شيع الآلاف من أهالي قرية البطرواي بحي الجناين، في جنازة عسكرية مهيبة شهيد جديد أنضم إلى قائمة طويلة من الأسماء التي ضحى أصحابها بأرواحهم فداءً للوطن. محمد كامل الجميل مجند بالأمن المركزي، راح هو و9 من زملائه وضابط شرطة ضحية العمل الإرهابي في رفح بشمال سيناء صباح الثلاثاء 2 سبتمبر، في ليلة اتشحت فيها محافظات مصر بالسواد حزنا على ضحايا هذا الحادث. "قد كنت لا أرضى التباعد برهة كيف التصبر والبعاد دهور..أبكيك حتى نلتقي في جنة برياض خلد زينتها الحور" تلك الأبيات التي رثت فيها الشاعرة التيمورية ابنتها كانت الأقرب لنصف حال الأم التي قدر الله لها أن يكون ابنها من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فنال الشهادة في سبيله وهو يحمي أرض الوطن. قطع البكاء أنفاسها، وحال بينها وبين الحديث أو حتى الدعاء له، جلست مع والدة وأصدقائه على جانب الطريق بكمين جنيفة انتظارا لوصول جثمانه. تتحدث عنه قائلة: "كان راجل، اعتمد على نفسه، وتولى رعايتي وشقيقته ابتسام، وشقيقته الأخرى حتى تزوجت". وأضافت أنه عمل نجارا قبل التحاقه بالجيش، حتى في أيام الأجازة كان يقضى اليوم الأول بالمنزل بمنطقة الألبان، ويسرع إلى الورشة للعمل. صمتت قليلا، وتعلن شفتيها عن ابتسامة تحبسها الدموع، تحكى عن أخر لقاء بينهما، كان محمد يريد التقدم لخطبة إحدى الفتيات، بعد انتهاء مدة خدمته بالجيش، لكنه لم يحدثني لأنه يعلم قصر اليد، أخبرني أن هناك أمرا يريد أن يحدثني فيه، سألته ما هو، لكنه غادر وقال لي: "في الأجازة القادمة سأخبرك يا أمي، وقد ذهب لربه دون أن يخبرني". تكمل الأم حديثها..كان منبعا للحنان بعدما تركنا والده لظروف أسرية وعاش في محافظة الشرقية، وقف بجوار شقيقته حتى تزوجت وتحمل وبالرغم من صغر سنه فلم يتجاوز 22 عاما، إلا انه منع عن نفسه حب الحياة لأجل شقيقتيه، فكان دائم الزيارة والود لشقيقته المتزوجة، وعطوفا على شقيقته الأخرى التي تمت خطبتها قبل أشهر معدودة. تحكى الأم عن أخر حديث بينهم، قالت: "اتصل بي قبل استشهاده بيومين، وسألني هل احتاج إلى شيء، وطلب مني الدعاء له، والاهتمام بشقيقته الصغرى". والده كان أكثر تماسكا، فقد علم بنبأ استشهاد ابنه من جار لهم يعمل بالخدمات الطبية بالمستشفى التي نقل محمد إليها عقب أصابته وفارق فيها الحياة. بدا اثر سكرات الحزن عليه شارد الذهن، يدخل في صمت طويل، وبين الحين والأخر، ينادى "يا محمد وحشتني..أنا عارف انك هتفضل تسأل عليا"..ثم ينظر إلى السماء قائلا: "لله ما أعطى ولله ما اخذ، نحسبه شهيدا عندك يا الله". سيد محمد كان أكثر أصدقاءه تأثرا بصدمة وفاته، فقد كان أخر من تحدث إليه قبل استشهاده، وأخبره أن لدية شعوراً بأنه لن يعود إلى منزله، وانه كان عليه أن يودع أسرته، كان يعلم أن مكان أخر أفضل من الدنيا ينتظره ولكنه لم يرد الإفصاح عنه. " لا إله إلا الله..الشهيد حبيب الله".."الإسلام عمره ما كان عنف".."الإرهاب مش في الدين"، هتافات رددها أهالي قرية البطران في جنازة محمد، بعد أدائهم صلاة الجنازة عليه بمسجد السيد البدوي. تقدم مدير أمن السويس اللواء طارق الجزار، ووالد الشهيد واللواء علي ماهر نائب مدير الأمن، والعميد عاطف مهران مدير إدارة البحث الجنائي، صفوف المشيعين من أهالي القرية وأصدقاء محمد، وتم وضع جثمان الشهيد أعلى سيارة إطفاء تقدمت الجنازة، وزغاريد نساء القرية تخترق الهتافات، فرحين بما ناله من شهادة، أما أمه فقد حرصت على أن تكون بجانبه حتى وصل للمقابر، وظلت تلحق بالسيارة وهى تبكى وتقول حسبي الله ونعم الوكيل، حرقوا قلبي".