة وقبل مقتلهما قامت المجموعة الثالثة بفتح الباب الرئيسي وبدأ الإرهابي الثالث في إطلاق النار على المجموعة من ناحية كابينة القيادة.

ثم أندفع خارجا يرمي القنابل داخل وخارج الطائرة فقتلته مجموعة الاقتحام وقذفت به خارج السلم وتوفى في الحال متأثرا بجراحة، تساقط 56 قتلى كانوا على متن الطائرة من ضمن 97 بسبب قنابل الإرهابيين ومن ضمنهم شادية سلامة التي رحلت متأثرة بإصابتها في اليوم التالي للاقتحام، وتحديدا الاثنين 25 نوفمبر 1985.

18de09e9-21b5-4c94-96a3-e06f05ab7512

f212b410-6ed7-4cca-a542-05d402674b00

fb45816d-10ab-462c-8855-1dad7479131d